نشأته وبداياته
ولد جاك ماهي دو لا فيلجليه في بريتاني بفرنسا عام 1926. درس الرسم في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في نانت، ثم في باريس. في بداية مسيرته الفنية، تأثر فيلجليه بالفن التجريدي، لكنه سرعان ما بدأ في استكشاف أساليب جديدة ومبتكرة.
في عام 1949، التقى فيلجليه بالفنان ريموند هينز، الذي شاركه اهتمامه بالبيئة الحضرية والمواد الموجودة فيها. بدأ الاثنان معًا في جمع الملصقات الممزقة من شوارع باريس، واكتشفا إمكانات هذه المواد المهملة كشكل فني.
تقنية الملصقات الممزقة
تعتمد تقنية فيلجليه على جمع الملصقات الإعلانية الممزقة من الشوارع، ثم لصقها على قماش أو خشب بطريقة فنية. كان فيلجليه يختار الملصقات بعناية، مع التركيز على الألوان والأشكال والتركيبات التي تثير اهتمامه. كان يرى في هذه الملصقات الممزقة انعكاسًا للحياة الحضرية، وتحمل في طياتها قصصًا ورسائل خفية.
كان فيلجليه يعتبر نفسه “جامعًا” أكثر منه “مؤلفًا” للأعمال الفنية. كان يعتقد أن الملصقات الممزقة تحمل في ذاتها قيمة فنية، وأن دوره يقتصر على اختيارها وتقديمها للجمهور بطريقة جديدة.
تتميز أعمال فيلجليه بتنوعها وغناها البصري. يمكن رؤية فيها عناصر من الفن التجريدي، والفن المفاهيمي، والفن الشعبي. تعكس أعماله أيضًا اهتمامه بالسياسة والمجتمع، وتعبر عن رؤيته النقدية للعالم الحديث.
حركة الواقعية الجديدة
كان جاك فيلجليه أحد الأعضاء المؤسسين لحركة الواقعية الجديدة (Nouveau Réalisme) التي ظهرت في فرنسا عام 1960. ضمت هذه الحركة مجموعة من الفنانين الذين سعوا إلى إعادة تعريف الفن من خلال التركيز على الواقع اليومي والمواد الموجودة فيه.
كان أعضاء حركة الواقعية الجديدة يستخدمون مواد غير تقليدية في أعمالهم، مثل الخردة، والنفايات، والإعلانات. كانوا يرون في هذه المواد انعكاسًا للواقع الحضري، وتعبر عن الحياة اليومية للناس.
من بين أبرز أعضاء حركة الواقعية الجديدة إلى جانب فيلجليه: إيف كلاين، وأرمان، وجان تينجلي، ونيكي دي سانت فال.
أعماله البارزة
ترك جاك فيلجليه وراءه مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية التي عرضت في العديد من المتاحف والمعارض حول العالم. من بين أبرز أعماله:
- Rue de la Roquette (1959): تعتبر هذه اللوحة من أوائل أعمال فيلجليه التي استخدم فيها تقنية الملصقات الممزقة. تعرض اللوحة مجموعة من الملصقات الإعلانية الممزقة التي تم جمعها من شارع روكيت في باريس.
- Lacéré Anonyme (1962): تعتبر هذه اللوحة من أشهر أعمال فيلجليه. تعرض اللوحة مجموعة من الملصقات الممزقة التي تم جمعها من أماكن مختلفة في باريس.
- Affiches lacérées (1969): سلسلة من الأعمال التي تجمع بين الملصقات الممزقة والتصوير الفوتوغرافي. تعرض هذه الأعمال صورًا للمدن والشوارع، مع دمج الملصقات الممزقة في الصورة.
- Alphabet Socio-Politique (1970): قام فيلجليه بإنشاء أبجدية خاصة به تعتمد على أشكال الحروف الموجودة في الملصقات الممزقة. تستخدم هذه الأبجدية للتعبير عن الأفكار السياسية والاجتماعية.
- Déchirures (1980): سلسلة من الأعمال التي تركز على عملية التمزق نفسها. تعرض هذه الأعمال الملصقات الممزقة بطريقة تبرز جمالية التمزق والتلاشي.
تأثيره وإرثه
كان لجاك فيلجليه تأثير كبير على الفن المعاصر. ألهمت أعماله العديد من الفنانين لاستكشاف أساليب جديدة ومبتكرة في الفن. كما ساهم في تغيير نظرة الناس إلى المواد المهملة، وجعلهم يرون فيها إمكانات فنية.
يعتبر فيلجليه أحد أبرز الفنانين الفرنسيين في القرن العشرين. تركت أعماله بصمة واضحة في تاريخ الفن، ولا تزال تلهم الفنانين والجمهور حتى اليوم.
الجوائز والتكريمات
حصل جاك فيلجليه على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الفنية، من بينها:
- جائزة مدينة باريس الكبرى (1998)
- جائزة بريموم إمبريالي (2008)
- وسام جوقة الشرف
حياته الشخصية ووفاته
تزوج جاك فيلجليه من فرانسواز لوريور في عام 1948، وأنجبا ثلاثة أطفال. توفي فيلجليه في باريس في 6 يونيو 2022 عن عمر يناهز 96 عامًا. وقد رثاه العديد من الفنانين والنقاد، الذين أشادوا بمساهمته الكبيرة في الفن المعاصر.
خاتمة
جاك فيلجليه فنان فرنسي رائد، اشتهر بتقنية الملصقات الممزقة وأعماله التي تعكس الحياة الحضرية. كان أحد مؤسسي حركة الواقعية الجديدة، وترك إرثًا فنيًا غنيًا ومتنوعًا. ألهمت أعماله العديد من الفنانين، وساهم في تغيير نظرة الناس إلى الفن والمواد المهملة. يظل فيلجليه شخصية بارزة في تاريخ الفن الفرنسي والعالمي.