مقدمة
بعد احتلال لاتفيا من قبل الاتحاد السوفيتي في يونيو 1940، تم حل جزء كبير من الجيش اللاتفي السابق، وتم ترحيل العديد من جنوده أو إعدامهم. خلال الحرب العالمية الثانية، قاتل اللاتفيون على كلا الجانبين، حيث جند الاتحاد السوفيتي قسراً العديد منهم في جيشه الأحمر، بينما تطوع آخرون أو تم تجنيدهم في الفيلق اللاتفي التابع لفافن إس إس الألماني. شهدت لاتفيا معارك ضارية وعانت من خسائر فادحة في الأرواح والدمار.
الاحتلال السوفيتي الأول (1940-1941)
في أعقاب اتفاق مولوتوف-ريبنتروب عام 1939، تم ضم لاتفيا قسراً إلى الاتحاد السوفيتي في يونيو 1940. تم حل الجيش اللاتفي بسرعة، وتم دمج جزء منه في الجيش الأحمر. تم اعتقال أو ترحيل العديد من الضباط والجنود اللاتفيين إلى معسكرات العمل القسري في سيبيريا وأماكن أخرى في الاتحاد السوفيتي. واجه أولئك الذين بقوا في لاتفيا قمعًا شديدًا ومراقبة مستمرة من قبل المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية (NKVD).
- حل الجيش اللاتفي: تم حل الجيش اللاتفي النظامي واستبداله بوحدات من الجيش الأحمر.
- الترحيل والقمع: تم ترحيل آلاف اللاتفيين، بمن فيهم العسكريون، إلى سيبيريا ومناطق أخرى نائية.
- الاندماج في الجيش الأحمر: تم دمج بعض الجنود اللاتفيين قسراً في الجيش الأحمر، وغالباً ما تم إرسالهم إلى الجبهة في ظروف قاسية.
هذا الاحتلال ترك ندوبًا عميقة في الذاكرة الجماعية للشعب اللاتفي وأدى إلى مقاومة متزايدة ضد الحكم السوفيتي.
الاحتلال الألماني (1941-1944)
في يونيو 1941، غزت ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتي، وسرعان ما اجتاحت لاتفيا. رحب بعض اللاتفيين بالجيش الألماني في البداية كمحررين من الحكم السوفيتي. ومع ذلك، سرعان ما أصبح من الواضح أن الألمان لم يأتوا لتحرير لاتفيا، بل لإخضاعها لحكمهم. تم إنشاء الرايخسومست أوستلاند، وهي منطقة إدارية ألمانية، وشملت لاتفيا وإستونيا وليتوانيا وأجزاء من بيلاروسيا.
خلال فترة الاحتلال الألماني، تم إنشاء الفيلق اللاتفي التابع لفافن إس إس، والذي ضم جنودًا لاتفيين متطوعين ومجندين. كان الفيلق اللاتفي جزءًا من قوات الأمن الخاصة الألمانية (Waffen-SS) وخاض معارك ضد الجيش الأحمر على الجبهة الشرقية. انقسم اللاتفيون بشدة بشأن مسألة التعاون مع الألمان. رأى البعض في ذلك وسيلة لمحاربة الاتحاد السوفيتي واستعادة استقلال لاتفيا، بينما اعتبره آخرون خيانة.
- الرايخسومست أوستلاند: تم دمج لاتفيا في منطقة إدارية ألمانية تهدف إلى استغلال مواردها.
- الفيلق اللاتفي التابع لفافن إس إس: تم تشكيل وحدات عسكرية لاتيفية تابعة لقوات الأمن الخاصة الألمانية، مما أثار جدلاً واسعاً حول طبيعة مشاركة لاتفيا في الحرب.
- المقاومة اللاتفية: إلى جانب التعاون، كانت هناك أيضًا حركة مقاومة نشطة ضد الاحتلال الألماني.
شهدت هذه الفترة جرائم حرب مروعة، بما في ذلك تصفية الجالية اليهودية في لاتفيا، والتي تم تنفيذها بمساعدة المتعاونين المحليين.
الفيلق اللاتفي (Latvian Legion)
كان الفيلق اللاتفي تشكيلًا عسكريًا تابعًا لفافن إس إس الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. تم إنشاؤه في عام 1943، ويتألف من متطوعين ومجندين لاتفيين. كان الهدف المعلن للفيلق هو الدفاع عن لاتفيا ضد الغزو السوفيتي. ومع ذلك، فقد تورط في أعمال قتالية ضد الجيش الأحمر وشارك في جرائم حرب.
تتكون الفيلق اللاتفي من فرقتين: الفرقة اللاتفية الخامسة عشرة التابعة لقوات الأمن الخاصة والفرقة اللاتفية التاسعة عشرة التابعة لقوات الأمن الخاصة. قاتلت الوحدتان على الجبهة الشرقية، وخاصة في معارك في منطقة فولكوف و كورلاند. بعد الحرب، اعتبر العديد من قدامى المحاربين في الفيلق اللاتفي كمقاتلين من أجل حرية لاتفيا، بينما يعتبرهم آخرون متعاونين مع النظام النازي.
- التشكيل والأهداف: تم تشكيل الفيلق للدفاع عن لاتفيا ضد الغزو السوفيتي، ولكنه قاتل تحت القيادة الألمانية.
