نشأته وتعليمه
ولد هانس والتر كوسترليتز في برلين، ألمانيا، في 27 أبريل 1903. كان والده طبيبًا، وشجعه على دراسة الطب. التحق كوسترليتز بجامعة برلين وحصل على شهادة الطب عام 1928. بعد تخرجه، عمل طبيبًا في مستشفى جامعة شاريتيه في برلين.
مع صعود الحزب النازي إلى السلطة في ألمانيا في الثلاثينيات، واجه كوسترليتز، وهو من أصل يهودي، تزايدًا في التمييز والاضطهاد. في عام 1934، قرر مغادرة ألمانيا والانتقال إلى المملكة المتحدة. حصل على منصب باحث في جامعة أبردين في اسكتلندا، حيث عمل في مجال الكيمياء الحيوية.
مسيرته المهنية
قضى كوسترليتز معظم حياته المهنية في جامعة أبردين. في البداية، عمل باحثًا ثم أصبح محاضرًا كبيرًا في الكيمياء الحيوية. تركزت أبحاثه في البداية على استقلاب الكربوهيدرات، لكنه تحول لاحقًا إلى دراسة المواد الأفيونية وتأثيرها على الجسم.
خلال الحرب العالمية الثانية، عمل كوسترليتز في وحدة أبحاث التغذية التابعة لمجلس البحوث الطبية. درس تأثيرات سوء التغذية على الصحة، وساهم في تطوير استراتيجيات لتحسين التغذية في زمن الحرب.
بعد الحرب، عاد كوسترليتز إلى جامعة أبردين واستأنف أبحاثه في مجال الكيمياء الحيوية. في الستينيات، بدأ في دراسة تأثيرات المواد الأفيونية على الجهاز العصبي. كان مهتمًا بشكل خاص بفهم سبب كون المواد الأفيونية، مثل المورفين، مسكنة للألم.
اكتشاف الإندورفين
في عام 1975، حقق كوسترليتز، بالتعاون مع جون هيوز، اكتشافًا رائدًا. اكتشفوا مادتين كيميائيتين في الدماغ تشبهان المواد الأفيونية في تركيبهما وتأثيرهما. أطلقوا على هذه المواد اسم “إندورفين”، وهي كلمة مشتقة من ” endogenous morphine” (المورفين الداخلي). أظهر كوسترليتز وهيوز أن الإندورفين يرتبط بنفس مستقبلات المورفين في الدماغ، ويخفف الألم بشكل طبيعي.
كان اكتشاف الإندورفين بمثابة اختراق كبير في فهمنا لكيفية معالجة الجسم للألم. أظهر أن الجسم ينتج مسكنات الألم الخاصة به، وأن هذه المسكنات يمكن أن تلعب دورًا في مجموعة متنوعة من العمليات الفسيولوجية، بما في ذلك تنظيم المزاج والاستجابة للتوتر. كما أدى الاكتشاف إلى فهم أعمق لآلية عمل المواد المخدرة وتأثيراتها على الدماغ.
بعد اكتشاف الإندورفين، واصل كوسترليتز أبحاثه في مجال المواد الأفيونية. درس دور الإندورفين في الإدمان، وعمل على تطوير أدوية جديدة يمكن أن تساعد في علاج الألم والإدمان.
الجوائز والتكريمات
حصل كوسترليتز على العديد من الجوائز والتكريمات لعمله الرائد في مجال الكيمياء الحيوية. حصل على جائزة لاسكر للأبحاث الطبية الأساسية في عام 1978، وهي واحدة من أرفع الجوائز في مجال الطب. في عام 1979، انتخب زميلاً في الجمعية الملكية (FRS).
كما حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أبردين وجامعة سانت أندروز. تقديراً لإسهاماته الكبيرة في العلوم.
إرثه
يُذكر هانس كوسترليتز كواحد من أبرز علماء الكيمياء الحيوية في القرن العشرين. كان اكتشافه للإندورفين بمثابة مساهمة كبيرة في فهمنا لكيفية معالجة الجسم للألم. كما كان لعمله تأثير عميق على تطوير أدوية جديدة لعلاج الألم والإدمان.
بالإضافة إلى أبحاثه، كان كوسترليتز أيضًا معلمًا وموجهًا متميزًا. قام بتدريب العديد من العلماء الشباب الذين أصبحوا قادة في مجالاتهم. كان معروفًا بتفانيه في البحث العلمي والتزامه بتعليم الآخرين.
حياته الشخصية
تزوج هانس كوسترليتز من هويدي (هيدويغ) ليكفيلدت في عام 1935. كان لديهم طفلان، بيتر وجون.
كان كوسترليتز شغوفًا بالموسيقى الكلاسيكية وكان عازف بيانو موهوبًا. كما استمتع بالمشي لمسافات طويلة وتسلق الجبال.
توفي هانس والتر كوسترليتز في أبردين، اسكتلندا، في 26 أكتوبر 1996، عن عمر يناهز 93 عامًا.
الأبحاث والإسهامات الرئيسية
- اكتشاف الإندورفين: بالاشتراك مع جون هيوز، اكتشف الإندورفين، وهي مواد كيميائية ينتجها الجسم تعمل كمسكنات طبيعية للألم.
- دراسة المواد الأفيونية: أجرى أبحاثًا مكثفة حول تأثيرات المواد الأفيونية على الجهاز العصبي المركزي.
- تطوير علاجات للألم والإدمان: ساهم عمله في فهم آليات الألم والإدمان، مما أدى إلى تطوير علاجات جديدة.
- أبحاث التغذية في زمن الحرب: خلال الحرب العالمية الثانية، ساهم في أبحاث التغذية التي ساعدت في تحسين صحة السكان في زمن الحرب.
خاتمة
كان هانس كوسترليتز عالمًا متميزًا ترك بصمة لا تُمحى في مجال الكيمياء الحيوية وعلم الأعصاب. إن اكتشافه للإندورفين غيّر فهمنا لكيفية معالجة الجسم للألم، وفتح آفاقًا جديدة للبحث والعلاج. سيظل عمله مصدر إلهام للعلماء والأطباء في جميع أنحاء العالم.