الاكتشاف والتصنيف
تم اكتشاف أحفورة الراباتر لأول مرة في تكوين جريمان كريك (Griman Creek Formation)، وهو موقع غني بالأحافير في أستراليا. تم وصف العينة لأول مرة من قبل عالم الحفريات فريدريك فون هويين (Friedrich von Huene) في عام 1932، الذي أطلق عليها اسم “راباتور لونجيكولوم” (Rapator lonquicolum). الاسم “راباتور” مشتق من الكلمة اللاتينية “Raptor” والتي تعني “الناهب” أو “السارق”، في إشارة إلى طبيعة الديناصورات المفترسة. أما اللاحقة “longicolum” فتشير إلى “العنق الطويل”.
لسنوات عديدة، كان التصنيف الدقيق للراباتر موضع نقاش بين علماء الحفريات. في البداية، اعتبره فون هويين من السيراپوديات (Sauropoda)، وهي مجموعة من الديناصورات العاشبة العملاقة ذات العنق الطويل. ومع ذلك، بعد دراسات لاحقة، تم إعادة تصنيف الراباتر كواحد من الثيروبودات (Theropoda)، وهي المجموعة التي تضم الديناصورات اللاحمة ذات القدمين، مثل التيرانوصور ركس والڤيلوسيراپتور.
في عام 2009، نشر عالم الحفريات الأسترالي رالف مولنار (Ralph Molnar) مراجعة شاملة لأحفورة الراباتر. بناءً على دراسته، اقترح مولنار أن الراباتر قد يكون مرتبطًا بالطيور المفترسة العملاقة (Megaraptora)، وهي مجموعة من الثيروبودات الكبيرة غير معروفة بشكل كامل، والتي تتميز بأطراف أمامية قوية ومخالب كبيرة.
الوصف التشريحي
العينة الوحيدة المعروفة من الراباتر تتكون بشكل أساسي من عظمة اليد اليسرى (الزند) وعظمة القدم اليسرى (الكاحل). على الرغم من أن هذه العظام قليلة نسبيًا، إلا أنها تحمل معلومات مهمة حول حجم وشكل هذا الديناصور. تشير التقديرات إلى أن الراباتر كان يبلغ طوله حوالي 6-7 أمتار، مما يجعله ثيروبودًا متوسط الحجم.
عظمة الزند: تتميز عظمة الزند الخاصة بالراباتر بأنها طويلة ونحيلة، مما يشير إلى أن الأطراف الأمامية كانت قوية وربما تستخدم في الإمساك بالفريسة. هذه السمة تتفق مع تصنيف الراباتر المحتمل ضمن مجموعة الطيور المفترسة العملاقة.
عظمة الكاحل: تشير عظمة الكاحل إلى أن الراباتر كان يتمتع بقدرة جيدة على الحركة والركض. هذا يتفق مع نمط حياة الديناصورات الثيروبودية، التي تعتمد على السرعة وخفة الحركة في الصيد.
نظرًا لعدم اكتمال الأحفورة، لا يزال هناك الكثير من الغموض حول المظهر الكامل للراباتر. ومع ذلك، من خلال مقارنة العظام المعروفة مع عظام الثيروبودات الأخرى، يمكن لعلماء الحفريات تكوين صورة تقريبية لهذا الديناصور. من المحتمل أن الراباتر كان لديه جسم قوي، ورأس كبير مليء بالأسنان الحادة، وذيل طويل يستخدم للتوازن.
البيئة
عاش الراباتر في منطقة تُعرف الآن باسم نيو ساوث ويلز، أستراليا، خلال العصر الطباشيري المبكر. في ذلك الوقت، كانت أستراليا جزءًا من قارة عظمى تسمى گوندوانا (Gondwana)، وكانت المناخات أكثر اعتدالًا ورطوبة مما هي عليه اليوم. كانت البيئة تتكون من غابات كثيفة وأراضي رطبة وأنهار.