- الفرقتان الرئيسيتان: الفرقة اللاتفية الخامسة عشرة والفرقة اللاتفية التاسعة عشرة التابعتان لقوات الأمن الخاصة.
- الجدل التاريخي: لا يزال دور الفيلق موضوع نقاش وجدل كبيرين في لاتفيا وخارجها.
يظل إرث الفيلق اللاتفي موضوعًا مثيرًا للجدل في لاتفيا الحديثة، حيث تقام مسيرات سنوية لتكريم المحاربين القدامى، الأمر الذي يثير انتقادات من روسيا ومنظمات يهودية.
الاحتلال السوفيتي الثاني (1944-1991)
في خريف عام 1944، بدأ الجيش الأحمر في دفع القوات الألمانية إلى خارج لاتفيا. بحلول نهاية عام 1944، كانت معظم لاتفيا تحت السيطرة السوفيتية. استمرت جيوب المقاومة اللاتفية، المعروفة باسم “إخوة الغابة”، في القتال ضد الحكم السوفيتي لعدة سنوات بعد الحرب. تميز الاحتلال السوفيتي الثاني بقمع سياسي واضطهاد وترحيل جماعي.
تم تنفيذ عمليات التجميع القسري للمزارع في التعاونيات، وتم قمع الثقافة واللغة اللاتفية. تم استبدال المسؤولين الحكوميين اللاتفيين بمسؤولين سوفيتيين، وتم استيراد أعداد كبيرة من الروس إلى لاتفيا لتغيير التركيبة السكانية. ومع ذلك، استمرت الروح الوطنية اللاتفية في البقاء على قيد الحياة، وفي أواخر الثمانينيات، بدأت حركة من أجل الاستقلال في اكتساب قوة دافعة.
- “إخوة الغابة”: حركة مقاومة مسلحة استمرت في القتال ضد الحكم السوفيتي بعد الحرب.
- التجميع القسري: تم إجبار المزارعين على الانضمام إلى التعاونيات، مما أدى إلى تدمير الزراعة اللاتفية التقليدية.
- الروسنة: سياسة تهدف إلى زيادة النفوذ الروسي في لاتفيا من خلال الهجرة وتغيير اللغة الرسمية.
لم تستعد لاتفيا استقلالها إلا في عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
الخسائر البشرية والمادية
تكبدت لاتفيا خسائر فادحة خلال الحرب العالمية الثانية. قُتل أو فقد ما يقرب من 200,000 شخص، وهو ما يمثل حوالي 10% من سكان لاتفيا قبل الحرب. بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية الاقتصادية للبلاد.
عانى السكان المدنيون بشكل خاص، حيث قتل الآلاف في الغارات الجوية والقصف المدفعي وأعمال القمع. تم تصفية المجتمع اليهودي اللاتفي بالكامل تقريبًا، وقتل آلاف الغجر والبولنديين وغيرهم من الأقليات العرقية.
- الخسائر البشرية: ما يقرب من 200,000 قتيل أو مفقود.
- تدمير البنية التحتية: دمرت الحرب جزءًا كبيرًا من البنية التحتية الاقتصادية للبلاد.
- المعاناة المدنية: عانى السكان المدنيون بشكل خاص من الغارات الجوية والقمع والترحيل.
تركت الحرب العالمية الثانية ندوبًا عميقة على المجتمع اللاتفي، ولا تزال آثارها محسوسة حتى اليوم.
إرث الحرب العالمية الثانية في لاتفيا الحديثة
لا تزال الحرب العالمية الثانية تحتل مكانة بارزة في الذاكرة الجماعية للشعب اللاتفي. يتم إحياء ذكرى ضحايا الحرب بانتظام، وتقام الاحتفالات في مواقع المعارك السابقة. ومع ذلك، فإن تفسير الأحداث خلال الحرب لا يزال موضوعًا مثيرًا للجدل.
يُنظر إلى الفيلق اللاتفي من قبل البعض كمقاتلين من أجل حرية لاتفيا، بينما يعتبرهم آخرون متعاونين مع النظام النازي. تستمر روسيا في انتقاد لاتفيا لتمجيدها لأعضاء الفيلق اللاتفي، وتتهمها بتبييض جرائم النازيين.
- الذاكرة الجماعية: تحتل الحرب العالمية الثانية مكانة بارزة في الذاكرة الجماعية للشعب اللاتفي.
- الجدل حول الفيلق اللاتفي: لا يزال دور الفيلق موضوع نقاش وجدل كبيرين.
- العلاقات مع روسيا: تظل الحرب العالمية الثانية مصدر توتر في العلاقات بين لاتفيا وروسيا.
لا تزال لاتفيا تسعى جاهدة للمصالحة مع ماضيها المضطرب، وتعزيز التسامح والتفاهم بين مختلف المجموعات العرقية والإثنية.
خاتمة
كانت الحرب العالمية الثانية فترة مأساوية في تاريخ لاتفيا. عانى الشعب اللاتفي من الاحتلال السوفيتي والألماني، وقاتل اللاتفيون على كلا الجانبين في الحرب. تكبدت لاتفيا خسائر فادحة في الأرواح والدمار، ولا تزال آثار الحرب محسوسة حتى اليوم. يظل إرث الحرب العالمية الثانية موضوعًا مثيرًا للجدل في لاتفيا الحديثة، حيث تسعى البلاد جاهدة للمصالحة مع ماضيها المضطرب وتعزيز التسامح والتفاهم.