نشأته وحياته المبكرة
ولد غاريغين تير-هاروتيونيان في قرية كزنت (Kznut) في محافظة نخجوان التابعة للإمبراطورية الروسية (تقع الآن في جمهورية أذربيجان). تلقى تعليمه الأولي في مدرسة الرعية المحلية قبل أن ينتقل إلى تبليسي (تفليس) للدراسة في المدرسة الروسية. انضم لاحقًا إلى جامعة سانت بطرسبرغ لدراسة القانون، لكنه ترك دراسته للانخراط في الأنشطة الثورية.
في عام 1906، انضم إلى حزب الطاشناق (الاتحاد الثوري الأرمني)، وهو حزب سياسي أرمني قومي اشتراكي. سرعان ما أصبح ناشطًا في الحزب وشارك في الأنشطة الثورية في منطقة القوقاز، وخاصة في الدفاع عن الأرمن ضد الهجمات العثمانية والأذرية.
دوره في الحركة الوطنية الأرمنية
لعب غاريغين نزهده دورًا حاسمًا في الحركة الوطنية الأرمنية خلال فترة حرجة من تاريخ أرمينيا. بعد الثورة الروسية عام 1905، تصاعدت التوترات العرقية في منطقة القوقاز، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة بين الأرمن والأذريين. نظم نزهده وحدات الدفاع الذاتي الأرمنية لحماية السكان الأرمن في نخجوان وزنجزور من الهجمات.
خلال الحرب العالمية الأولى، قاتل نزهده في صفوف الجيش الروسي ضد الإمبراطورية العثمانية. شارك في معارك مختلفة على الجبهة القوقازية وأظهر شجاعة ومهارة قيادية كبيرتين. بعد الثورة الروسية عام 1917 وانسحاب روسيا من الحرب، واجه الأرمن تهديدًا وجوديًا من الجيش العثماني الذي كان يتقدم نحو أرمينيا.
في عام 1918، أعلنت أرمينيا استقلالها، لكنها واجهت على الفور تحديات هائلة، بما في ذلك الحرب مع تركيا والحرب مع أذربيجان. لعب نزهده دورًا حاسمًا في الدفاع عن أرمينيا ضد هذه التهديدات. قاد القوات الأرمنية في معركة كاراباغ عام 1918، حيث هزم الجيش الأذربيجاني وأوقف تقدمه نحو أرمينيا.
في عام 1919، تم تعيين نزهده قائدًا للقوات الأرمنية في منطقة زنجزور. دافع عن المنطقة بنجاح ضد الهجمات الأذرية والتركية، وحافظ على استقلالها حتى عام 1921، عندما غزت القوات البلشفية أرمينيا. بعد الغزو السوفيتي، اضطر نزهده إلى مغادرة أرمينيا واللجوء إلى إيران.
النزهدية (Tseghakronism)
خلال فترة منفاه، قام نزهده بتطوير فلسفته الخاصة، والتي عُرفت باسم “النزهدية” (Tseghakronism)، والتي يمكن ترجمتها تقريبًا إلى “القومية العرقية” أو “عبادة العرق”. تقوم النزهدية على فكرة أن الأمة هي كائن حي له روحه وثقافته الفريدة. يرى نزهده أن الحفاظ على نقاء العرق الأرمني وثقافته هو شرط أساسي لبقاء الأمة الأرمنية وتطورها.
تعتبر النزهدية فلسفة قومية متطرفة تدعو إلى الوحدة العرقية والتضامن. انتقدها البعض باعتبارها عنصرية ومعادية للسامية، بينما يرى فيها آخرون أنها تعبير عن الفخر الوطني والاعتزاز بالهوية الأرمنية. تجدر الإشارة إلى أن آراء نزهده كانت مثيرة للجدل ولا تحظى بدعم واسع النطاق بين الأرمن.
تتضمن النزهدية عدة مبادئ أساسية، منها:
- القومية العرقية: الاعتقاد بأن الأمة هي الوحدة الأساسية للمجتمع وأن الحفاظ على نقاء العرق وثقافته أمر ضروري لبقاء الأمة.
- الروح القومية: الاعتقاد بأن لكل أمة روحًا فريدة تعبر عن هويتها وثقافتها.
- التضامن القومي: الدعوة إلى الوحدة والتضامن بين جميع أفراد الأمة الأرمنية.
- القيادة القوية: الاعتقاد بأن الأمة تحتاج إلى قيادة قوية وحاسمة لتحقيق أهدافها.
اعتقاله ووفاته
بعد الحرب العالمية الثانية، تم اعتقال نزهده من قبل القوات السوفيتية في بلغاريا عام 1944، حيث كان يقيم. تم نقله إلى أرمينيا السوفيتية وحكم عليه بالسجن لمدة 25 عامًا بتهمة “النشاط المناهض للسوفيات”. توفي في السجن في فلاديمير، روسيا، في عام 1955.
على الرغم من سجنه ووفاته في ظل ظروف قاسية، ظل نزهده شخصية مثيرة للجدل ومحترمة في أرمينيا. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال أرمينيا عام 1991، تم تكريم نزهده باعتباره بطلاً قوميًا، وتمت إعادة دفن رفاته في أرمينيا. أقيمت له تماثيل ونُصبت تذكارية في جميع أنحاء البلاد.
إرثه وتأثيره
لا يزال إرث غاريغين نزهده يثير الجدل والانقسام في أرمينيا وخارجها. يعتبره البعض بطلاً قوميًا دافع عن أرمينيا ضد التهديدات الخارجية وحافظ على الهوية الأرمنية. ينتقد آخرون فلسفته النزهدية باعتبارها عنصرية ومتطرفة.
بغض النظر عن الآراء المتباينة حوله، لا يمكن إنكار تأثير نزهده على الحركة الوطنية الأرمنية. لا تزال أفكاره تلهم بعض القوميين الأرمن حتى اليوم. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن النزهدية ليست الفلسفة السائدة في أرمينيا وأن معظم الأرمن يرفضون جوانبها المتطرفة.
تعتبر شخصية غاريغين نزهده معقدة ومتعددة الأوجه. كان قائدًا عسكريًا شجاعًا، ومفكرًا مثيرًا للجدل، وشخصية قومية مؤثرة. لا يزال إرثه وتأثيره موضع نقاش وجدل مستمر.
خاتمة
كان غاريغين نزهده شخصية محورية في تاريخ أرمينيا الحديث. قاد النضال من أجل استقلال أرمينيا في أوائل القرن العشرين وطور فلسفة النزهدية، التي دعت إلى الوحدة العرقية والحفاظ على الهوية الأرمنية. على الرغم من أن إرثه مثير للجدل، إلا أنه لا يزال يعتبر بطلاً قوميًا من قبل العديد من الأرمن. ساهم نزهده بشكل كبير في الدفاع عن أرمينيا في فترة حرجة من تاريخها، وتبقى أفكاره وتأثيره موضوع نقاش مستمر.