مقدمة
حزب المجتمع الديمقراطي (بالكردية: Partiya Civaka Demokratîk، PCD)، المعروف اختصارًا بـ DTP، كان حزبًا سياسيًا كرديًا قوميًا في تركيا. تأسس الحزب في عام 2005 واستمر حتى حظره في عام 2009 من قبل المحكمة الدستورية التركية بتهمة الارتباط بمنظمة حزب العمال الكردستاني (PKK) المحظورة.
التأسيس والخلفية
جاء تأسيس حزب المجتمع الديمقراطي في سياق تطورات سياسية شهدتها تركيا في مطلع الألفية الثالثة، بما في ذلك مساعي البلاد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وما استتبع ذلك من إصلاحات سياسية وقانونية. سعى الحزب إلى تمثيل مصالح الأكراد في تركيا، والمطالبة بحقوقهم الثقافية والسياسية والاقتصادية. يعتبر الحزب امتدادًا لسلسلة من الأحزاب الكردية التي تم حظرها في السابق في تركيا، مثل حزب العمل الشعبي (HEP) وحزب الديمقراطية (DEP) وحزب الشعب الديمقراطي (HADEP) وحزب المجتمع الديمقراطي (DTP).
بعد حظر حزب الشعب الديمقراطي (HADEP) في عام 2003، ظهر حزب جديد باسم “حركة المجتمع الديمقراطي” (DEHAP) ليحل محله. فاز حزب حركة المجتمع الديمقراطي بنسبة 6.23% من الأصوات في الانتخابات العامة التركية عام 2002، لكنه فشل في تجاوز العتبة الانتخابية البالغة 10% لدخول البرلمان. في عام 2005، اندمج حزب حركة المجتمع الديمقراطي مع “اتحاد القوى الديمقراطية” لتشكيل حزب المجتمع الديمقراطي.
الأهداف والبرنامج السياسي
تبنى حزب المجتمع الديمقراطي برنامجًا سياسيًا يركز على:
- الدفاع عن حقوق الأكراد: كان الحزب يطالب بالاعتراف بالهوية الكردية، وضمان حقوق الأكراد الثقافية واللغوية، بما في ذلك الحق في التعليم باللغة الكردية.
- حل القضية الكردية بالطرق السلمية: دعا الحزب إلى إجراء حوار ومفاوضات بين الدولة التركية والممثلين الشرعيين للأكراد، بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل للقضية الكردية.
- تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان: طالب الحزب بإصلاحات ديمقراطية شاملة في تركيا، تضمن حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، وحماية حقوق الإنسان لجميع المواطنين، بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللغة.
- اللامركزية الإدارية: دعا الحزب إلى منح المزيد من الصلاحيات للمحليات، وتقوية دور البلديات والمجالس المحلية في إدارة الشؤون المحلية.
- العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية: طالب الحزب بتوزيع عادل للثروة، ومكافحة الفقر والبطالة، وتحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر تهميشًا في المجتمع.
القيادة والشخصيات البارزة
شغل أحمد ترك منصب الرئيس الأول لحزب المجتمع الديمقراطي، ثم خلفه نور الدين دميرتاش. ومن بين الشخصيات البارزة الأخرى في الحزب ليلى زانا، وهي ناشطة سياسية كردية معروفة، وسلاح الدين دميرتاش، الذي أصبح لاحقًا الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي (HDP).
التمثيل البرلماني والانتخابات
شارك حزب المجتمع الديمقراطي في الانتخابات العامة التركية عام 2007، وحقق نجاحًا ملحوظًا، حيث فاز بـ 20 مقعدًا في البرلمان. ودخل مرشحو الحزب البرلمان كمستقلين، بسبب عدم تجاوز الحزب العتبة الانتخابية. وفيما بعد انضموا إلى كتلة حزب المجتمع الديمقراطي في البرلمان.
الخلافات والاتهامات
واجه حزب المجتمع الديمقراطي اتهامات عديدة بالارتباط بمنظمة حزب العمال الكردستاني (PKK) المحظورة. نفت قيادة الحزب هذه الاتهامات، وأكدت التزامها بالحل السلمي للقضية الكردية. ومع ذلك، استمرت السلطات التركية في ملاحقة أعضاء الحزب ومسؤوليه بتهم تتعلق بالإرهاب والدعاية لصالح منظمة إرهابية.
