مقدمة
عين غزال موقع أثري يعود إلى العصر الحجري الحديث يقع في منطقة عمان الكبرى، الأردن، على بعد حوالي 2 كيلومتر شمال غرب مطار عمان المدني (مطار ماركا الدولي حالياً). يُعتبر هذا الموقع واحداً من أكبر وأهم المواقع الزراعية المبكرة في الشرق الأدنى، حيث كان مأهولاً بالسكان في الفترة ما بين 7250 قبل الميلاد و 5000 قبل الميلاد تقريباً. يقدم موقع عين غزال رؤى قيمة حول التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي حدثت خلال العصر الحجري الحديث.
اكتشاف وتنقيب
تم اكتشاف موقع عين غزال في عام 1974 أثناء إنشاء طريق سريع يربط عمان بالزرقاء. بدأت الحفريات الأثرية في عام 1982 بقيادة فريق من علماء الآثار من معهد الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك وجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس. استمرت أعمال التنقيب لعدة سنوات، وكشفت عن طبقات متعددة من الاستيطان تعود إلى فترات زمنية مختلفة من العصر الحجري الحديث.
أهمية الموقع
تكمن أهمية عين غزال في عدة جوانب، منها:
- الحجم: يُعتبر عين غزال واحداً من أكبر المواقع الزراعية المبكرة المعروفة، حيث يمتد على مساحة تقدر بحوالي 15 هكتاراً في ذروة استيطانه.
- الاستيطان الطويل: يشير الاستيطان المستمر للموقع على مدى أكثر من 2000 عام إلى استقرار زراعي واجتماعي ملحوظ.
- الفن: اشتهر الموقع باكتشاف تماثيل عين غزال، وهي تماثيل جصية كبيرة تُعتبر من أقدم الأمثلة المعروفة للفن التشكيلي واسع النطاق.
- الزراعة: قدمت عين غزال أدلة مهمة على ممارسات الزراعة المبكرة، بما في ذلك زراعة القمح والشعير والبقوليات.
- التطور الاجتماعي: توفر البقايا الأثرية في الموقع نظرة ثاقبة على التغيرات الاجتماعية والتنظيمية التي حدثت في المجتمعات الزراعية المبكرة.
فترات الاستيطان
مرت عين غزال بعدة مراحل من الاستيطان، يمكن تقسيمها إلى الفترات التالية:
- العصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري ب (PPNB) (7250-6000 قبل الميلاد): تعتبر هذه الفترة هي الفترة الأكثر ازدهاراً في تاريخ عين غزال، حيث شهدت نمواً سكانياً كبيراً وتطوراً في الزراعة والتكنولوجيا. تميزت هذه الفترة بإنشاء مبانٍ حجرية كبيرة واستخدام الجص في البناء وصناعة التماثيل.
- العصر الحجري الحديث الفخاري (PN) (6000-5500 قبل الميلاد): شهدت هذه الفترة ظهور الفخار، مما يشير إلى تغييرات في طرق تخزين الطعام وإعداده. استمرت الزراعة في الازدهار، ولكن يبدو أن هناك بعض التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في هذه الفترة.
- العصر الحجري النحاسي (Chalcolithic) (5500-5000 قبل الميلاد): شهدت هذه الفترة انخفاضاً في عدد السكان في عين غزال، وربما تحولاً في التركيز الاقتصادي. بدأ استخدام النحاس في هذه الفترة، ولكن على نطاق محدود.
الزراعة والاقتصاد
اعتمد سكان عين غزال بشكل أساسي على الزراعة في معيشتهم. قاموا بزراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل، بما في ذلك القمح والشعير والبقوليات مثل العدس والحمص. كما قاموا بتربية الماعز والأغنام والخنازير. تشير الأدلة الأثرية إلى أنهم قاموا أيضاً بصيد الحيوانات البرية، ولكن الزراعة وتربية الحيوانات كانت المصادر الرئيسية للغذاء.
بالإضافة إلى الزراعة، كان سكان عين غزال ماهرين في صناعة الأدوات الحجرية، وصناعة الجص، وصناعة الفخار (في الفترات اللاحقة). تشير الأدلة إلى أنهم كانوا يتاجرون مع المجتمعات الأخرى في المنطقة، حيث تم العثور على مواد مثل حجر السج (Obsidian) من تركيا في الموقع.
