خلفية تاريخية
في القرن التاسع عشر، شهدت إيطاليا سلسلة من الأحداث التي أدت في النهاية إلى توحيد البلاد تحت حكم مملكة إيطاليا. كان هذا التوحيد عملية طويلة ومعقدة، تضمنت حروبًا وتحالفات دبلوماسية واستفتاءات شعبية. لعبت الكنيسة الكاثوليكية دورًا مهمًا في تاريخ إيطاليا لعدة قرون، حيث كانت الدولة البابوية تحكم جزءًا كبيرًا من وسط إيطاليا. ومع ذلك، فإن صعود القومية الإيطالية والرغبة في توحيد البلاد هددت السلطة الزمنية للبابا.
في عام 1870، استولت القوات الإيطالية على روما، التي كانت آخر معقل للدولة البابوية، وأعلنتها عاصمة لإيطاليا الموحدة. أدى هذا الحدث إلى إنهاء السلطة الزمنية للبابا وأثار أزمة كبيرة بين الكنيسة والدولة الإيطالية. رفض البابا بيوس التاسع الاعتراف بالدولة الإيطالية الجديدة واعتبر نفسه “سجينًا في الفاتيكان”.
استمرت هذه الأزمة المعروفة باسم “المسألة الرومانية” لعقود، حيث رفض الباباوات المتعاقبون الاعتراف بالدولة الإيطالية وطالبوا باستعادة السلطة الزمنية للكنيسة. حاولت الحكومة الإيطالية حل هذه المشكلة من خلال سن قوانين تضمن استقلال الكنيسة وحماية حقوقها، ولكن هذه الجهود لم تنجح في تهدئة مخاوف البابا.
محتوى الرسالة
في رسالة “إتسي نوس”، أعرب البابا ليون الثالث عشر عن قلقه العميق إزاء الوضع في إيطاليا. انتقد البابا الحكومة الإيطالية لانتهاكها حقوق الكنيسة وتقويض سلطة البابا. وأشار إلى أن الدولة الإيطالية قد استولت على ممتلكات الكنيسة، وأغلقت الأديرة، وقيدت حرية الكنيسة في التعليم والعبادة.
أكد البابا أن السلطة الروحية للكنيسة مستقلة عن السلطة الزمنية للدولة. وأكد أن البابا هو الزعيم الروحي للكنيسة الكاثوليكية بأكملها، وأنه يتمتع بسلطة مطلقة في الأمور الروحية. وحذر من أن تقويض سلطة البابا سيؤدي إلى الفوضى والاضطراب في المجتمع.
كما دعا البابا الكاثوليك الإيطاليين إلى الدفاع عن حقوق الكنيسة ومقاومة محاولات الدولة لتقويض سلطتها. وحثهم على البقاء مخلصين للبابا وتعليمات الكنيسة. ودعا إلى الوحدة بين الكاثوليك من أجل مواجهة التحديات التي تواجه الكنيسة في إيطاليا.
تضمنت الرسالة أيضًا إدانة للأفكار الليبرالية والعلمانية التي كانت سائدة في إيطاليا في ذلك الوقت. رأى البابا أن هذه الأفكار تهدد الإيمان والأخلاق المسيحية. وحذر من أن تبني هذه الأفكار سيؤدي إلى تدهور المجتمع وانهياره.
- انتهاك حقوق الكنيسة: انتقد البابا الحكومة الإيطالية لانتهاكها حقوق الكنيسة وتقويض سلطة البابا.
- السلطة الروحية المستقلة: أكد البابا أن السلطة الروحية للكنيسة مستقلة عن السلطة الزمنية للدولة.
- دعوة الكاثوليك للدفاع عن الكنيسة: دعا البابا الكاثوليك الإيطاليين إلى الدفاع عن حقوق الكنيسة ومقاومة محاولات الدولة لتقويض سلطتها.
- إدانة الأفكار الليبرالية والعلمانية: تضمنت الرسالة أيضًا إدانة للأفكار الليبرالية والعلمانية التي كانت سائدة في إيطاليا في ذلك الوقت.
ردود الفعل على الرسالة
أثارت رسالة “إتسي نوس” ردود فعل متباينة في إيطاليا وخارجها. رحب بها الكاثوليك المتدينون الذين رأوا فيها دفاعًا ضروريًا عن حقوق الكنيسة. بينما انتقدها الليبراليون والعلمانيون الذين رأوا فيها تدخلًا من الكنيسة في الشؤون السياسية.
أما الحكومة الإيطالية فقد تجاهلت الرسالة رسميًا، لكنها استمرت في سياستها المتمثلة في تقويض سلطة الكنيسة. ومع ذلك، أدركت الحكومة أن حل “المسألة الرومانية” أمر ضروري لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
على الرغم من عدم تحقيقها لأهدافها المباشرة، إلا أن رسالة “إتسي نوس” لعبت دورًا مهمًا في تشكيل العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة الإيطالية. ساهمت الرسالة في الحفاظ على استقلال الكنيسة وحماية حقوقها في إيطاليا. كما ساهمت في تعزيز الوحدة بين الكاثوليك في جميع أنحاء العالم.
تأثير الرسالة وإرثها
على الرغم من أن “إتسي نوس” لم تحل المسألة الرومانية بشكل فوري، إلا أنها ساهمت في الحفاظ على موقف الكنيسة الكاثوليكية. ظلت المسألة الرومانية دون حل حتى عام 1929، عندما تم التوقيع على معاهدة لاتران بين الكرسي الرسولي وإيطاليا. أنشأت هذه المعاهدة دولة مدينة الفاتيكان المستقلة واعترفت بسيادة البابا عليها، مما أدى إلى حل المسألة الرومانية بشكل نهائي.
تعتبر “إتسي نوس” جزءًا من مجموعة كبيرة من الكتابات والمراسلات التي أصدرها البابا ليون الثالث عشر، والتي تهدف إلى معالجة التحديات السياسية والاجتماعية التي واجهت الكنيسة في عصره. تُظهر هذه الرسالة التزام البابا بالدفاع عن حقوق الكنيسة واستقلالها في مواجهة القوى العلمانية والقومية المتزايدة.
لا تزال “إتسي نوس” ذات صلة اليوم، حيث تذكرنا بأهمية الحفاظ على استقلال الكنيسة وحماية حقوقها في مواجهة التحديات الحديثة. كما تذكرنا بأهمية الوحدة بين الكاثوليك من أجل مواجهة هذه التحديات.
خاتمة
تعتبر رسالة “إتسي نوس” وثيقة تاريخية مهمة تلقي الضوء على العلاقة المعقدة بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة الإيطالية بعد توحيد إيطاليا. تعكس هذه الرسالة قلق البابا ليون الثالث عشر إزاء انتهاك حقوق الكنيسة وتقويض سلطة البابا. على الرغم من عدم تحقيقها لأهدافها المباشرة، إلا أن الرسالة لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على استقلال الكنيسة وحماية حقوقها في إيطاليا.