بدايات العلاقات (القرن السابع عشر – القرن التاسع عشر)
بدأت العلاقات الإيرانية – البريطانية في عهد الشاه عباس الأول في أوائل القرن السابع عشر. سعى الشاه إلى إقامة علاقات مع القوى الأوروبية لمواجهة النفوذ البرتغالي والإسباني في الخليج العربي. أرسلت شركة الهند الشرقية البريطانية مبعوثين إلى بلاد فارس، وتم التوصل إلى اتفاقيات تجارية. في البداية، كانت العلاقات ودية إلى حد كبير، حيث تبادل الطرفان المنافع التجارية والدبلوماسية.
في القرن التاسع عشر، أصبحت بلاد فارس ساحة تنافس بين الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الروسية، فيما عرف بـ “اللعبة الكبرى”. سعت بريطانيا إلى حماية مصالحها في الهند من التوسع الروسي جنوبًا، ورأت في بلاد فارس منطقة عازلة استراتيجية. تدخلت بريطانيا في الشؤون الفارسية لضمان بقاء البلاد مستقلة عن روسيا، ولكن أيضًا لتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية.
معاهدة باريس (1857): أنهت هذه المعاهدة الحرب الأنجلو-فارسية التي اندلعت بسبب الخلافات حول النفوذ في أفغانستان. بموجب المعاهدة، اعترفت إيران باستقلال أفغانستان وتعهدت بعدم التدخل في شؤونها.
اكتشاف النفط والنفوذ البريطاني المتزايد (القرن العشرون)
في أوائل القرن العشرين، اكتُشف النفط في إيران، مما زاد بشكل كبير من أهميتها الاستراتيجية لبريطانيا. تأسست شركة النفط الأنجلو-فارسية (لاحقًا شركة النفط البريطانية)، وسيطرت على استخراج النفط الإيراني. أثار هذا الأمر استياءً واسع النطاق في إيران، حيث شعر الكثيرون بأن الشركة تستغل موارد البلاد.
اتفاقية النفط عام 1933: تم توقيع هذه الاتفاقية بين الحكومة الإيرانية وشركة النفط الأنجلو-فارسية. على الرغم من أنها حسنت شروط الاتفاقية السابقة لإيران، إلا أنها ظلت غير مرضية للكثيرين، الذين اعتبروها غير عادلة ومذلة.
خلال الحرب العالمية الثانية، احتلت القوات البريطانية والسوفيتية إيران عام 1941 للإطاحة بالشاه رضا بهلوي، الذي كان يُنظر إليه على أنه متعاطف مع ألمانيا النازية. تم تنصيب ابنه محمد رضا بهلوي مكانه، وبقيت القوات الأجنبية في إيران حتى نهاية الحرب.
تأميم النفط وأزمة 1953
في عام 1951، قام رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق بتأميم شركة النفط الأنجلو-إيرانية، مما أدى إلى أزمة كبيرة مع بريطانيا. ردت بريطانيا بفرض عقوبات اقتصادية وحصار بحري على إيران، وطلبت من الولايات المتحدة المساعدة في الإطاحة بمصدق.
عملية أجاكس: في عام 1953، قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية بتنفيذ انقلاب أطاح بمصدق وأعاد الشاه محمد رضا بهلوي إلى السلطة. أدى هذا التدخل إلى تعميق الاستياء من الغرب في إيران، وكان له تداعيات طويلة الأمد على العلاقات الإيرانية – الغربية.
العلاقات في عهد الشاه (1953-1979)
بعد انقلاب عام 1953، أصبحت إيران حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة وبريطانيا. تلقى الشاه دعمًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا من الغرب، وقام بتحديث الجيش الإيراني. ومع ذلك، استمر الاستياء من النفوذ الأجنبي في إيران، وزادت المعارضة لحكم الشاه القمعي.
الاستثمارات البريطانية في إيران: خلال عهد الشاه، استثمرت الشركات البريطانية بكثافة في الاقتصاد الإيراني، وخاصة في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات. لعبت بريطانيا دورًا هامًا في تطوير البنية التحتية الإيرانية، ولكن هذا أدى أيضًا إلى اتهامات بالاستغلال والتبعية.
الثورة الإسلامية وقطع العلاقات (1979-1988)
في عام 1979، اندلعت الثورة الإسلامية في إيران، وأطاحت بالشاه وأسست جمهورية إسلامية. أدت الثورة إلى تغيير جذري في العلاقات الإيرانية – البريطانية. قطعت إيران العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا عام 1980، احتجاجًا على دعم بريطانيا للشاه، واعتبرت بريطانيا “الشيطان الأصغر” بعد الولايات المتحدة.
حرب الخليج الأولى (1980-1988): خلال حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، اتخذت بريطانيا موقفًا محايدًا رسميًا، لكنها باعت أسلحة للعراق سرًا. أثار هذا الأمر غضب إيران، وزاد من توتر العلاقات بين البلدين.
تحسن العلاقات ثم التوتر (1988-2024)
في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، بدأت العلاقات الإيرانية – البريطانية في التحسن تدريجيًا. استأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية في عام 1988، وتبادلا السفراء. ومع ذلك، ظلت العلاقات متوترة بسبب قضايا مثل برنامج إيران النووي، ودعم إيران للجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، وقضايا حقوق الإنسان في إيران.
قضية سلمان رشدي: في عام 1989، أصدر آية الله الخميني فتوى بإهدار دم سلمان رشدي، مؤلف كتاب “آيات شيطانية”. أدت هذه الفتوى إلى أزمة دبلوماسية بين إيران وبريطانيا، وقطعت بريطانيا العلاقات الدبلوماسية مع إيران مرة أخرى.
الاتفاق النووي الإيراني (2015): وافقت إيران والمجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) على اتفاق نووي يهدف إلى الحد من برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية. لعبت بريطانيا دورًا هامًا في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق.
الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي (2018): في عام 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وأعادت فرض العقوبات على إيران. أدى هذا إلى تفاقم التوتر بين إيران والغرب، ووضع ضغوطًا على العلاقات الإيرانية – البريطانية.
احتجاز السفن: في عام 2019، احتجزت إيران ناقلة نفط بريطانية في الخليج العربي ردًا على احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية قبالة سواحل جبل طارق. أدت هذه الحادثة إلى تصعيد التوتر بين البلدين.
في 2024: صنّفت المملكة المتحدة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني كمنظمة إرهابية، مما أدى إلى تدهور العلاقات. وتتبادل الدولتان الاتهامات بتهديد الأمن القومي لبعضهما البعض.
- العقوبات الاقتصادية: تفرض بريطانيا عقوبات اقتصادية على إيران بسبب برنامجها النووي ودعمها للإرهاب.
- الخلافات الإقليمية: تدعم إيران والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، بينما تدعم بريطانيا الدول العربية المعتدلة.
- حقوق الإنسان: تنتقد بريطانيا سجل إيران في مجال حقوق الإنسان.
خاتمة
العلاقات الإيرانية – البريطانية معقدة ومتعددة الأوجه، تتأثر بالتاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد. على الرغم من فترات التعاون، فإن العلاقات تتميز بالتوتر والصراع بسبب قضايا مثل النفط والبرنامج النووي الإيراني ودعم إيران للجماعات المسلحة في المنطقة. مستقبل هذه العلاقات غير مؤكد، لكن من الواضح أنها ستظل ذات أهمية كبيرة للمنطقة والعالم.