حياته المبكرة وتعليمه
ولد إرنست لابروس في بلدة باربيزيو الصغيرة في منطقة شارنت جنوب غرب فرنسا. نشأ في أسرة متواضعة، وكان والده يعمل معلمًا. أظهر لابروس منذ صغره تفوقًا أكاديميًا واهتمامًا بالتاريخ. بعد إكمال تعليمه الثانوي، التحق بجامعة باريس (السوربون)، حيث درس التاريخ والجغرافيا. تأثر بشكل خاص بأساتذته المؤرخين البارزين، مثل إرنست لافيس وألبير ماتييز.
خلال الحرب العالمية الأولى، خدم لابروس في الجيش الفرنسي. بعد الحرب، عاد إلى الجامعة لاستكمال دراسته، وحصل على درجة الدكتوراه في التاريخ في عام 1926. كانت أطروحته للدكتوراه بعنوان “تاريخ الأسعار في فرنسا من عام 1790 إلى عام 1802″، وقد شكلت هذه الأطروحة نقطة تحول في دراسة التاريخ الاقتصادي في فرنسا.
مسيرته الأكاديمية
بعد حصوله على الدكتوراه، بدأ لابروس مسيرته الأكاديمية في جامعة ستراسبورغ. ثم انتقل إلى جامعة باريس، حيث شغل منصب أستاذ التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في كلية الآداب. بقي في هذا المنصب حتى تقاعده في عام 1965.
خلال مسيرته الأكاديمية، أشرف لابروس على العديد من الطلاب الذين أصبحوا فيما بعد مؤرخين بارزين. كما قام بتدريس عدد كبير من الطلاب من مختلف أنحاء العالم. كان لابروس أستاذًا ملهمًا ومحفزًا، وقد ترك بصمة واضحة على العديد من طلابه.
أعماله وإسهاماته
يعتبر إرنست لابروس أحد مؤسسي التاريخ الاقتصادي والاجتماعي الحديث في فرنسا. لقد طور منهجًا جديدًا لدراسة التاريخ الاقتصادي يعتمد على استخدام الإحصائيات والبيانات الكمية لتحليل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. كان لابروس مهتمًا بشكل خاص بدراسة الأسعار والأجور والإنتاج الزراعي والتجارة. كما اهتم بدراسة تأثير هذه التغيرات الاقتصادية على المجتمع الفرنسي، وخاصةً على الطبقات العاملة والفلاحين.
من أبرز أعمال لابروس:
- “تاريخ الأسعار في فرنسا من عام 1790 إلى عام 1802” (1926): تعتبر هذه الأطروحة للدكتوراه عملاً رائدًا في دراسة التاريخ الاقتصادي. استخدم لابروس في هذه الأطروحة بيانات إحصائية مفصلة لتحليل التغيرات في الأسعار خلال الثورة الفرنسية.
- “أزمة الاقتصاد الفرنسي في نهاية العهد القديم وبداية الثورة” (1944): يعتبر هذا الكتاب من أهم أعمال لابروس. حلل لابروس في هذا الكتاب الأسباب الاقتصادية والاجتماعية للثورة الفرنسية. جادل بأن الأزمة الاقتصادية التي شهدتها فرنسا في نهاية العهد القديم لعبت دورًا حاسمًا في اندلاع الثورة.
- “التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لفرنسا” (محرر) (1970-1979): أشرف لابروس على تحرير هذه السلسلة الضخمة من الكتب التي تغطي التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لفرنسا من القرن السابع عشر إلى القرن العشرين.
بالإضافة إلى هذه الأعمال الرئيسية، نشر لابروس العديد من المقالات والدراسات الأخرى حول التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لفرنسا. كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية حول التاريخ.
منهجه التاريخي
تميز منهج إرنست لابروس التاريخي بعدة سمات رئيسية:
- التركيز على البيانات الكمية: كان لابروس يعتقد أن استخدام الإحصائيات والبيانات الكمية ضروري لفهم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
- التحليل الشامل: كان لابروس يدرس التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في سياق أوسع من التاريخ السياسي والثقافي.
- الاهتمام بالطبقات العاملة والفلاحين: كان لابروس مهتمًا بشكل خاص بدراسة تأثير التغيرات الاقتصادية على الطبقات العاملة والفلاحين.
- البحث عن الأسباب العميقة: كان لابروس يسعى إلى فهم الأسباب العميقة للتغيرات التاريخية، وليس فقط وصف الأحداث الظاهرية.
لقد أثر منهج لابروس بشكل كبير على دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا وخارجها. ألهم العديد من المؤرخين لاستخدام البيانات الكمية والتحليل الشامل في دراساتهم التاريخية.
تأثيره وإرثه
يعتبر إرنست لابروس أحد أبرز المؤرخين الفرنسيين في القرن العشرين. لقد ترك بصمة واضحة على دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا وخارجها. ألهم العديد من المؤرخين لتطوير مناهج جديدة لدراسة التاريخ. كما ساهم في فهمنا للأسباب الاقتصادية والاجتماعية للثورة الفرنسية والتغيرات التي شهدتها فرنسا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
لا تزال أعمال لابروس تُدرس وتُناقش حتى اليوم في الجامعات والمعاهد البحثية حول العالم. لقد أصبح لابروس رمزًا للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي الحديث.
الجوائز والتكريمات
حصل إرنست لابروس على العديد من الجوائز والتكريمات خلال حياته، بما في ذلك:
- الدكتوراه الفخرية من جامعة أكسفورد
- الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفارد
- عضوية الأكاديمية الفرنسية للعلوم الأخلاقية والسياسية
خاتمة
إرنست لابروس كان مؤرخًا فرنسيًا بارزًا، متخصصًا في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي. لقد طور منهجًا جديدًا لدراسة التاريخ يعتمد على استخدام البيانات الكمية والتحليل الشامل. كان له تأثير كبير على دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا وخارجها، ولا تزال أعماله تُدرس وتُناقش حتى اليوم.