<![CDATA[
تاريخ الرواق
تم بناء رواق أوكتافيا بين عامي 27 و25 قبل الميلاد، وذلك بتكليف من الإمبراطور أغسطس. كان الهدف من بنائه هو استبدال رواق ميتيلوس الذي احترق في عام 146 قبل الميلاد. رواق ميتيلوس نفسه كان قد شُيّد في القرن الثاني قبل الميلاد من قبل كوينتوس كايسيليوس ميتيلوس المقدوني، وكان يضم العديد من الأعمال الفنية التي جلبها ميتيلوس من اليونان بعد انتصاره في الحرب المقدونية الرابعة.
أراد أغسطس أن يكون رواق أوكتافيا أكثر فخامة وروعة من سابقه. لذلك، قام بتزويده بالعديد من التحف الفنية القيمة، بما في ذلك التماثيل واللوحات والمنحوتات. كما أضاف إليه مكتبتين، إحداهما يونانية والأخرى لاتينية، مما جعله مركزًا هامًا للدراسة والبحث.
خضع الرواق لعمليات ترميم وإعادة بناء عدة مرات على مر القرون. تم ترميمه بعد حريق كبير في عهد الإمبراطور تيتوس في عام 80 بعد الميلاد، ثم مرة أخرى في عهد الإمبراطور سبتيموس سيفيروس في بداية القرن الثالث الميلادي. آخر ترميم معروف للرواق كان في عهد الإمبراطور ديوكلتيانوس في نهاية القرن الثالث الميلادي.
خلال العصور الوسطى، تم تحويل الرواق إلى سوق للسمك. في وقت لاحق، تم بناء العديد من المنازل والكنائس داخل وحول الرواق، مما أدى إلى تدمير جزء كبير منه. اليوم، لم يتبق من الرواق الأصلي سوى بعض الأجزاء المتناثرة، بما في ذلك بعض الأعمدة والجدران والأساسات.
وصف الرواق
كان رواق أوكتافيا عبارة عن هيكل ضخم مستطيل الشكل، يبلغ طوله حوالي 119 مترًا وعرضه حوالي 132 مترًا. كان محاطًا بصف من الأعمدة من جميع الجوانب، مما يوفر ممرًا مظللًا للمشاة. كان الرواق مفتوحًا على الجمهور، وكان بمثابة مكان للتجمع والتنزه والتسوق.
في داخل الرواق، كانت هناك العديد من المباني والمنشآت، بما في ذلك:
- معبد جوبيتر ستاتور: وهو معبد قديم كُرّس للإله جوبيتر، وكان يقع في الركن الشمالي الغربي من الرواق.
- معبد جونو ريجينا: وهو معبد آخر كُرّس للإلهة جونو، وكان يقع في الركن الشمالي الشرقي من الرواق.
- المكتبات: كان الرواق يضم مكتبتين كبيرتين، إحداهما للمؤلفات اليونانية والأخرى للمؤلفات اللاتينية. كانتا تحتويان على مجموعة كبيرة من المخطوطات والكتب، وكانت متاحة للجمهور.
- Curia Octaviae: وهو مكان للاجتماعات العامة، ربما استُخدم لاجتماعات مجلس الشيوخ في بعض الأحيان.
- الأعمال الفنية: كان الرواق يضم مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية، بما في ذلك التماثيل واللوحات والمنحوتات. كانت هذه الأعمال الفنية معروضة في جميع أنحاء الرواق، وكانت تجذب الزوار من جميع أنحاء روما.
تشير المصادر التاريخية إلى أن الرواق كان مزينًا ببذخ، حيث استُخدمت الرخام الملون والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة في تزيين الأعمدة والجدران والأرضيات. كما كانت هناك العديد من النوافير والحدائق داخل الرواق، مما جعله مكانًا جميلًا ومريحًا للاسترخاء.
