مقدمة
تشيه تشينغ هسيه (بالصينية التقليدية: 謝德慶; بالصينية المبسطة: 谢德庆; بينيين: Xiè Déqìng; من مواليد 31 ديسمبر 1950، في نان تشو، مقاطعة بينغتونغ، تايوان) هو فنان أداء تايواني الأصل. يعتبر هسيه من أبرز فناني الأداء في العالم، واشتهر بسلسلة من العروض التي استمرت لمدة عام كامل، والتي استكشفت حدود التحمل الجسدي والنفسي، والوقت، والروتين اليومي، والعلاقة بين الفنان والجمهور.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد تشيه تشينغ هسيه في تايوان عام 1950، ونشأ في بيئة متواضعة. بدأ اهتمامه بالفن في سن مبكرة، لكنه لم يتلق تدريباً رسمياً في البداية. بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية، قرر هسيه أن يكرس حياته للفن. انتقل إلى تايبيه وبدأ في دراسة الرسم، لكنه سرعان ما شعر بأن هذا الشكل التقليدي للفن لا يعبر عن أفكاره وطموحاته.
في عام 1974، تخلى هسيه عن الرسم التقليدي وبدأ في تجربة الأداء. كانت أعماله المبكرة عبارة عن تدخلات قصيرة ومؤقتة في الفضاء العام، لكنها سرعان ما تطورت إلى عروض أكثر طموحًا وتحديًا. في عام 1978، قرر هسيه الهجرة إلى الولايات المتحدة، على أمل أن يجد هناك بيئة أكثر تقبلاً للفن التجريبي.
سنواته في نيويورك
وصل تشيه تشينغ هسيه إلى نيويورك في عام 1978 بدون أوراق رسمية، وعاش في وضع غير قانوني لسنوات عديدة. هذه التجربة أثرت بشكل كبير على فنه، حيث استكشف في أعماله قضايا الهوية، والاغتراب، والقيود الاجتماعية والقانونية.
من عام 1978 إلى عام 1986، نفذ هسيه سلسلة من خمسة عروض استمرت لمدة عام كامل لكل منها. هذه العروض، التي أصبحت تعرف باسم “عقود السنة الواحدة”، هي التي أكسبته شهرة عالمية واسعة.
عقود السنة الواحدة
- قفص السنة الواحدة (1978-1979): احتجز هسيه نفسه في قفص خشبي صغير داخل شقته في نيويورك لمدة عام كامل. لم يسمح له بالتحدث أو القراءة أو الكتابة أو الاستماع إلى الراديو أو مشاهدة التلفزيون. كان الهدف من هذا العمل هو استكشاف حدود العزلة والحرمان الحسي.
- بطاقة الوقت السنة الواحدة (1980-1981): كل ساعة، على مدار عام كامل، كان هسيه يقوم بتسجيل حضوره في العمل عن طريق ختم بطاقة الوقت. كان هذا العمل يهدف إلى تسليط الضوء على روتين العمل اليومي، وقيمة الوقت، والطبيعة المتكررة للحياة الحديثة.
- السنة الواحدة في الهواء الطلق (1981-1982): لم يدخل هسيه أي مبنى لمدة عام كامل. كان يعيش في شوارع نيويورك، ويتعرض للعوامل الجوية المختلفة. كان هذا العمل بمثابة استكشاف للتشريد، والضعف، وقسوة الحياة في المدينة.
- لا فن السنة الواحدة (1983-1984): خلال هذا العام، لم ينتج هسيه أي فن، ولم يشاهد أي فن، ولم يتحدث عن الفن، ولم يقرأ عن الفن. كان الهدف من هذا العمل هو التساؤل عن تعريف الفن، ودور الفنان في المجتمع.
- لا تقم بالسنة الواحدة (1985-1986): لم يتحدث هسيه مع أي شخص، ولم يستمع إلى أي شخص، لمدة عام كامل. كان هذا العمل يهدف إلى استكشاف حدود التواصل، وأهمية الصمت.
ما بعد عقود السنة الواحدة
بعد الانتهاء من “لا تقم بالسنة الواحدة”، أعلن هسيه أنه سيتوقف عن العمل الفني لمدة 13 عامًا. خلال هذه الفترة، عاش حياة هادئة نسبياً، وابتعد عن الأضواء. في عام 1999، عاد هسيه إلى عالم الفن بعمل جديد بعنوان “مشروع 13 عامًا”، والذي كان عبارة عن بيان يعلن فيه عن فترة توقف طويلة عن العمل الفني. تم ختم المشروع رسمياً في 1 يناير 2000.