الحظر والإرث
في عام 2009، قضت المحكمة الدستورية التركية بحظر حزب المجتمع الديمقراطي، بتهمة الإضرار بوحدة الدولة وسلامة أراضيها، والارتباط بمنظمة حزب العمال الكردستاني. تم حرمان العديد من أعضاء الحزب من ممارسة العمل السياسي لفترة من الوقت.
بعد حظر حزب المجتمع الديمقراطي، تأسس حزب جديد باسم حزب السلام والديمقراطية (BDP) ليحل محله. يعتبر حزب السلام والديمقراطية امتدادًا لحزب المجتمع الديمقراطي، ويحمل نفس الأهداف والبرنامج السياسي.
على الرغم من حظره، ترك حزب المجتمع الديمقراطي بصمة واضحة في المشهد السياسي التركي. فقد ساهم في رفع الوعي بالقضية الكردية، والمطالبة بحقوق الأكراد، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا.
ردود الفعل الدولية
أثار حظر حزب المجتمع الديمقراطي ردود فعل دولية متباينة. أعربت بعض الدول والمنظمات الدولية عن قلقها إزاء هذا القرار، واعتبرته انتهاكًا لحرية التعبير وتكوين الجمعيات. بينما دافعت الحكومة التركية عن القرار، مؤكدة أنه ضروري للحفاظ على الأمن القومي ووحدة البلاد.
تأثيره على القضية الكردية
كان لحظر حزب المجتمع الديمقراطي تأثير كبير على القضية الكردية في تركيا. أدى الحظر إلى تفاقم التوتر بين الأكراد والدولة التركية، وزيادة الشعور بالإحباط واليأس بين الأكراد. كما أدى الحظر إلى تراجع فرص الحوار والمفاوضات بين الدولة التركية والممثلين الشرعيين للأكراد.
ومع ذلك، لم يمنع حظر حزب المجتمع الديمقراطي الأكراد من مواصلة النضال من أجل حقوقهم. فقد استمروا في التعبير عن مطالبهم من خلال وسائل أخرى، مثل الاحتجاجات السلمية والأنشطة الثقافية والسياسية. كما تمكنوا من تحقيق بعض التقدم في مجال الحقوق الثقافية واللغوية.
التحديات الراهنة والمستقبل
لا تزال القضية الكردية تمثل تحديًا كبيرًا لتركيا. فالعنف مستمر في المناطق الكردية، والتوترات السياسية والاجتماعية لا تزال قائمة. ورغم ذلك، هناك بعض المؤشرات الإيجابية التي تدل على إمكانية التوصل إلى حل سلمي للقضية الكردية.
أحد هذه المؤشرات هو استمرار الحوار بين الدولة التركية وبعض الممثلين الأكراد. كما أن هناك وعيًا متزايدًا في المجتمع التركي بأهمية حل القضية الكردية بالطرق السلمية. ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام تحقيق هذا الهدف، مثل استمرار العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، وغياب الثقة بين الأطراف المعنية.
مقارنة مع أحزاب كردية أخرى
تميز حزب المجتمع الديمقراطي عن الأحزاب الكردية الأخرى في تركيا بعدة جوانب:
- الشمولية: سعى الحزب إلى تمثيل جميع الأكراد في تركيا، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الاجتماعية.
- الواقعية: تبنى الحزب برنامجًا سياسيًا واقعيًا، يركز على المطالب التي يمكن تحقيقها في ظل الظروف السياسية القائمة.
- الالتزام بالحل السلمي: أكد الحزب التزامه بالحل السلمي للقضية الكردية، من خلال الحوار والمفاوضات.
ومع ذلك، واجه الحزب أيضًا بعض الانتقادات من قبل بعض الأكراد، الذين اتهموه بالتساهل مع الدولة التركية، وعدم الدفاع بقوة كافية عن حقوق الأكراد.
خاتمة
كان حزب المجتمع الديمقراطي حزبًا سياسيًا كرديًا قوميًا في تركيا، لعب دورًا هامًا في رفع الوعي بالقضية الكردية والمطالبة بحقوق الأكراد. على الرغم من حظره في عام 2009، إلا أنه ترك بصمة واضحة في المشهد السياسي التركي، وساهم في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. يظل إرثه حاضرًا في الأحزاب الكردية اللاحقة التي سعت إلى تحقيق نفس الأهداف من خلال وسائل مختلفة.