مقدمة
أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ، المعروف بلقبه الملكي العاضد لدين الله، هو آخر خلفاء الدولة الفاطمية في مصر. حكم في فترة حرجة شهدت ضعفاً شديداً في الدولة وتدخلاً خارجياً متزايداً، مما أدى في النهاية إلى سقوط الدولة الفاطمية على يد الأيوبيين.
نشأته وتوليه الخلافة
ولد العاضد لدين الله في عام 1151 ميلادية (546 هجرية). تولى الخلافة في سن مبكرة، عام 1160 ميلادية (555 هجرية)، بعد وفاة الخليفة الفائز بنصر الله، وكان عمره آنذاك تسع سنوات فقط. هذا الصغر في السن جعله عرضة لتأثير الوزراء والقادة العسكريين الذين تنازعوا على السلطة والنفوذ في الدولة الفاطمية الضعيفة.
الصراع على السلطة وتدخل نور الدين زنكي
تميزت فترة حكم العاضد بصراع مرير على السلطة بين الوزراء والقادة العسكريين، وخاصة بين شاور وضرغام. كان شاور وزيراً قوياً سعى للحفاظ على نفوذه، بينما كان ضرغام قائداً عسكرياً طموحاً يسعى للوصول إلى السلطة. اشتد الصراع بينهما لدرجة استعانة كل منهما بقوى خارجية. استعان شاور بنور الدين زنكي، حاكم دمشق، بينما استعان ضرغام بالصليبيين. أرسل نور الدين زنكي جيشاً بقيادة أسد الدين شيركوه إلى مصر لمساعدة شاور. تمكن شيركوه من هزيمة ضرغام، ولكن سرعان ما دب الخلاف بينه وبين شاور، مما أدى إلى صراع جديد.
تأثير أسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبي
بعد صراع طويل، تمكن أسد الدين شيركوه من قتل شاور وتولي منصب الوزارة. ولكن لم يمض وقت طويل حتى توفي شيركوه، وخلفه في منصب الوزارة ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، المعروف بصلاح الدين الأيوبي. كان صلاح الدين قائداً عسكرياً وسياسياً ذكياً، وسرعان ما تمكن من توطيد سلطته في مصر.
تولي صلاح الدين السلطة ونهاية الدولة الفاطمية
بعد توليه منصب الوزارة، بدأ صلاح الدين في إضعاف النفوذ الفاطمي تدريجياً. قام بإصلاحات إدارية وعسكرية تهدف إلى تقوية الجيش المصري وتوحيده تحت قيادته. كما قام بنشر المذهب السني بدلاً من المذهب الشيعي الذي كان سائداً في الدولة الفاطمية. استغل صلاح الدين وفاة العاضد لدين الله في عام 1171 ميلادية (567 هجرية) ليُعلن نهاية الدولة الفاطمية وإقامة الدولة الأيوبية في مصر. بذلك انتهى عصر الدولة الفاطمية الذي استمر لأكثر من قرنين من الزمان.
إنجازات العاضد (المحدودة)
بالنظر إلى الظروف الصعبة التي أحاطت بفترة حكمه، لم يتمكن العاضد من تحقيق إنجازات كبيرة. يمكن تلخيص إنجازاته (المحدودة) فيما يلي:
- محاولات الحفاظ على استقلال الدولة الفاطمية: سعى العاضد جاهداً للحفاظ على استقلال الدولة الفاطمية في وجه التدخلات الخارجية، ولكنه لم ينجح في ذلك بسبب ضعف الدولة والصراعات الداخلية.
- بعض الإصلاحات الإدارية الطفيفة: قام العاضد ببعض الإصلاحات الإدارية الطفيفة بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ولكنها لم تكن كافية لإحداث تغيير جذري.
- رعاية الأدباء والشعراء: كان العاضد محباً للأدب والشعر، وقام برعاية بعض الأدباء والشعراء في عصره.
أسباب ضعف الدولة الفاطمية في عهد العاضد
هناك عدة أسباب أدت إلى ضعف الدولة الفاطمية في عهد العاضد، من أهمها:
- صغر سن العاضد وتوليته الخلافة في سن مبكرة: هذا الأمر جعله عرضة لتأثير الوزراء والقادة العسكريين الذين تنازعوا على السلطة والنفوذ.
- الصراعات الداخلية بين الوزراء والقادة العسكريين: أضعفت هذه الصراعات الدولة الفاطمية وجعلتها عرضة للتدخلات الخارجية.
- الأزمات الاقتصادية: عانت الدولة الفاطمية من أزمات اقتصادية متتالية أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية وزيادة الاستياء الشعبي.
- التدخلات الخارجية: تدخل نور الدين زنكي والصليبيون في الشؤون الداخلية للدولة الفاطمية، مما زاد من ضعفها وتدهورها.
شخصية العاضد
تذكر المصادر التاريخية أن العاضد كان شاباً طيباً ومحباً للعلم والأدب، ولكنه كان ضعيفاً وغير قادر على السيطرة على الأمور السياسية والعسكرية. يصفه بعض المؤرخين بأنه كان “ألعوبة في يد الوزراء والقادة العسكريين”.
خاتمة
العاضد لدين الله هو آخر خلفاء الدولة الفاطمية في مصر. حكم في فترة حرجة شهدت ضعفاً شديداً في الدولة وتدخلاً خارجياً متزايداً، مما أدى في النهاية إلى سقوط الدولة الفاطمية على يد الأيوبيين. لم يتمكن العاضد من تحقيق إنجازات كبيرة بسبب الظروف الصعبة التي أحاطت بفترة حكمه، ولكنه سعى جاهداً للحفاظ على استقلال الدولة الفاطمية. يعتبر العاضد رمزاً لنهاية عصر الدولة الفاطمية وبداية عصر جديد في تاريخ مصر.