<![CDATA[
خلفية
منذ عام 1890، كانت رودسيا الجنوبية، التي سميت على اسم سيسيل رودس، تحت إدارة شركة جنوب إفريقيا البريطانية (BSAC)، وهي شركة مستأجرة. ومع ذلك، بحلول أوائل عشرينيات القرن الماضي، كانت الشركة تتطلع إلى التخلص من مسؤوليتها الإدارية عن الإقليم، وترك مستقبل رودسيا الجنوبية معلقًا. كان لدى المستوطنين البيض في رودسيا الجنوبية خياران رئيسيان: الانضمام إلى اتحاد جنوب إفريقيا أو السعي للحصول على حكم ذاتي مسؤول داخل الإمبراطورية البريطانية.
كان اتحاد جنوب إفريقيا، الذي تأسس عام 1910، يضم أربع مقاطعات: كيب، وناتال، وترانسفال، والدولة الحرة البرتقالية. كان الانضمام إلى الاتحاد سيعني أن رودسيا الجنوبية ستصبح المقاطعة الخامسة. كان لدى هذا الخيار بعض المزايا، مثل الوصول إلى سوق أكبر وموارد إضافية. ومع ذلك، كان لدى العديد من المستوطنين البيض في رودسيا الجنوبية مخاوف بشأن الانضمام إلى جنوب إفريقيا. كانوا قلقين من أنهم سيفقدون هويتهم المتميزة وأن سياسات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والتي كانت قيد التنفيذ بالفعل، قد يتم تطبيقها على رودسيا الجنوبية.
كان الخيار الآخر هو السعي للحصول على حكم ذاتي مسؤول. كان هذا يعني أن رودسيا الجنوبية ستصبح مستعمرة تتمتع بالحكم الذاتي داخل الإمبراطورية البريطانية، مع حكومة منتخبة مسؤولة أمام الناخبين. كان هذا الخيار جذابًا لأولئك الذين أرادوا الحفاظ على هوية رودسيا الجنوبية المتميزة والذين كانوا مترددين في الانضمام إلى جنوب إفريقيا.
الحملة
سبق الاستفتاء حملة مكثفة من قبل كلا الجانبين. دعت رابطة الانضمام إلى جنوب إفريقيا إلى الانضمام إلى الاتحاد، بحجة أنه سيوفر الاستقرار الاقتصادي والفرص. جادلوا بأن رودسيا الجنوبية كانت صغيرة جدًا بحيث لا يمكنها البقاء بمفردها وأن الانضمام إلى جنوب إفريقيا سيضمن مستقبلها.
من ناحية أخرى، دعت جمعية الحكم الذاتي المسؤولة إلى الحصول على حكم ذاتي مسؤول، بحجة أنه سيسمح لرودسيا الجنوبية بالحفاظ على هويتها والتحكم في مصيرها. لقد حذروا من أن الانضمام إلى جنوب إفريقيا سيؤدي إلى فقدان الحريات وتقويض مصالح المستوطنين البيض.
تمحورت الحملة حول عدة قضايا رئيسية، بما في ذلك:
- العلاقات العرقية: كان هذا مصدر قلق رئيسي لكلا الجانبين. كان لدى جنوب إفريقيا بالفعل سياسات فصل عنصري، وكان العديد من المستوطنين البيض في رودسيا الجنوبية قلقين من أن هذه السياسات قد يتم تطبيقها على رودسيا الجنوبية إذا انضمت إلى الاتحاد.
- الاقتصاد: جادل أنصار الانضمام إلى جنوب إفريقيا بأنه سيوفر الاستقرار الاقتصادي والفرص. جادل أنصار الحكم الذاتي المسؤول بأنه سيسمح لرودسيا الجنوبية بالتحكم في اقتصادها وتطويره بما يخدم مصالحها.
- الهوية: كان لدى العديد من المستوطنين البيض في رودسيا الجنوبية شعور قوي بالهوية المتميزة. كانوا قلقين من أنهم سيفقدون هويتهم إذا انضموا إلى جنوب إفريقيا.
النتائج
في 27 أكتوبر 1922، صوت الناخبون في رودسيا الجنوبية لصالح الحكم الذاتي المسؤول بأغلبية 59.4٪ مقابل 40.6٪ للانضمام إلى اتحاد جنوب إفريقيا.
فيما يلي تفصيل للنتائج:
- الحكم الذاتي المسؤول: 8,774 صوتًا
- الانضمام إلى اتحاد جنوب إفريقيا: 5,989 صوتًا
كانت نسبة المشاركة في التصويت عالية، حيث بلغت حوالي 85٪ من الناخبين المؤهلين. كانت النتيجة بمثابة رفض واضح للانضمام إلى جنوب إفريقيا وانتصارًا لأولئك الذين سعوا للحصول على حكم ذاتي مسؤول.
التبعات
بعد الاستفتاء، شرعت رودسيا الجنوبية في عملية الحصول على حكم ذاتي مسؤول. في عام 1923، ضمت بريطانيا رودسيا الجنوبية رسميًا، وفي 1 أكتوبر 1923، أصبحت رودسيا الجنوبية مستعمرة تتمتع بالحكم الذاتي. تم تشكيل حكومة منتخبة، وأصبح السير تشارلز كوغلان أول رئيس وزراء.
كان للاستفتاء عواقب بعيدة المدى على رودسيا الجنوبية. مكن المستعمرة من الحفاظ على هويتها المتميزة وتطوير نظامها السياسي الخاص. ومع ذلك، أدى أيضًا إلى استمرار حكم الأقلية البيضاء، حيث تم استبعاد الأغلبية الأفريقية من العملية السياسية.