الفن والدين
تُعتبر تماثيل عين غزال من أهم الاكتشافات الأثرية في الموقع. هذه التماثيل مصنوعة من الجص، وهي بالحجم الطبيعي تقريباً، وتمثل أشخاصاً أو آلهة. يعتقد أن هذه التماثيل كانت تستخدم في الطقوس الدينية أو الاحتفالات الاجتماعية. تم العثور على هذه التماثيل مدفونة بعناية تحت الأرض، مما يشير إلى أنها كانت ذات أهمية خاصة.
بالإضافة إلى التماثيل، تم العثور على العديد من القطع الفنية الأخرى في عين غزال، بما في ذلك الخرز والمجوهرات والأدوات المزخرفة. تعكس هذه القطع الفنية الإبداع والمهارة الفنية لسكان عين غزال.
المباني والعمارة
تم بناء المنازل في عين غزال من الحجر والطين. كانت المنازل عادة مستطيلة الشكل، وتتكون من عدة غرف. تم بناء بعض المنازل حول ساحات مفتوحة. استخدم سكان عين غزال الجص في بناء المنازل، لتغطية الجدران والأرضيات. تشير الأدلة الأثرية إلى أن بعض المنازل كانت مزينة برسومات ومنحوتات.
بالإضافة إلى المنازل، تم العثور على مبانٍ عامة في عين غزال، مثل المعابد أو أماكن الاجتماعات. تشير هذه المباني إلى وجود تنظيم اجتماعي معقد في عين غزال.
التغيرات البيئية
تشير الدراسات البيئية إلى أن منطقة عين غزال كانت أكثر رطوبة في العصر الحجري الحديث مما هي عليه اليوم. كان هناك غطاء نباتي كثيف، وكانت المياه متوفرة بوفرة. ومع ذلك، بدأت الظروف البيئية في التدهور مع مرور الوقت، مما أدى إلى انخفاض في عدد السكان في عين غزال.
أسباب التخلي عن الموقع
لا يزال سبب التخلي عن عين غزال غير واضح تماماً. ومع ذلك، يعتقد أن عدة عوامل ساهمت في هذا التخلي، بما في ذلك:
- التغيرات المناخية: أدت التغيرات المناخية إلى انخفاض في كمية الأمطار، مما أثر على الزراعة.
- استنزاف الموارد: ربما أدى الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، مثل الغابات والتربة، إلى تدهور البيئة.
- الصراعات: ربما اندلعت صراعات بين سكان عين غزال والمجتمعات الأخرى في المنطقة.
- الأمراض: ربما تفشت الأمراض بين السكان، مما أدى إلى انخفاض في عدد السكان.
الحفاظ على الموقع
يخضع موقع عين غزال حالياً لإشراف وزارة السياحة والآثار الأردنية. تم اتخاذ تدابير لحماية الموقع من التدهور والنهب. يتم إجراء أبحاث أثرية مستمرة في الموقع، بهدف فهم تاريخ وثقافة عين غزال بشكل أفضل.
تم إنشاء متحف صغير بالقرب من الموقع لعرض الاكتشافات الأثرية من عين غزال. يزور الموقع العديد من السياح والباحثين كل عام.
خاتمة
عين غزال موقع أثري ذو أهمية عالمية، يقدم رؤى قيمة حول الحياة في العصر الحجري الحديث. يوضح الموقع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي حدثت في المجتمعات الزراعية المبكرة. تستمر الأبحاث الأثرية في عين غزال في الكشف عن معلومات جديدة حول هذا الموقع الرائع.
المراجع
- Ain Ghazal | Britannica
- The Ceramics from ‘Ain Ghazal, Jordan: Early Neolithic Meal Preparation and Symbolism – Richard A. J. Lesure, Alan H. Simmons, Walter E. Koerper, Katharina Fuhrmann, Gary O. Rollefson, Zeidan Kafafi, Centre National de la Recherche Scientifique
- ‘Ain Ghazal: A Major Neolithic Settlement in Central Jordan – Gary O. Rollefson, Zeidan Kafafi