التاريخ والأصول
تعود جذور الرهبنة الكرملية إلى جبل الكرمل في فلسطين في القرن الثاني عشر، حيث تجمع النساك المسيحيون الأوائل بالقرب من “بئر إيليا” الشهير. ومع مرور الوقت، سعى هؤلاء النساك إلى الحصول على اعتراف الكنيسة بهم كهيئة دينية، وفي عام 1226 حصلوا على قانون من ألبرت، بطريرك القدس. ومع ذلك، في منتصف القرن الخامس عشر، بدأت الرهبنة الكرملية في تجربة فترة من التراخي، حيث خففت العديد من المجتمعات من قواعدها الأصلية.
نشأت حركة الإصلاح الكرملية في إسبانيا في القرن السادس عشر، بقيادة القديسة تيريزا الأفيلاوية والقديس يوحنا الصليب. كانت القديسة تيريزا، وهي راهبة كرملية في دير التجسد في أفيلا، قلقة بشأن التساهل المتزايد في الرهبنة. مدفوعة بتجربتها الروحية العميقة، بدأت في السعي إلى العودة إلى الاحتفال بالقواعد الكرملية الأصلية التي كانت أكثر صرامة.
بدعم من القديس يوحنا الصليب، وهو كاهن كرملي، أسست القديسة تيريزا ديرًا جديدًا في أفيلا عام 1562، يُدعى دير القديس يوسف، والذي يتبع القواعد الإصلاحية. كانت هذه بداية الكرمليين الحفاة. يرمز مصطلح “الحفاة” إلى التزامهم بالفقر والتخلي عن الممتلكات الدنيوية، وغالبًا ما كانوا يرتدون الصنادل بدلاً من الأحذية المغلقة.
الإصلاح الكرملي
كان إصلاح تيريزا ثوريًا بمعنى أنه سعى إلى العودة إلى روحانية الكرمل الأصلية التي ركزت على:
- الصلاة والتأمل: ممارسة الصلاة العقلية والتأمل العميق.
- الفقر: التخلي عن الثروات الدنيوية وتبني أسلوب حياة بسيط.
- العزلة: الابتعاد عن الانحرافات الدنيوية والتركيز على العلاقة مع الله.
- الطاعة: إطاعة رؤسائهم الروحيين والقواعد الرهبانية.
- التكفير: القيام بأعمال توبة لإصلاح الذات والآخرين.
واجهت حركة الإصلاح مقاومة كبيرة من الكرمليين غير المُصلحين، المعروفين باسم “الكرمليين المخففين”. ومع ذلك، استمرت تيريزا ويوحنا الصليب في تأسيس المزيد من الأديرة التي تتبع القواعد الإصلاحية. بحلول نهاية القرن السادس عشر، كانت هناك بالفعل العديد من مجتمعات الكرمليين الحفاة في إسبانيا.
القديس يوحنا الصليب
لعب القديس يوحنا الصليب دورًا حاسمًا في تطوير الروحانية الكرملية الحافية. كان كاتبًا صوفيًا بارعًا وأعماله، مثل “صعود جبل الكرمل” و”الليلة المظلمة للروح” و”نشيد روحي”، تعتبر من كلاسيكيات الأدب الروحي المسيحي. في كتاباته، وصف يوحنا الصليب بالتفصيل عملية النمو الروحي، بما في ذلك المراحل المختلفة من التطهير والإضاءة والاتحاد مع الله.
تأثرت تعاليم يوحنا الصليب بشدة بالكتاب المقدس والكتابات الصوفية الأخرى. شدد على أهمية التخلي عن الرغبات الدنيوية والبحث عن الله في أعماق الروح. كان يعتقد أن الألم والمعاناة يمكن أن يكونا وسيلة للاتحاد بالله، وأن الروح يجب أن تخضع لتطهير كامل من أجل الوصول إلى الكمال.
الانتشار والتوسع
بعد وفاة القديسة تيريزا الأفيلاوية والقديس يوحنا الصليب، استمر الكرمليون الحفاة في الانتشار في جميع أنحاء أوروبا والعالم. في عام 1593، تم إنشاء الرهبنة الكرملية الحافية رسميًا كأمر مستقل عن الرهبنة الكرملية المخففة. في القرون التالية، أسس الكرمليون الحفاة الأديرة والكنائس والمدارس في العديد من البلدان، وأصبحوا معروفين بالتزامهم بالصلاة والتأمل والأعمال الخيرية.
