مياه القاع في القطب الجنوبي (Antarctic Bottom Water)

مقدمة

مياه القاع في القطب الجنوبي (AABW) هي كتلة مياه فريدة وكثيفة تتشكل في المنطقة المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية. تُعد AABW أبرد وأكثر مياه المحيطات عمقًا، وتلعب دورًا حاسمًا في تنظيم المناخ العالمي وأنماط دوران المحيطات. تتشكل هذه المياه من خلال مجموعة معقدة من العمليات التي تتضمن تبريد المياه السطحية، وتكوين الجليد البحري، وزيادة الملوحة، مما يؤدي إلى غرق المياه الباردة المالحة إلى قاع المحيط.

عملية التشكل

تتضمن عملية تشكل مياه القاع في القطب الجنوبي عدة مراحل رئيسية:

  • التبريد السطحي: خلال فصل الشتاء في القطب الجنوبي، تتعرض المياه السطحية لدرجات حرارة منخفضة للغاية، مما يؤدي إلى تبريدها بشكل كبير.
  • تكوين الجليد البحري: مع تبريد المياه، يبدأ الجليد البحري في التكون. عندما يتجمد الماء، يتم طرد الملح، مما يزيد من ملوحة المياه المتبقية.
  • زيادة الملوحة (Brine Rejection): المياه المالحة التي يتم طردها أثناء تكوين الجليد البحري تغرق إلى الأسفل لأنها أكثر كثافة من المياه المحيطة بها.
  • الغطس (Sinking): هذه المياه الباردة المالحة تغرق إلى قاع المحيط، لتشكل مياه القاع في القطب الجنوبي.
  • الانتشار: تنتشر مياه القاع في القطب الجنوبي بعد ذلك عبر قاع المحيطات في جميع أنحاء العالم، مما يؤثر على درجات الحرارة والملوحة وأنماط الدوران في المحيطات.

الخصائص الفيزيائية

تتميز مياه القاع في القطب الجنوبي بخصائص فيزيائية مميزة:

  • درجة الحرارة: تتراوح درجة حرارة AABW عادة بين -0.8 درجة مئوية و 2 درجة مئوية.
  • الملوحة: تتراوح ملوحة AABW عادة بين 34.6 جزء في الألف و 34.7 جزء في الألف.
  • الكثافة: AABW هي واحدة من أكثف كتل المياه في المحيطات بسبب انخفاض درجة حرارتها وارتفاع ملوحتها.

التوزيع

تتشكل AABW بشكل رئيسي في بحر ويديل وبحر روس في القطب الجنوبي. من هناك، تنتشر عبر قاع المحيطات في جميع أنحاء العالم. يمكن العثور عليها في جميع الأحواض المحيطية الرئيسية، بما في ذلك المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والمحيط الهندي. نظرًا لكثافتها العالية، تتدفق AABW تحت كتل المياه الأخرى وتملأ أعمق أجزاء المحيطات.

الأهمية المناخية

تلعب مياه القاع في القطب الجنوبي دورًا حيويًا في تنظيم المناخ العالمي بعدة طرق:

  • نقل الحرارة: AABW تحمل المياه الباردة من القطب الجنوبي نحو خط الاستواء، مما يساعد على توزيع الحرارة في جميع أنحاء العالم. هذا يساعد على تنظيم درجات الحرارة العالمية ويمنع ارتفاع درجة حرارة المناطق الاستوائية.
  • تخزين الكربون: يمكن لـ AABW تخزين كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون (CO2) من الغلاف الجوي. هذا يساعد على تقليل تركيز CO2 في الغلاف الجوي وتخفيف آثار تغير المناخ.
  • التأثير على التيارات المحيطية: تؤثر AABW على أنماط دوران المحيطات العالمية. يساعد تدفقها على دفع الحزام الناقل العالمي للمحيطات، وهو نظام من التيارات المحيطية المترابطة التي تنقل الحرارة والمغذيات في جميع أنحاء العالم.

التأثيرات البيئية

بالإضافة إلى دورها المناخي، تؤثر AABW أيضًا على النظم البيئية البحرية:

  • توزيع المغذيات: تحمل AABW المغذيات من قاع المحيط إلى المياه السطحية، حيث يمكن أن تدعم نمو العوالق النباتية. تشكل العوالق النباتية قاعدة السلسلة الغذائية البحرية وهي ضرورية للحفاظ على صحة النظم البيئية البحرية.
  • توفير الأكسجين: AABW غنية بالأكسجين، مما يساعد على دعم الحياة البحرية في أعماق المحيطات.
  • تأثيرات على الكائنات الحية في القاع: تؤثر الخصائص الفيزيائية والكيميائية لـ AABW على توزيع ووفرة الكائنات الحية التي تعيش في قاع المحيطات.

التحديات والتهديدات

تواجه مياه القاع في القطب الجنوبي عددًا من التحديات والتهديدات، بما في ذلك:

  • تغير المناخ: يؤدي ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى ذوبان الجليد البحري والأنهار الجليدية في القطب الجنوبي. يمكن أن يؤدي هذا إلى تقليل تكوين AABW وتغيير خصائصه.
  • تحمض المحيطات: يمتص المحيط CO2 من الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تحمض المحيطات. يمكن أن يؤثر تحمض المحيطات على قدرة AABW على تخزين الكربون وقد يضر بالكائنات الحية البحرية.
  • التلوث: يمكن أن يؤدي التلوث من الأنشطة البشرية إلى تلوث AABW ويضر بالنظم البيئية البحرية.

