مقدمة
فيضان البحيرات الجليدية الاندفاعي (GLOF) هو نوع من الفيضانات الاندفاعية التي تحدث نتيجة لانهيار سد يحتجز بحيرة جليدية. يمكن أن تكون هذه الفيضانات مدمرة للغاية، حيث تحمل كميات هائلة من المياه والحطام، مما يؤدي إلى تدمير البنية التحتية، وفقدان الأرواح، وتغيير المناظر الطبيعية بشكل كبير. تزداد خطورة هذه الظاهرة مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الأنهار الجليدية، مما يؤدي إلى تكوّن المزيد من البحيرات الجليدية غير المستقرة.
أسباب حدوث فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى انهيار السدود الجليدية وحدوث الفيضانات الاندفاعية، ويمكن تلخيصها في العوامل التالية:
- التآكل الداخلي: يمكن للمياه المتدفقة عبر أو أسفل السد الجليدي أن تتسبب في تآكل داخلي، مما يضعف هيكل السد ويؤدي إلى انهياره.
- الضغط الهيدروستاتيكي: مع ازدياد حجم البحيرة الجليدية، يزداد الضغط على السد الجليدي. إذا تجاوز الضغط الهيدروستاتيكي قدرة السد على التحمل، فإنه سينهار.
- الزلازل والانهيارات الأرضية: يمكن للزلازل أو الانهيارات الأرضية أن تزعزع استقرار السد الجليدي وتؤدي إلى انهياره.
- ذوبان الجليد السريع: يمكن للارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة أن يؤدي إلى ذوبان سريع للجليد، مما يزيد من حجم البحيرة الجليدية ويزيد الضغط على السد.
- تكوين موجات كبيرة: يمكن للانهيارات الجليدية أو الصخرية الصغيرة التي تسقط في البحيرة أن تولد موجات كبيرة تتجاوز ارتفاع السد، مما يؤدي إلى انهياره.
أنواع السدود الجليدية
تتكون البحيرات الجليدية خلف أنواع مختلفة من السدود، ولكل نوع خصائصه التي تؤثر على احتمالية حدوث الفيضانات الاندفاعية:
- السدود الجليدية: تتكون هذه السدود من الجليد نفسه. تعتبر هذه السدود الأقل استقرارًا، لأنها حساسة للتغيرات في درجة الحرارة والذوبان.
- السدود المورينية: تتكون هذه السدود من الركام الجليدي (المورين)، وهي عبارة عن تجمعات من الصخور والحطام التي خلفتها الأنهار الجليدية. يمكن أن تكون هذه السدود أكثر استقرارًا من السدود الجليدية، ولكنها لا تزال عرضة للتآكل والانهيار.
- السدود الصخرية أو الترابية: تتكون هذه السدود من الصخور أو التربة، وقد تكون مدعومة بالجليد. تعتبر هذه السدود الأكثر استقرارًا، ولكنها لا تزال عرضة للانهيار إذا تعرضت لضغط هيدروستاتيكي كبير أو زلازل.
تأثيرات فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية
تتسبب فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية في أضرار جسيمة، تشمل:
- تدمير البنية التحتية: يمكن للفيضانات أن تدمر الطرق والجسور والمباني وأنظمة الطاقة والاتصالات، مما يعيق الوصول إلى المناطق المتضررة ويعطل الحياة الطبيعية.
- فقدان الأرواح: يمكن للفيضانات أن تقتل الناس والحيوانات، خاصة في المناطق التي لا يوجد فيها نظام إنذار مبكر فعال.
- تدمير الأراضي الزراعية: يمكن للفيضانات أن تجرف التربة وتدمر المحاصيل، مما يؤدي إلى نقص الغذاء وزيادة الفقر.
- تغيير المناظر الطبيعية: يمكن للفيضانات أن تغير مسار الأنهار وتخلق بحيرات جديدة وتحفر وديانًا عميقة، مما يؤثر على البيئة الطبيعية.
- انتشار الأمراض: يمكن للفيضانات أن تلوث مصادر المياه وتزيد من انتشار الأمراض المعدية.
المناطق المعرضة للخطر
تعتبر المناطق الجبلية التي تحتوي على الأنهار الجليدية والبحيرات الجليدية هي الأكثر عرضة لخطر فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية. تشمل هذه المناطق:
- جبال الأنديز: توجد العديد من البحيرات الجليدية في جبال الأنديز، وخاصة في بيرو والإكوادور وبوليفيا.
- جبال الهيمالايا: توجد أكبر تجمع للبحيرات الجليدية في جبال الهيمالايا، وخاصة في نيبال وبوتان والهند والصين.