منذ ذلك الحين، واصل هسيه العمل الفني، لكنه ركز بشكل أكبر على المعارض والمنشآت بدلاً من عروض الأداء المباشرة. استمرت أعماله في استكشاف موضوعات الوقت، والتحمل، والوجود الإنساني.
أسلوبه الفني
يتميز أسلوب تشيه تشينغ هسيه بالبساطة الشديدة والتركيز على الجسد والوقت. يستخدم هسيه جسده كأداة للتعبير عن أفكاره ومشاعره، ويستكشف من خلال أعماله حدود التحمل الجسدي والنفسي. الوقت هو عنصر أساسي في أعماله، حيث تستغرق معظم عروضه فترة طويلة من الزمن، مما يسمح له باستكشاف تأثير الوقت على الجسد والعقل.
غالبًا ما تتضمن أعمال هسيه عناصر من الروتين اليومي، مثل العمل، والنوم، والطعام. من خلال تكرار هذه الأنشطة اليومية على مدى فترات طويلة من الزمن، يسلط هسيه الضوء على الطبيعة المتكررة للحياة الحديثة، ويدعو المشاهدين إلى التفكير في معنى وجودهم.
بالإضافة إلى ذلك، تتميز أعمال هسيه بالغموض والرمزية. غالبًا ما يترك هسيه أعماله مفتوحة للتفسير، ويدعو المشاهدين إلى استخلاص معاني خاصة بهم. هذا الغموض يجعل أعماله أكثر إثارة للاهتمام، ويشجع المشاهدين على التفكير بعمق في القضايا التي يطرحها.
تأثيره وإرثه
ترك تشيه تشينغ هسيه بصمة لا تمحى على عالم فن الأداء. ألهمت أعماله العديد من الفنانين الآخرين، وساهمت في توسيع حدود هذا النوع الفني. يعتبر هسيه من أبرز فناني الأداء في العالم، وأعماله معروضة في العديد من المتاحف والمعارض المرموقة حول العالم.
بالإضافة إلى تأثيره على عالم الفن، ألهمت أعمال هسيه أيضًا العديد من الأشخاص خارج هذا المجال. يرى الكثيرون في أعماله تعبيرًا عن قوة الإرادة البشرية، والقدرة على التحمل في وجه الصعاب. إن التزامه بفنه، واستعداده لتحمل المشقة في سبيل التعبير عن أفكاره، يجعله مثالًا يحتذى به.
يستمر إرث تشيه تشينغ هسيه في النمو والتطور. تظل أعماله ذات صلة وملهمة، وتثير أسئلة مهمة حول طبيعة الفن، والوجود الإنساني، والمجتمع الذي نعيش فيه.
أهم المعارض الفردية
- 2009: “Doing Time,” Castello di Rivoli Museum of Contemporary Art, Rivoli, Italy
- 2017: “Tehching Hsieh: One Year Performance 1980-1981,” Para Site, Hong Kong
- 2017: “Tehching Hsieh,” Taipei Fine Arts Museum, Taipei, Taiwan
- 2018: “Tehching Hsieh: Doing Time,” UCCA Center for Contemporary Art, Beijing, China
الجوائز والتقدير
- 1999: جائزة صندوق الفيلم التجريبي
- 2017: جائزة ولفغانغ هان
- 2017: تمثيل تايوان في بينالي البندقية
خاتمة
تشيه تشينغ هسيه فنان أداء استثنائي، تميزت أعماله بالبساطة، والجرأة، والعمق الفكري. من خلال عروضه التي استمرت لسنوات، استكشف هسيه حدود التحمل الجسدي والنفسي، والوقت، والروتين اليومي، والعلاقة بين الفنان والجمهور. ترك هسيه بصمة لا تمحى على عالم فن الأداء، وألهم العديد من الفنانين والمشاهدين على حد سواء. يستمر إرثه في النمو والتطور، وتظل أعماله ذات صلة وملهمة، وتثير أسئلة مهمة حول طبيعة الفن، والوجود الإنساني، والمجتمع الذي نعيش فيه.