خلفية الكتاب
في أواخر القرن التاسع عشر، كانت شيكاغو مدينة مزدهرة وسريعة النمو. في عام 1893، استضافت المدينة المعرض العالمي، وهو احتفال ضخم بالتقدم التكنولوجي والثقافي. كان من المفترض أن يجذب المعرض الملايين من الزوار من جميع أنحاء العالم ويبرز عظمة أمريكا للعالم. في الوقت نفسه، كان هناك جانب مظلم للمدينة. كان الفقر والجريمة والعنف منتشرين، وكان هناك شعور بالاضطراب وعدم اليقين في الهواء.
كان إريك لارسون، مؤلف الكتاب، مفتونًا بهذه الفترة الزمنية والتناقضات الموجودة فيها. أراد أن يكتب عن المعرض العالمي، لكنه أدرك أن هناك قصة أخرى يجب أن تُروى، قصة تتعلق بالجانب المظلم للمدينة. بدأ لارسون بحثًا مكثفًا، حيث قام بفحص الأرشيفات والسجلات التاريخية ومقابلة الخبراء. أمضى سنوات في جمع المعلومات وتجميعها، قبل أن يكتب كتابه، الذي أصبح عملًا تاريخيًا رائدًا.
بناء المعرض العالمي
كان بناء المعرض العالمي مهمة ضخمة، تطلبت آلاف العمال والمهندسين المعماريين والحرفيين. كانت المدينة البيضاء، كما كان يُعرف المعرض، عبارة عن مجموعة من المباني الضخمة المصنوعة من الجص الأبيض، والتي أضاءت بالكهرباء لأول مرة على نطاق واسع. كان المعرض يضم عروضًا من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الفن والعلوم والتكنولوجيا. كان أيضًا مكانًا للاحتفال والثقافة، حيث قدم عروضًا موسيقية ورقصات ومسرحيات.
ركز لارسون في كتابه على العديد من الشخصيات الرئيسية التي شاركت في بناء المعرض. من بين هؤلاء دانيال برنهام، المهندس المعماري الرئيسي للمعرض، وجون روت، الذي صمم العديد من المباني الرئيسية. كان برنهام ورورت رجالًا ذوي رؤية، أرادوا إنشاء شيء يدهش العالم. لقد واجهوا العديد من التحديات، بما في ذلك ضيق الوقت والميزانية المحدودة والمنافسة الشديدة. ومع ذلك، فقد تمكنوا من إنجاز مهمتهم.
هيرمان ويبستر مودجيت (الدكتور هولمز)
بينما كان العالم يشاهد ببهاء المعرض، كان هيرمان ويبستر مودجيت، المعروف باسم الدكتور هولمز، يمارس جرائمه في الظل. كان مودجيت محتالًا ماهرًا وطبيبًا مزيفًا وشخصًا شريرًا. قام ببناء فندق بالقرب من المعرض، والذي صممه ليكون بمثابة “قلعة قتل“. كان الفندق عبارة عن متاهة من الممرات السرية والغرف الخفية والسلالم المخفية، وكلها مصممة لإخفاء جرائمه.
استغل مودجيت المعرض لجذب ضحاياه، ومعظمهم من النساء اللواتي سافرن إلى شيكاغو بحثًا عن فرص جديدة. كان يغوي ضحاياه، ثم يقتلهم ويخفي جثثهم في فندقه. لم يُعرف عدد الضحايا الذين قتلهم مودجيت على وجه اليقين، ولكن يُعتقد أنه قتل ما لا يقل عن 27 شخصًا، وربما أكثر من 200. كان مودجيت يمثل الشر المطلق، وكان يمثل تهديدًا حقيقيًا لأولئك الذين كانوا في محيطه.