شارك الراباتر بيئته مع مجموعة متنوعة من الحيوانات الأخرى، بما في ذلك الديناصورات العاشبة مثل الأوروپود (Europods) والهيپسيلوفودونت (Hypsilophodont)، بالإضافة إلى الزواحف الطائرة والتماسيح والأسماك. كان الراباتر بلا شك مفترسًا رئيسيًا في هذا النظام البيئي، حيث كان يصطاد الديناصورات الصغيرة والحيوانات الأخرى.
أهمية الأحفورة
على الرغم من أن أحفورة الراباتر غير مكتملة، إلا أنها تظل ذات أهمية كبيرة لعدة أسباب:
- تسليط الضوء على تنوع الديناصورات في أستراليا: يساهم الراباتر في فهمنا لتنوع الديناصورات التي عاشت في أستراليا خلال العصر الطباشيري.
- المساعدة في فهم تطور الثيروبودات: يساعد الراباتر في فهم العلاقات التطورية بين الثيروبودات المختلفة، وخاصة مجموعة الطيور المفترسة العملاقة.
- تقديم معلومات حول البيئة القديمة: توفر أحفورة الراباتر معلومات قيمة حول البيئة التي عاش فيها هذا الديناصور، بما في ذلك المناخ والنباتات والحيوانات الأخرى التي شاركته البيئة.
الجدل والتصنيف المستمر
لا يزال التصنيف الدقيق للراباتر محل نقاش بين علماء الحفريات. في حين أن معظم العلماء يتفقون على أنه ثيروبود، إلا أن علاقته بمجموعة الطيور المفترسة العملاقة لا تزال غير مؤكدة. يجادل البعض بأن عظام الراباتر متشابهة جدًا مع عظام بعض الطيور المفترسة العملاقة، مثل الأوستروراپتور (Australovenator)، بينما يرى آخرون أن هناك اختلافات كبيرة تشير إلى أن الراباتر يمثل سلالة مختلفة من الثيروبودات.
إن العثور على المزيد من الأحافير الكاملة للراباتر أو الثيروبودات ذات الصلة سيكون ضروريًا لحل هذه المشكلات التصنيفية. حتى ذلك الحين، يظل الراباتر لغزًا مثيرًا للاهتمام في عالم الديناصورات.
دراسات مستقبلية
لا تزال هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها حول الراباتر. على سبيل المثال، لا يزال العلماء غير متأكدين من:
- ما هو المظهر الكامل للراباتر؟
- ماذا كان يأكل الراباتر؟
- كيف كان الراباتر يتفاعل مع الحيوانات الأخرى في بيئته؟
يمكن أن تساعد الدراسات المستقبلية في الإجابة على هذه الأسئلة. على سبيل المثال، يمكن لعلماء الحفريات استخدام تقنيات التصوير المتقدمة لتحليل عظام الراباتر بمزيد من التفصيل. يمكنهم أيضًا مقارنة عظام الراباتر بعظام الثيروبودات الأخرى لتحديد العلاقات التطورية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لعلماء البيئة القديمة دراسة الصخور التي تم العثور فيها على أحفورة الراباتر للحصول على مزيد من المعلومات حول البيئة التي عاش فيها هذا الديناصور.
خاتمة
الراباتر هو جنس من الديناصورات الثيروبودية التي عاشت في أستراليا خلال العصر الطباشيري المبكر. على الرغم من أن الأحفورة الوحيدة المعروفة غير مكتملة، إلا أنها تقدم معلومات قيمة حول تنوع الديناصورات في تلك الفترة. لا يزال التصنيف الدقيق للراباتر محل نقاش، لكنه يعتبر عمومًا مرتبطًا بمجموعة الطيور المفترسة العملاقة. يظل الراباتر موضوعًا مثيرًا للاهتمام للبحث العلمي، ومن المأمول أن تكشف الدراسات المستقبلية المزيد عن هذا الديناصور الغامض.