اليوم، يوجد الكرمليون الحفاة في أكثر من 90 دولة حول العالم. يواصلون لعب دور مهم في الكنيسة الكاثوليكية، حيث يقدمون التوجيه الروحي والتعليم والخدمات الاجتماعية للمحتاجين.
الروحانية الكرملية الحافية
تتميز الروحانية الكرملية الحافية بعدة عناصر أساسية:
- التركيز على العلاقة الشخصية مع الله: يسعى الكرمليون الحفاة إلى إقامة علاقة حميمة وشخصية مع الله من خلال الصلاة والتأمل.
- أهمية الصلاة العقلية: تشجع الرهبنة بشدة ممارسة الصلاة العقلية، وهي شكل من أشكال الصلاة التأملية التي تتضمن التفكير في أسرار الإيمان والتحدث مع الله من القلب.
- التخلي عن الذات: يؤمن الكرمليون الحفاة بأن التخلي عن الرغبات الدنيوية والاهتمامات الأنانية ضروري للنمو الروحي.
- المحبة والتضحية: يدعو الكرمليون الحفاة إلى محبة الله والقريب والقيام بأعمال التضحية والخدمة.
- تكريم مريم العذراء: يكن الكرمليون الحفاة تبجيلاً خاصًا لمريم العذراء، التي يعتبرونها شفيعتهم ونموذجًا للحياة الروحية.
الشخصيات البارزة
بالإضافة إلى القديسة تيريزا الأفيلاوية والقديس يوحنا الصليب، أنتجت الرهبنة الكرملية الحافية العديد من الشخصيات البارزة الأخرى، بما في ذلك:
- القديسة تيريزا الطفل يسوع: راهبة كرملية حافية فرنسية اشتهرت بـ “طريق الطفولة الروحية” ، والتي تركز على الثقة الكاملة في محبة الله ورحمته.
- القديسة إديث شتاين (القديسة تيريزا بنديكتا للصليب): فيلسوفة ألمانية يهودية اعتنقت الكاثوليكية وأصبحت راهبة كرملية حافية. استشهدت في أوشفيتز خلال الحرب العالمية الثانية.
- الأخ لورانس من القيامة: راهب كرملي حافي فرنسي اشتهر بممارسته “حضور الله” في كل لحظة من حياته.
الكرمليون الحفاة اليوم
اليوم، يواصل الكرمليون الحفاة خدمتهم في الكنيسة الكاثوليكية من خلال مجموعة متنوعة من الرسل، بما في ذلك:
- الرهبنة التأملية: يعيش العديد من الكرمليين الحفاة حياة تأملية في الأديرة، حيث يقضون وقتهم في الصلاة والتأمل والعمل اليدوي.
- الخدمة الرعوية: يعمل الكرمليون الحفاة أيضًا في الرعايا والمدارس والمستشفيات، حيث يقدمون التوجيه الروحي والتعليم والخدمات الاجتماعية.
- الرسالة: يعمل الكرمليون الحفاة في البعثات في جميع أنحاء العالم، حيث ينشرون الإنجيل ويخدمون الفقراء والمحتاجين.
- الكتابة والتدريس: يساهم العديد من الكرمليين الحفاة في الكنيسة من خلال كتاباتهم وتعليمهم، حيث يشاركون حكمتهم الروحية مع الآخرين.
خاتمة
الكرمليون الحفاة هم نظام ديني كاثوليكي إصلاحي نشأ في القرن السادس عشر، ويشتهرون بالتزامهم بالفقر والتأمل العميق والحياة الروحية المكثفة. من خلال تعاليمهم وكتاباتهم، قدم الكرمليون الحفاة مساهمات كبيرة في الروحانية المسيحية. يواصلون اليوم لعب دور مهم في الكنيسة الكاثوليكية، حيث يقدمون التوجيه الروحي والتعليم والخدمات الاجتماعية للمحتاجين.