التوازي بين القصتين
أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في “الشيطان في المدينة البيضاء” هو التوازي بين القصتين. يقدم لارسون صورة حية للمعرض العالمي، وهو رمز للأمل والتقدم، في حين أنه يصور في الوقت نفسه قصة القاتل المتسلسل هيرمان ويبستر مودجيت، الذي يمثل الشر والدمار. من خلال الموازنة بين هاتين القصتين، يوضح لارسون التناقضات الموجودة في المجتمع الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر. يظهر الكتاب كيف يمكن للجمال والشر أن يتعايشا جنبًا إلى جنب، وكيف يمكن للتقدم التكنولوجي أن يخفي جوانب مظلمة.
يكشف الكتاب عن طبيعة الإنسان المعقدة. من ناحية، نرى القدرة على الإبداع والابتكار والإنجاز المذهل. من ناحية أخرى، نرى القدرة على الشر والوحشية والدمار. يطرح الكتاب أسئلة حول طبيعة الشر، وكيف يمكن أن يزدهر في المجتمع. يثير الكتاب أيضًا أسئلة حول طبيعة العدالة، وكيف يمكن للظالمين أن يفلتوا من العقاب.
شخصيات أخرى في الكتاب
بالإضافة إلى دانيال برنهام وهيرمان ويبستر مودجيت، يضم الكتاب مجموعة متنوعة من الشخصيات الأخرى. من بين هؤلاء:
- فرانك باوم: مؤلف “ساحر أوز”، الذي كان يعمل في المعرض.
- سوليت، صديق مودجيت: شريك في بعض جرائمه.
- ميلتون ج. أوستروم: المفتش الخاص الذي قاد التحقيق في جرائم مودجيت.
يقدم لارسون هذه الشخصيات بشكل جيد، مما يمنح القارئ فهمًا عميقًا لشخصياتهم ودوافعهم. يساعد ذلك القارئ على الانغماس في القصة والشعور بمجموعة واسعة من المشاعر.
النجاح النقدي والتجاري
تلقى كتاب “الشيطان في المدينة البيضاء” استحسانًا كبيرًا من النقاد والجمهور على حد سواء. أشاد النقاد ببحث لارسون المكثف وأسلوبه في الكتابة الجذاب. كان الكتاب أيضًا ناجحًا تجاريًا، حيث تصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز. حصل الكتاب على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة إدغار لأفضل عمل غير روائي.
أثر الكتاب على الكثيرين، وألهم الكثيرين بالتعمق في تاريخ شيكاغو والمعرض العالمي. كما ألهم الكتاب فيلمًا وثائقيًا ومسلسلًا تلفزيونيًا. يظل “الشيطان في المدينة البيضاء” عملًا تاريخيًا مؤثرًا ومثيرًا للاهتمام، ويستمر في جذب القراء حتى يومنا هذا.
الخلاصة
يعد “الشيطان في المدينة البيضاء” عملًا رائعًا يجمع بين التاريخ والجريمة والتشويق. إنه يمثل استكشافًا مقنعًا لجانبين من جوانب المجتمع الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر: بناء المعرض العالمي، رمز الأمل والتقدم، وجرائم القاتل المتسلسل هيرمان ويبستر مودجيت، رمز الشر والوحشية. يوضح الكتاب التناقضات المعقدة في الطبيعة البشرية، وكيف يمكن للجمال والشر أن يتعايشا. من خلال أسلوبه السردي الجذاب والبحث المكثف، يقدم إريك لارسون للقراء تجربة قراءة لا تُنسى.
خاتمة
في الختام، “الشيطان في المدينة البيضاء” ليس مجرد كتاب عن القتل أو عن المعرض العالمي؛ إنه مزيج رائع من الاثنين. إنه عمل يوضح كيف يمكن للتاريخ أن يكون مقنعًا ومخيفًا في الوقت ذاته. إنه تذكير بالظلام الذي يمكن أن يكمن في أعماق النفس البشرية، حتى في خضم أعظم مظاهر التقدم والجمال.
المراجع
- الموقع الرسمي لإريك لارسون
- صفحة الكتاب على Goodreads
- مراجعة الكتاب في نيويورك تايمز
- صفحة الكتاب على أمازون
“`