أهمية الرواق
كان رواق أوكتافيا ذا أهمية كبيرة في روما القديمة لعدة أسباب:
- مركز ثقافي: كان الرواق مركزًا هامًا للثقافة والفنون، حيث كان يضم المكتبات والأعمال الفنية. كان يجذب العلماء والفنانين والكتاب من جميع أنحاء روما، وكان يساهم في نشر المعرفة والثقافة.
- مكان للتجمع الاجتماعي: كان الرواق مكانًا شائعًا للتجمع الاجتماعي، حيث كان الناس يجتمعون فيه للتنزه والتسوق والدردشة. كان يوفر مساحة عامة آمنة ومريحة للناس من جميع الطبقات الاجتماعية.
- رمز للقوة الإمبراطورية: كان الرواق رمزًا لقوة الإمبراطورية الرومانية وثروتها. كان بناؤه وترميمه يعكسان قدرة الإمبراطور على توفير الرفاهية والراحة لمواطنيه.
- تأثير معماري: أثر تصميم الرواق على العديد من المباني الأخرى في روما القديمة وخارجها. أصبح نموذجًا للمباني العامة الكبيرة، وألهم المعماريين والفنانين على مر القرون.
الاكتشافات الأثرية
على مر السنين، تم إجراء العديد من الحفريات الأثرية في موقع رواق أوكتافيا. كشفت هذه الحفريات عن العديد من القطع الأثرية الهامة، بما في ذلك:
- أجزاء من الأعمدة والجدران: تم العثور على العديد من الأجزاء الأصلية للأعمدة والجدران التي كانت تشكل الرواق. هذه الأجزاء تساعد في فهم تصميم الرواق وحجمه.
- تماثيل ومنحوتات: تم العثور على العديد من التماثيل والمنحوتات التي كانت تزين الرواق. هذه الأعمال الفنية تعطينا فكرة عن الأذواق الفنية في روما القديمة.
- نقوش وكتابات: تم العثور على العديد من النقوش والكتابات التي كانت موجودة في الرواق. هذه الكتابات تعطينا معلومات قيمة عن تاريخ الرواق ووظيفته.
- أشياء يومية: تم العثور على العديد من الأشياء اليومية التي كانت تستخدم في الرواق، مثل الأواني والأدوات والعملات المعدنية. هذه الأشياء تعطينا لمحة عن الحياة اليومية في روما القديمة.
تُعرض العديد من هذه القطع الأثرية في المتاحف في روما، مما يسمح للزوار برؤية بقايا هذا الهيكل الروماني القديم.
رواق أوكتافيا اليوم
اليوم، لم يتبق من رواق أوكتافيا سوى بعض الأجزاء المتناثرة، والتي يمكن رؤيتها في منطقة الغيتو اليهودي في روما. يقع الموقع بين مسرح مارسيلوس والكنيسة المسماة سانت أنجيلو في بيسكيريا. يمكن للزوار رؤية بعض الأعمدة والجدران والأساسات التي نجت من الدمار على مر القرون.
على الرغم من أن الرواق لم يعد موجودًا بشكله الكامل، إلا أنه لا يزال يمثل تذكيرًا مهمًا بتاريخ روما القديمة وثقافتها. إنه مكان يجذب السياح والباحثين من جميع أنحاء العالم، الذين يأتون لاستكشاف بقاياه وتخيل روعته السابقة.
خاتمة
كان رواق أوكتافيا هيكلًا ضخمًا وهامًا في روما القديمة. كان مركزًا ثقافيًا واجتماعيًا، ورمزًا للقوة الإمبراطورية. على الرغم من أن جزءًا كبيرًا منه قد دُمر، إلا أن بقاياه لا تزال تذكرنا بتاريخ روما القديمة وأهميتها. من خلال الحفريات الأثرية والبحث العلمي، نواصل التعرف على هذا الموقع الرائع وفهم دوره في تاريخ الحضارة الرومانية.