الأبحاث والرصد

يواصل العلماء إجراء البحوث ورصد مياه القاع في القطب الجنوبي لفهم دورها في النظام المناخي العالمي بشكل أفضل. تشمل بعض مجالات البحث الرئيسية:

  • رصد معدل تكوين AABW: يراقب العلماء معدل تكوين AABW لتحديد كيفية تأثير تغير المناخ على هذه العملية.
  • دراسة خصائص AABW: يدرس العلماء خصائص AABW، مثل درجة الحرارة والملوحة والكثافة، لفهم كيفية تغيرها بمرور الوقت.
  • نمذجة AABW: يستخدم العلماء النماذج الحاسوبية لمحاكاة سلوك AABW والتنبؤ بكيفية استجابتها لتغير المناخ.

أهمية الحفاظ عليها

من الضروري حماية مياه القاع في القطب الجنوبي للحفاظ على صحة المحيطات وتنظيم المناخ العالمي. تشمل بعض التدابير التي يمكن اتخاذها لحماية AABW:

  • تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري: يمكن أن يساعد تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في إبطاء وتيرة تغير المناخ وحماية AABW.
  • الحد من التلوث: يمكن أن يساعد الحد من التلوث من الأنشطة البشرية في حماية AABW من التلف.
  • إنشاء مناطق محمية بحرية: يمكن أن تساعد المناطق المحمية بحرية في حماية النظم البيئية البحرية الهامة، بما في ذلك تلك التي تعتمد على AABW.

دور التكنولوجيا في دراسة مياه القاع في القطب الجنوبي

تلعب التكنولوجيا دورًا حاسمًا في دراسة مياه القاع في القطب الجنوبي، حيث تتيح للعلماء جمع البيانات وتحليلها بطرق لم تكن ممكنة من قبل. تشمل بعض التقنيات الرئيسية المستخدمة في هذا المجال:

  • العوامات الآلية (Argo Floats): هي عبارة عن عوامات آلية تطفو في المحيط وتجمع بيانات عن درجة الحرارة والملوحة على أعماق مختلفة. تساعد هذه البيانات العلماء على تتبع حركة وخصائص AABW.
  • السفن البحثية: تستخدم السفن البحثية لجمع عينات المياه وإجراء القياسات في القطب الجنوبي. غالبًا ما تكون هذه السفن مجهزة بمعدات متطورة، مثل أجهزة قياس التيارات الصوتية وأجهزة تحليل المياه الكيميائية.
  • الأقمار الصناعية: توفر الأقمار الصناعية صورًا وبيانات قيمة عن الجليد البحري ودرجة حرارة سطح البحر وملوحة سطح البحر في القطب الجنوبي. تساعد هذه البيانات العلماء على فهم العمليات التي تؤثر على تكوين AABW وتوزيعها.
  • النماذج الحاسوبية: تستخدم النماذج الحاسوبية لمحاكاة سلوك AABW والتنبؤ بكيفية استجابتها لتغير المناخ. تتطلب هذه النماذج قوة حاسوبية كبيرة وبيانات دقيقة، ولكنها يمكن أن توفر رؤى قيمة حول مستقبل AABW.

تأثير التغيرات في مياه القاع في القطب الجنوبي على مستوى سطح البحر

التغيرات في مياه القاع في القطب الجنوبي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على مستوى سطح البحر العالمي. على سبيل المثال، إذا تباطأ تكوين AABW أو توقف تمامًا، فقد يؤدي ذلك إلى تراكم المياه الدافئة في أعماق المحيط، مما قد يتسبب في تمدد حراري وارتفاع مستوى سطح البحر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي ذوبان الجليد البحري والأنهار الجليدية في القطب الجنوبي إلى زيادة تدفق المياه العذبة إلى المحيط، مما قد يغير ملوحة وكثافة AABW ويؤثر على دوران المحيطات العالمي.

التعاون الدولي في دراسة مياه القاع في القطب الجنوبي

نظرًا لأهمية مياه القاع في القطب الجنوبي في تنظيم المناخ العالمي، هناك تعاون دولي واسع النطاق في دراستها. تشارك العديد من الدول والمنظمات في جمع البيانات وتحليلها، وتبادل المعرفة، وتطوير نماذج حاسوبية لتحسين فهمنا لـ AABW. يشمل هذا التعاون برامج مثل برنامج مراقبة المناخ العالمي (GCOS) وبرنامج البحوث العالمي للمناخ (WCRP)، بالإضافة إلى العديد من المشاريع البحثية الثنائية ومتعددة الأطراف.

خاتمة

مياه القاع في القطب الجنوبي هي كتلة مياه فريدة تلعب دورًا حاسمًا في تنظيم المناخ العالمي وأنماط دوران المحيطات. تتشكل هذه المياه الباردة المالحة الكثيفة في المنطقة المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية وتنتشر عبر قاع المحيطات في جميع أنحاء العالم. تواجه AABW عددًا من التحديات والتهديدات، بما في ذلك تغير المناخ وتحمض المحيطات والتلوث. من الضروري حماية AABW للحفاظ على صحة المحيطات وتنظيم المناخ العالمي. الأبحاث المستمرة والرصد والتعاون الدولي ضروريان لفهم دورها بشكل كامل وضمان حمايتها للأجيال القادمة.

المراجع