مقدمة
النواة المعززة المشتركة (Common Booster Core – CBC) هي مرحلة صاروخية أمريكية الصنع، تُستخدم بشكل أساسي في صواريخ دلتا 4 (Delta IV) كجزء من نظام صاروخي معياري. تمثل هذه النواة عنصراً حاسماً في بناء الصاروخ، حيث توفر الجزء الأكبر من قوة الدفع اللازمة لإطلاق الحمولات إلى الفضاء.
تاريخ وتطوير النواة المعززة المشتركة
بدأ تطوير النواة المعززة المشتركة في منتصف التسعينيات كجزء من برنامج تطوير صواريخ الإطلاق القابلة للتطوير (Evolved Expendable Launch Vehicle – EELV) التابع للقوات الجوية الأمريكية. كان الهدف من هذا البرنامج هو تطوير مجموعة من الصواريخ التي يمكنها إطلاق مجموعة واسعة من الحمولات، من الأقمار الصناعية الصغيرة إلى المركبات الفضائية الكبيرة، مع خفض التكاليف وتحسين الموثوقية.
تم تصميم النواة المعززة المشتركة لتكون قابلة للتكيف، بحيث يمكن استخدامها في مجموعة متنوعة من التكوينات لتلبية متطلبات مهمات مختلفة. هذا النهج المعياري يسمح باستخدام نفس المكونات الأساسية في صواريخ مختلفة، مما يقلل من تكاليف التطوير والإنتاج.
أنتجت شركة بوينغ (Boeing) في الأصل النواة المعززة المشتركة كجزء من عائلة صواريخ دلتا 4. ومع ذلك، بعد إنشاء تحالف الإطلاق المتحد (United Launch Alliance – ULA)، تولت ULA مسؤولية إنتاج وتشغيل النواة المعززة المشتركة.
تصميم ومواصفات النواة المعززة المشتركة
تتميز النواة المعززة المشتركة بتصميم أسطواني بسيط وفعال. تتكون من خزانات وقود كبيرة تحتوي على الوقود والمؤكسد، بالإضافة إلى محرك صاروخي قوي يوفر قوة الدفع اللازمة للإطلاق. تشمل المكونات الرئيسية ما يلي:
- خزانات الوقود: تحتوي على وقود الهيدروجين السائل (LH2) والمؤكسد، وهو الأكسجين السائل (LOX). هذه المواد شديدة البرودة وتتطلب خزانات معزولة بشكل خاص لمنع الغليان والتبخر.
- المحرك الصاروخي: تستخدم النواة المعززة المشتركة محرك RS-68، وهو محرك صاروخي كبير يعمل بالوقود السائل من إنتاج شركة إيروجيت روكيتداين (Aerojet Rocketdyne). يوفر هذا المحرك قوة دفع هائلة ضرورية لرفع الصاروخ والحمولة إلى الفضاء.
- الهيكل: يوفر الهيكل الدعم الهيكلي للنواة المعززة المشتركة ويحمي المكونات الداخلية من الظروف البيئية القاسية.
- نظام التحكم: يتحكم في اتجاه الصاروخ واستقراره أثناء الطيران. يستخدم هذا النظام أجهزة استشعار وخوارزميات متطورة لضمان بقاء الصاروخ على المسار الصحيح.
تشمل المواصفات الرئيسية للنواة المعززة المشتركة ما يلي:
- الطول: حوالي 40.8 مترًا (134 قدمًا).
- القطر: حوالي 5.1 مترًا (16.7 قدمًا).
- الوزن الفارغ: حوالي 27,200 كجم (60,000 رطل).
- الوزن عند الإطلاق: حوالي 230,000 كجم (507,000 رطل).
- قوة الدفع: حوالي 3,100 كيلونيوتن (700,000 رطل قوة).
كيفية عمل النواة المعززة المشتركة
تعمل النواة المعززة المشتركة عن طريق حرق الوقود والمؤكسد في المحرك الصاروخي، مما ينتج عنه كمية كبيرة من الغازات الساخنة التي يتم طردها من خلال فوهة المحرك. تخلق هذه العملية قوة دفع تدفع الصاروخ إلى الأمام.
قبل الإطلاق، يتم ملء خزانات الوقود بالهيدروجين السائل والأكسجين السائل. يتم تبريد هذه المواد إلى درجات حرارة منخفضة للغاية للحفاظ عليها في حالة سائلة. عند الإطلاق، يتم ضخ الوقود والمؤكسد إلى المحرك الصاروخي، حيث يتم خلطهما وإشعالهما. ينتج عن الاحتراق كمية هائلة من الطاقة، والتي يتم تحويلها إلى قوة دفع.
أثناء الطيران، يقوم نظام التحكم في الصاروخ بضبط اتجاه الفوهة للحفاظ على الصاروخ على المسار الصحيح. كما أنه يراقب أداء المحرك ويتخذ إجراءات تصحيحية إذا لزم الأمر.
