نشأته وتعليمه
ولد ديفيد كِلي في ألباني، نيويورك، وتلقى تعليمه في جامعة هارفارد، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الأنثروبولوجيا عام 1947. أكمل دراساته العليا في جامعة كولومبيا، وحصل على درجة الماجستير في عام 1950 والدكتوراه في عام 1957، وكلاهما في الأنثروبولوجيا أيضًا. خلال دراساته، تطورت اهتماماته في علم الآثار، وخاصة دراسة الحضارات القديمة في الأمريكتين.
مسيرته المهنية
بدأ كِلي مسيرته المهنية كباحث ومحاضر في العديد من المؤسسات الأكاديمية المرموقة. شغل مناصب في جامعة كولومبيا، وجامعة برانديز، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. أمضى معظم حياته المهنية في جامعة كالغاري في كندا، حيث كان أستاذًا متميزًا في علم الآثار والأنثروبولوجيا. خلال فترة عمله في كالغاري، أسس مركز دراسات أمريكا الوسطى وأصبح مديرًا له.
إسهاماته في دراسات المايا
كانت مساهمات كِلي في فك رموز كتابة المايا هائلة. في الستينيات، كان من أوائل العلماء الذين أدركوا أن كتابة المايا لم تكن مجرد نظام رمزي، بل كانت تمثل لغة كاملة. عمل جنبًا إلى جنب مع علماء آخرين، مثل تاتيانا بروكورياكوف، على فك رموز العديد من الرموز الهيروغليفية. ساعدت أبحاثهم في تحديد الأسماء الملكية، وتواريخ الأحداث، والقصص الأسطورية المسجلة في النقوش المايانية. كان هذا الاكتشاف بمثابة نقطة تحول في فهمنا لحضارة المايا.
ساهم كِلي أيضًا في دراسة التقويم الماياني، وطقوسهم الدينية، وهياكلهم السياسية والاجتماعية. نشر العديد من الكتب والمقالات العلمية التي قدمت رؤى جديدة حول جوانب مختلفة من ثقافة المايا. من بين أهم أعماله، كتابه “عالم المايا” (Maya World)، الذي لا يزال يُعتبر مرجعًا أساسيًا للطلاب والباحثين في هذا المجال.
عمله في فك رموز الكتابة
ركز كِلي بشكل خاص على فك رموز الكتابة الهيروغليفية للمايا. كان يعتقد أن مفتاح فهم ثقافة المايا يكمن في قراءة وفهم كتاباتهم. استخدم مزيجًا من الأساليب، بما في ذلك تحليل الأنماط، ومقارنة النصوص، والبحث عن العلاقات بين الرموز المختلفة، لتحقيق هذا الهدف. بفضل عمله الدؤوب، تمكن من تحديد الأصوات المقابلة للعديد من الرموز، وفتح الباب أمام فهم أعمق للغة المايا.
أحد أهم إسهاماته كان إدراكه بأن كتابة المايا كانت نظامًا هجائيًا-مقطعيًا، وليس مجرد نظام رمزي. هذا يعني أن الرموز يمكن أن تمثل أصواتًا فردية أو مقاطع كاملة. سمح هذا الفهم للعلماء بقراءة النصوص بشكل أكثر دقة وفهم المعنى الكامل للكلمات والعبارات. ساهمت هذه الرؤية بشكل كبير في تقدم فهمنا لحضارة المايا.
أعماله المنشورة
قام كِلي بتأليف وتحرير العديد من الكتب والمقالات العلمية التي ساهمت في نشر المعرفة حول حضارة المايا. من بين أهم أعماله:
- “عالم المايا” (Maya World): عمل شامل يوفر نظرة عامة على حضارة المايا، بما في ذلك تاريخها، وثقافتها، وهندستها المعمارية، وأنظمتها السياسية والاجتماعية.
- “الكتابة المايانية والتقويم” (Maya Writing and the Calendar): يركز على نظام الكتابة والتقويم الماياني، ويقدم تحليلاً متعمقًا لرموز الهيروغليفية وتقويمهم.
- العديد من المقالات العلمية التي نشرت في مجلات وموسوعات علمية مرموقة.