- جبال الألب: توجد بعض البحيرات الجليدية في جبال الألب، وخاصة في سويسرا وإيطاليا والنمسا.
- جبال روكي: توجد بعض البحيرات الجليدية في جبال روكي، وخاصة في كندا والولايات المتحدة.
التنبؤ بفيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية
يعد التنبؤ بفيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية أمرًا صعبًا، ولكنه ممكن من خلال استخدام مجموعة من التقنيات والأساليب:
- مراقبة البحيرات الجليدية: يتم استخدام الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار والكاميرات الأرضية لمراقبة حجم البحيرات الجليدية ومعدل ذوبان الجليد واستقرار السدود الجليدية.
- نماذج المحاكاة: يتم استخدام نماذج المحاكاة الحاسوبية لتقدير حجم الفيضانات الاندفاعية المحتملة وسرعتها ومسارها.
- نظام الإنذار المبكر: يتم تركيب أجهزة استشعار في البحيرات الجليدية للكشف عن علامات الانهيار، وإرسال تحذيرات مبكرة إلى السكان المعرضين للخطر.
- تحليل المخاطر: يتم إجراء تحليل للمخاطر لتقييم احتمالية حدوث الفيضانات الاندفاعية وتحديد المناطق الأكثر عرضة للخطر.
إجراءات التخفيف من المخاطر
يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات للتخفيف من مخاطر فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية، وتشمل:
- خفض مستوى المياه في البحيرات الجليدية: يمكن خفض مستوى المياه في البحيرات الجليدية عن طريق حفر قنوات أو بناء أنفاق لتصريف المياه.
- تقوية السدود الجليدية: يمكن تقوية السدود الجليدية عن طريق بناء جدران استنادية أو وضع طبقات من الصخور أو الخرسانة.
- إعادة توطين السكان: يمكن نقل السكان المعرضين للخطر إلى مناطق أكثر أمانًا.
- التوعية والتثقيف: يجب توعية السكان بمخاطر فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية وتعليمهم كيفية الاستعداد والاستجابة للفيضانات.
- تطوير خطط الطوارئ: يجب تطوير خطط طوارئ تحدد الإجراءات التي يجب اتخاذها في حالة حدوث فيضان اندفاعي.
أمثلة تاريخية
شهد العالم العديد من فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية المدمرة على مر التاريخ، ومن بينها:
- فيضان هواراز (Huaraz) في بيرو عام 1941: تسبب انهيار سد جليدي في بحيرة بالكاكوتشا (Palcacocha) في فيضان مدمر دمر مدينة هواراز وقتل الآلاف من الناس.
- فيضان لانغه (Langmoche) في نيبال عام 1985: تسبب انهيار سد جليدي في بحيرة ديغ تشو (Dig Tsho) في فيضان دمر العديد من الجسور والمباني وقتل العديد من الأشخاص.
- فيضان تشاكارخو (Chakharju) في بوتان عام 1994: تسبب انهيار سد جليدي في بحيرة لوغ غانتراك (Lugge Tsho) في فيضان دمر العديد من المنازل والأراضي الزراعية.
تغير المناخ وتزايد المخاطر
يزيد تغير المناخ من مخاطر فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية بعدة طرق:
- ارتفاع درجة حرارة الأرض: يؤدي ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ذوبان الأنهار الجليدية بسرعة أكبر، مما يزيد من حجم البحيرات الجليدية ويزيد الضغط على السدود الجليدية.
- تغير أنماط هطول الأمطار: يؤدي تغير أنماط هطول الأمطار إلى زيادة خطر الانهيارات الأرضية والفيضانات، مما يزيد من احتمالية انهيار السدود الجليدية.
- توسع البحيرات الجليدية: يؤدي ذوبان الأنهار الجليدية إلى توسع البحيرات الجليدية، مما يزيد من حجم الفيضانات الاندفاعية المحتملة.
خاتمة
فيضانات البحيرات الجليدية الاندفاعية هي ظاهرة طبيعية خطيرة تتسبب في أضرار جسيمة للبنية التحتية والأرواح والبيئة. تزداد خطورة هذه الظاهرة مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الأنهار الجليدية. يجب اتخاذ إجراءات عاجلة للتنبؤ بهذه الفيضانات والتخفيف من مخاطرها، وذلك من خلال مراقبة البحيرات الجليدية، وتطوير نماذج المحاكاة، وتركيب أنظمة الإنذار المبكر، وتقوية السدود الجليدية، وتوعية السكان، وتطوير خطط الطوارئ. إن مكافحة تغير المناخ هي أيضاً ضرورية للحد من ذوبان الأنهار الجليدية وتقليل مخاطر هذه الفيضانات.