ظل نظام الحكم الذاتي المسؤول ساري المفعول حتى عام 1965، عندما أعلنت رودسيا الجنوبية استقلالها من جانب واحد عن بريطانيا، مما أدى إلى فترة من الصراع والعزلة الدولية. لم يتم حل قضية حكم الأغلبية إلا في عام 1980، عندما أصبحت رودسيا الجنوبية زيمبابوي المستقلة.
تأثير الاستفتاء على السكان الأفارقة
من المهم الإشارة إلى أن السكان الأفارقة في رودسيا الجنوبية لم يشاركوا في الاستفتاء. كان حق التصويت مقصورًا بشكل أساسي على المستوطنين البيض، وبالتالي لم يكن لديهم رأي في تحديد مستقبل بلدهم. كانت لهذه الإقصائية آثار كبيرة على السكان الأفارقة، حيث استمروا في مواجهة التمييز والقمع في ظل نظام الحكم الذاتي المسؤول.
على الرغم من أن الاستفتاء لم يعالج بشكل مباشر حقوق أو تطلعات السكان الأفارقة، إلا أن له تأثيرات غير مباشرة. فمن ناحية، كان الخوف من سياسات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا دافعًا للبعض للتصويت لصالح الحكم الذاتي المسؤول، مما قد يشير إلى رغبة في تجنب نظام الفصل العنصري الصارم. ومع ذلك، في الواقع، لم يحسن نظام الحكم الذاتي المسؤول بشكل كبير حياة السكان الأفارقة، وظلوا مهمشين سياسيًا واقتصاديًا.
بمرور الوقت، أدت المطالب المتزايدة بالمساواة السياسية وحكم الأغلبية في النهاية إلى حرب بوش الروديسية، والتي بلغت ذروتها في إنشاء زيمبابوي المستقلة في عام 1980. وبالتالي، يمكن اعتبار استفتاء عام 1922 خطوة أولى في سلسلة من الأحداث التي شكلت في النهاية مصير رودسيا الجنوبية، مع استمرار تداعياته في زيمبابوي الحديثة.
تحليل تاريخي
يُعد استفتاء عام 1922 حدثًا حاسمًا في تاريخ رودسيا الجنوبية. إنه يمثل نقطة تحول حيث اختار المستوطنون البيض في المستعمرة مسارًا متميزًا عن جنوب إفريقيا. يمكن تحليل الاستفتاء من وجهات نظر مختلفة، بما في ذلك:
- القومية البيضاء: لعبت القومية البيضاء دورًا مهمًا في الاستفتاء. كان لدى العديد من المستوطنين البيض في رودسيا الجنوبية شعور قوي بالهوية المتميزة ورغبوا في الحفاظ عليها. كانوا قلقين من أنهم سيفقدون هويتهم إذا انضموا إلى جنوب إفريقيا.
- المصالح الاقتصادية: لعبت المصالح الاقتصادية أيضًا دورًا في الاستفتاء. اعتقد البعض أن الانضمام إلى جنوب إفريقيا سيوفر الاستقرار الاقتصادي والفرص. اعتقد آخرون أن الحكم الذاتي المسؤول سيسمح لرودسيا الجنوبية بالتحكم في اقتصادها وتطويره بما يخدم مصالحها.
- العلاقات العرقية: كانت العلاقات العرقية مصدر قلق رئيسي لكلا الجانبين. كان لدى جنوب إفريقيا بالفعل سياسات فصل عنصري، وكان العديد من المستوطنين البيض في رودسيا الجنوبية قلقين من أن هذه السياسات قد يتم تطبيقها على رودسيا الجنوبية إذا انضمت إلى الاتحاد.
من المهم ملاحظة أن الاستفتاء كان مدفوعًا بشكل أساسي بمصالح المستوطنين البيض في رودسيا الجنوبية. لم يُمنح السكان الأفارقة أي رأي في الأمر، وظلت مصالحهم إلى حد كبير دون تمثيل. هذا جانب مهم من تاريخ رودسيا الجنوبية وغالبًا ما يتم تجاهله في المناقشات حول الاستفتاء.
في الختام، كان استفتاء عام 1922 حدثًا معقدًا ومهمًا شكل مستقبل رودسيا الجنوبية. لقد كان مدفوعًا بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك القومية البيضاء والمصالح الاقتصادية والعلاقات العرقية. في حين أن الاستفتاء سمح لرودسيا الجنوبية بالحفاظ على هويتها المتميزة، إلا أنه أدى أيضًا إلى استمرار حكم الأقلية البيضاء واستبعاد الأغلبية الأفريقية من العملية السياسية.
خاتمة
كان استفتاء رودسيا الجنوبية عام 1922 لحظة حاسمة في تاريخ المنطقة. أتاح التصويت للمستوطنين البيض تحديد ما إذا كانوا سينضمون إلى اتحاد جنوب إفريقيا أم يسعون للحصول على حكم ذاتي مسؤول. كانت النتيجة، وهي قرار بالحصول على حكم ذاتي مسؤول، بمثابة تحديد لمسار رودسيا الجنوبية كمستعمرة تتمتع بالحكم الذاتي. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن هذا القرار تم اتخاذه دون مشاركة السكان الأفارقة، مما أدى إلى استمرار التحديات والظلم الذي سيواجهونه لعقود قادمة.