تأثيره وإرثه
كان لكِلي تأثير كبير على مجال دراسات المايا. أثرت أبحاثه على أجيال من العلماء والباحثين، وساعدت في تشكيل فهمنا الحالي لحضارة المايا. كان معروفًا بفكره المبتكر ومنهجه الدقيق في البحث. ألهم العديد من الطلاب ليصبحوا خبراء في دراسات المايا، وساهم في تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.
بالإضافة إلى إسهاماته العلمية، كان كِلي شخصية محبوبة في مجتمع علماء الآثار. كان معروفًا بكرمه وتقديره للآخرين، وكان دائمًا على استعداد لمشاركة معرفته وخبرته. ترك وراءه إرثًا دائمًا كواحد من أعظم علماء المايا في عصره.
الجوائز والتكريمات
حصل كِلي على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لإنجازاته العلمية. حصل على زمالات من مؤسسات مرموقة مثل مؤسسة جوجنهايم. تم اختياره كعضو في الجمعية الملكية الكندية. حصل أيضًا على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة كالغاري تقديرًا لمساهماته في الجامعة والمجتمع الأكاديمي.
نقد لعمله
على الرغم من إسهاماته الكبيرة، تعرض عمل كِلي لبعض الانتقادات. بعض العلماء اعترضوا على بعض تفسيراته لرموز المايا، مشيرين إلى أن بعض استنتاجاته كانت مبنية على فرضيات غير مثبتة. ومع ذلك، كان يُنظر إلى عمله بشكل عام على أنه إسهام كبير في فهمنا لحضارة المايا، وقد أثرت أفكاره على العديد من الباحثين الآخرين.
السنوات الأخيرة والوفاة
تقاعد كِلي من التدريس في جامعة كالغاري في عام 1993، لكنه استمر في البحث والكتابة حتى وفاته في عام 2011. في سنواته الأخيرة، ركز على مراجعة ونشر أبحاثه السابقة، بالإضافة إلى العمل على عدد من المشاريع الجديدة. توفي كِلي في 19 مايو 2011، عن عمر يناهز 87 عامًا. ترك إرثًا دائمًا في مجال علم الآثار، حيث أثرت أعماله على أجيال من العلماء والباحثين.
التقنيات المستخدمة في أبحاثه
استخدم كِلي مجموعة متنوعة من التقنيات في أبحاثه، بما في ذلك:
- علم الآثار المقارن: مقارنة المصنوعات اليدوية والمواقع الأثرية مع تلك الموجودة في مناطق أخرى.
- تحليل الخط الهيروغليفي: دراسة الرموز والأنماط الموجودة في الكتابات القديمة.
- دراسة التقويم: فهم أنظمة العد والوقت المستخدمة من قبل المايا.
- التحليل الإحصائي: استخدام الأدوات الإحصائية لتحليل البيانات واستخلاص النتائج.
- التعاون الدولي: التعاون مع باحثين من مختلف أنحاء العالم لتبادل المعرفة والخبرات.
أهمية عمله في السياق الأوسع
يتجاوز عمل كِلي مجرد فك رموز الكتابة أو دراسة التقويم الماياني. فقد ساهم في فهم أعمق للحضارة الإنسانية ككل. من خلال دراسة ثقافة المايا، تمكن كِلي وزملاؤه من تسليط الضوء على تعقيد المجتمعات القديمة، وأنظمتها السياسية والاجتماعية، ومعتقداتها الدينية. لقد أظهر عمله أيضًا أهمية الحفاظ على التراث الثقافي وفهم وجهات نظر مختلفة للعالم.
خاتمة
كان ديفيد كِلي شخصية بارزة في علم الآثار وعلم النقوش، ولا سيما في دراسات المايا. ساهمت أبحاثه في فك رموز كتابة المايا وفهم تاريخهم وثقافتهم، وترك إرثًا دائمًا في هذا المجال. من خلال عمله الدؤوب وتفانيه، ألهم كِلي أجيالًا من العلماء والباحثين، وساهم في فهمنا للحضارة الإنسانية.
المراجع
- Britannica – David H. Kelley
- American Antiquity – David Humiston Kelley (1924–2011)
- University of Texas – Obituary
“`