خلفية تاريخية
في أوائل القرن العشرين، كانت المطالب الوطنية الهندية تتأرجح بين الحكم الذاتي (Home Rule) والاستقلال. قاد المهاتما غاندي حركة اللاعنف، التي اكتسبت زخمًا كبيرًا في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، كانت هناك فجوة متزايدة بين أهداف القادة الهنود وتطلعات الشعب. أظهر تقرير نهرو عام 1928، الذي دعا إلى الحكم الذاتي الدومينيوني، انقسامًا في الرأي العام، حيث شعر العديد من الوطنيين الشباب أن هذا التوجه غير كافٍ.
كان الشعور بالإحباط يتصاعد بسبب عوامل مختلفة، منها:
- قانون رولات (Rowlatt Act): وهو قانون قمعي سمح للحكومة البريطانية بسجن أي شخص دون محاكمة.
- مذبحة أمريتسار (Jallianwala Bagh Massacre): وهي حادثة مروعة قُتل فيها مئات المدنيين الهنود العزل على يد القوات البريطانية.
- الركود الاقتصادي: الذي أدى إلى تفاقم الفقر والبطالة.
كل هذه العوامل ساهمت في تنامي الشعور بضرورة تحقيق الاستقلال الكامل بدلًا من مجرد الحكم الذاتي.
إعلان بورنا سواراج
في ديسمبر 1929، عقد المؤتمر الوطني الهندي دورته السنوية في لاهور، على ضفاف نهر رافي. كان جواهر لال نهرو رئيسًا للدورة. في هذا الاجتماع التاريخي، تم تبني قرار بورنا سواراج رسميًا.
أعلن القرار أن هدف المؤتمر الوطني الهندي هو تحقيق الاستقلال التام للهند. نص الإعلان على ما يلي:
“من الآن فصاعدًا، يجب أن يكون السعي لتحقيق بورنا سواراج (الاستقلال التام) هو الهدف الوحيد للمؤتمر الوطني الهندي.”
كان هذا الإعلان بمثابة نقطة تحول حاسمة في حركة الاستقلال الهندية، حيث غيرت بشكل جذري مسار النضال من أجل الحرية.
تأثير إعلان بورنا سواراج
كان لإعلان بورنا سواراج تأثير عميق على حركة الاستقلال الهندية:
- توحيد الحركة الوطنية: ألهم إعلان بورنا سواراج جميع قطاعات المجتمع الهندي، من القادة إلى عامة الناس، للعمل معًا لتحقيق هدف مشترك وهو الاستقلال التام.
- زيادة المشاركة الشعبية: حشد إعلان بورنا سواراج الجماهير الهندية على نطاق لم يسبق له مثيل، مما أدى إلى زيادة كبيرة في المشاركة في الحركات الاحتجاجية والعصيان المدني.
- تعزيز القيادة: عزز إعلان بورنا سواراج مكانة جواهر لال نهرو والجيل الشاب من القادة الوطنيين، الذين دافعوا عن الاستقلال الكامل.
- إضعاف الحكم البريطاني: قوض إعلان بورنا سواراج شرعية الحكم البريطاني في الهند، مما أدى إلى زيادة الضغط على الحكومة البريطانية للاستجابة للمطالب الهندية.
يوم الاستقلال الأول
بعد إعلان بورنا سواراج، تم تحديد يوم 26 يناير 1930 كيوم للاستقلال. في هذا اليوم، تعهد الهنود في جميع أنحاء البلاد بالعمل من أجل تحقيق الاستقلال التام. تم رفع العلم الهندي في جميع أنحاء البلاد، وتم تنظيم الاجتماعات والمسيرات. كان هذا اليوم بمثابة إعلان رمزي للاستقلال، على الرغم من أن الهند لم تكن قد حصلت بعد على استقلالها الفعلي.
كان ليوم الاستقلال الأول أهمية رمزية كبيرة، حيث عزز الالتزام بالاستقلال التام وألهم الهنود لمواصلة النضال من أجل الحرية. حتى بعد استقلال الهند الفعلي في عام 1947، تم اختيار يوم 26 يناير للاحتفال بيوم الجمهورية في الهند، تكريما لذكرى إعلان بورنا سواراج.
العصيان المدني
في أعقاب إعلان بورنا سواراج ويوم الاستقلال الأول، أطلق المهاتما غاندي حركة العصيان المدني. كانت هذه الحركة عبارة عن سلسلة من الاحتجاجات اللاعنفية التي تهدف إلى تحدي سلطة الحكومة البريطانية. بدأت الحركة بمسيرة الملح الشهيرة، حيث قاد غاندي الآلاف من الهنود في مسيرة إلى البحر لصنع الملح بشكل غير قانوني، في تحدٍ للاحتكار البريطاني للملح.
حققت حركة العصيان المدني نجاحًا كبيرًا في تعبئة الجماهير الهندية وزيادة الضغط على الحكومة البريطانية. على الرغم من تعرضها للقمع العنيف، إلا أن الحركة استمرت لعدة سنوات، وساهمت في نهاية المطاف في تحقيق الاستقلال الهندي.
المفاوضات مع البريطانيين
في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، أجرت الحكومة البريطانية سلسلة من المفاوضات مع القادة الهنود بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل الهند. شارك المؤتمر الوطني الهندي ورابطة مسلمي عموم الهند في هذه المفاوضات. ومع ذلك، كانت هناك خلافات كبيرة بين الأطراف المختلفة، وخاصة فيما يتعلق بمسألة تقسيم الهند.
بعد الحرب العالمية الثانية، أدركت الحكومة البريطانية أنها لم تعد قادرة على الحفاظ على سيطرتها على الهند. في عام 1947، وافقت الحكومة البريطانية على منح الهند الاستقلال.
الاستقلال والتقسيم
في 15 أغسطس 1947، حصلت الهند على استقلالها. ومع ذلك، جاء الاستقلال مصحوبًا بتقسيم البلاد إلى الهند وباكستان. أدى التقسيم إلى أعمال عنف واسعة النطاق وهجرة جماعية، مما تسبب في معاناة إنسانية هائلة.
على الرغم من المأساة المصاحبة للتقسيم، كان استقلال الهند بمثابة انتصار كبير للشعب الهندي. كان تتويجا لعقود من النضال والتضحية، ويمثل بداية حقبة جديدة في تاريخ الهند.
إرث بورنا سواراج
لا يزال إعلان بورنا سواراج يمثل لحظة محورية في تاريخ الهند. لقد كان تعبيراً عن تصميم الشعب الهندي على تحقيق الاستقلال التام، وألهم جيلاً كاملاً من القادة والنشطاء. إن إرث بورنا سواراج يذكرنا بأهمية النضال من أجل الحرية والعدالة، وبقوة الوحدة والتصميم في تحقيق الأهداف النبيلة.
خاتمة
بورنا سواراج، أو الاستقلال التام، لم يكن مجرد قرار سياسي، بل كان تعبيرًا عن تطلعات أمة بأكملها. لقد كان بمثابة حافز لتوحيد الجهود وتعبئة الجماهير وتحقيق هدف الاستقلال الذي طال انتظاره. لا يزال إرث بورنا سواراج يلهم الأجيال القادمة في الهند وخارجها لمواصلة النضال من أجل الحرية والعدالة والمساواة.