بمجرد أن تستهلك النواة المعززة المشتركة كل وقودها، يتم فصلها عن بقية الصاروخ. ثم تواصل المراحل العليا من الصاروخ رحلتها إلى الفضاء، حاملة الحمولة إلى وجهتها المقصودة.
استخدامات النواة المعززة المشتركة
تُستخدم النواة المعززة المشتركة بشكل أساسي في صواريخ دلتا 4، والتي تستخدم لإطلاق مجموعة متنوعة من الحمولات، بما في ذلك الأقمار الصناعية العسكرية والتجارية والمركبات الفضائية العلمية. يمكن استخدام النواة المعززة المشتركة في تكوينات مختلفة، اعتمادًا على حجم ووزن الحمولة.
تشمل بعض الاستخدامات البارزة للنواة المعززة المشتركة ما يلي:
- إطلاق الأقمار الصناعية العسكرية: تم استخدام صواريخ دلتا 4 المزودة بالنواة المعززة المشتركة لإطلاق العديد من الأقمار الصناعية العسكرية، بما في ذلك أقمار الاتصالات وأقمار الاستطلاع وأقمار الإنذار المبكر.
- إطلاق الأقمار الصناعية التجارية: تم استخدام صواريخ دلتا 4 أيضًا لإطلاق العديد من الأقمار الصناعية التجارية، بما في ذلك أقمار الاتصالات وأقمار البث التلفزيوني وأقمار الإنترنت.
- إطلاق المركبات الفضائية العلمية: تم استخدام صواريخ دلتا 4 لإطلاق العديد من المركبات الفضائية العلمية، بما في ذلك المركبات التي تدرس الكواكب الأخرى والشمس والفضاء السحيق.
- برنامج المركبة الفضائية أوريون: كانت النواة المعززة المشتركة جزءًا من التكوين الأولي المقترح لإطلاق المركبة الفضائية أوريون التابعة لناسا، ولكن تم استبدالها لاحقًا بنظام الإطلاق الفضائي (SLS).
مزايا وعيوب النواة المعززة المشتركة
تتمتع النواة المعززة المشتركة بالعديد من المزايا، بما في ذلك:
- الموثوقية: أثبتت النواة المعززة المشتركة أنها منصة إطلاق موثوقة، حيث حققت معدل نجاح مرتفع في عمليات الإطلاق.
- التكيف: يمكن استخدام النواة المعززة المشتركة في مجموعة متنوعة من التكوينات لتلبية متطلبات مهمات مختلفة.
- الأداء: توفر النواة المعززة المشتركة قوة دفع عالية، مما يسمح لها بإطلاق حمولات ثقيلة إلى الفضاء.
ومع ذلك، فإن النواة المعززة المشتركة لديها أيضًا بعض العيوب، بما في ذلك:
- التكلفة: تعتبر النواة المعززة المشتركة مكلفة نسبيًا مقارنة بمنصات الإطلاق الأخرى.
- التعقيد: تتطلب النواة المعززة المشتركة صيانة وتشغيلًا متخصصين.
مستقبل النواة المعززة المشتركة
مع تطوير صواريخ إطلاق جديدة مثل فولكان سنتور (Vulcan Centaur) من ULA، من المتوقع أن يتم التخلص التدريجي من النواة المعززة المشتركة وصواريخ دلتا 4. ومع ذلك، ستظل النواة المعززة المشتركة جزءًا مهمًا من تاريخ استكشاف الفضاء، حيث ساهمت في إطلاق العديد من المهام الهامة.
بدائل النواة المعززة المشتركة
هناك العديد من البدائل للنواة المعززة المشتركة، بما في ذلك:
- فالكون 9 (Falcon 9): صاروخ إطلاق متوسط إلى ثقيل قابل لإعادة الاستخدام من تصميم وتصنيع شركة سبيس إكس (SpaceX).
- أطلس 5 (Atlas V): صاروخ إطلاق متوسط إلى ثقيل من تصميم وتصنيع شركة ULA.
- أريان 5 (Ariane 5): صاروخ إطلاق ثقيل من تصميم وتصنيع شركة أريان سبيس (Arianespace).
- لونغ مارش (Long March): سلسلة من صواريخ الإطلاق الصينية.
خاتمة
النواة المعززة المشتركة هي مرحلة صاروخية مهمة لعبت دورًا حيويًا في إطلاق العديد من المهام الفضائية الهامة. على الرغم من أنه من المتوقع أن يتم التخلص التدريجي منها في المستقبل القريب، إلا أنها ستظل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ استكشاف الفضاء، وستستمر في تذكيرنا بالإنجازات الهندسية التي سمحت لنا بالوصول إلى النجوم.