<![CDATA[
مقدمة
الأسفار القانونية الثانية، والمعروفة أيضًا بالأسفار المخفية أو الأسفار المشكوك فيها، هي مجموعة من النصوص الدينية اليهودية والمسيحية التي لا تعتبر جزءًا من الكتاب المقدس المتعارف عليه من قبل جميع الطوائف. تختلف مكانة هذه الأسفار بين الطوائف المسيحية واليهودية، حيث تعتبرها بعض الكنائس جزءًا من الكتاب المقدس (مثل الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية)، بينما ترفضها طوائف أخرى (مثل البروتستانتية) أو تنظر إليها على أنها ذات قيمة تاريخية وأدبية ولكنها ليست موحى بها.
أصل كلمة “أبوكريفا”
كلمة “أبوكريفا” مشتقة من الكلمة اليونانية “ἀπόκρυφος” (أبوكريفوس)، والتي تعني “مخفي” أو “مستور”. في الأصل، ربما أشارت الكلمة إلى النصوص التي كانت محفوظة سرًا داخل جماعات معينة، أو النصوص التي لم تكن متاحة للعامة. مع مرور الوقت، اكتسبت الكلمة دلالة سلبية، حيث أصبحت تشير إلى النصوص التي تعتبر مشكوكًا في صحتها أو غير قانونية.
الأسفار القانونية الثانية في اليهودية
في اليهودية، لا تعتبر الأسفار القانونية الثانية جزءًا من التناخ (الكتاب المقدس العبري). ومع ذلك، فإن بعض هذه الأسفار، مثل سفر يشوع بن سيراخ وسفر الحكمة، تحظى بتقدير كبير في التراث اليهودي، وغالبًا ما يتم الاستشهاد بها في الأدب الحاخامي.
- أسباب عدم إدراجها في التناخ: يعتقد بعض العلماء أن هذه الأسفار كتبت بعد إغلاق قانون التناخ، أو أنها كتبت باللغة اليونانية وليس العبرية، أو أنها تحتوي على تعاليم تتعارض مع التعاليم اليهودية الأساسية.
- أهميتها في التاريخ اليهودي: على الرغم من عدم اعتبارها جزءًا من الكتاب المقدس، إلا أن الأسفار القانونية الثانية تقدم رؤى قيمة حول الحياة الدينية والاجتماعية لليهود خلال فترة الهيكل الثاني.
الأسفار القانونية الثانية في المسيحية
تعتبر الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية أن معظم الأسفار القانونية الثانية جزء من الكتاب المقدس. وتعرف هذه الأسفار في الكنيسة الكاثوليكية بالأسفار القانونية الثانية، بينما يطلق عليها الأرثوذكس اسم “أسفار إضافية”.
- الأسفار المقبولة في الكنيسة الكاثوليكية: طوبيا، يهوديت، تتمة سفر إستير، سفر الحكمة، يشوع بن سيراخ (سيراخ)، باروخ، رسالة إرميا، تتمة سفر دانيال (ترنيمة الثلاثة فتية، قصة سوسنة، بل والتنين)، المكابيين الأول والثاني.
- الأسفار المقبولة في الكنائس الأرثوذكسية: بالإضافة إلى الأسفار المذكورة أعلاه، تقبل بعض الكنائس الأرثوذكسية أسفارًا أخرى مثل المكابيين الثالث والرابع، ومزامير سليمان، وسفر أخنوخ.
- وجهة النظر البروتستانتية: يرفض البروتستانت الأسفار القانونية الثانية ويعتبرونها غير موحى بها. ويرجع ذلك إلى أسباب تاريخية ولاهوتية، بما في ذلك حقيقة أن هذه الأسفار لم تكن جزءًا من الكتاب المقدس العبري الذي استخدمه يسوع ورسله، وأنها تحتوي على تعاليم تتعارض مع العقيدة البروتستانتية.
أمثلة على الأسفار القانونية الثانية وأهميتها
سفر طوبيا: قصة مؤثرة عن الإيمان والرحمة والبركة الإلهية. يحكي عن طوبيا، وهو رجل يهودي تقي يعيش في المنفى، وكيف يساعده الملاك روفائيل في استعادة بصره والزواج من امرأة صالحة.
سفر يهوديت: قصة بطولية عن امرأة يهودية شجاعة تنقذ شعبها من الغزو الأجنبي. يهوديت تقتل القائد العسكري العدو هولوفرنيس، وبذلك تضمن النصر لشعبها.
سفر الحكمة: عمل فلسفي يستكشف طبيعة الحكمة والعدالة، وأهمية العيش حياة فاضلة. ينسب هذا السفر تقليديًا إلى سليمان الحكيم.
سفر يشوع بن سيراخ (سيراخ): مجموعة من الأمثال والحكم العملية التي تغطي مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك الأخلاق والعلاقات الاجتماعية والدين. يعتبر هذا السفر مصدرًا قيمًا لفهم الحياة اليهودية في فترة الهيكل الثاني.
أسفار المكابيين: تقدم هذه الأسفار سردًا تاريخيًا للصراع بين اليهود والسلالة السلوقية في القرن الثاني قبل الميلاد. تحكي عن ثورة المكابيين بقيادة يهوذا المكابي، والتي أدت إلى استعادة الاستقلال اليهودي وتطهير الهيكل.
الاختلافات اللاهوتية
توجد بعض الاختلافات اللاهوتية بين الأسفار القانونية الثانية والأسفار القانونية المعترف بها على نطاق واسع. على سبيل المثال، تتضمن بعض الأسفار القانونية الثانية إشارات إلى الصلاة من أجل الموتى، وهو ما يتعارض مع بعض التفسيرات البروتستانتية للكتاب المقدس. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي بعض الأسفار على قصص أو تعاليم قد يعتبرها البعض أسطورية أو غير تاريخية.
التأثير على الفن والأدب
كان للأسفار القانونية الثانية تأثير كبير على الفن والأدب الغربيين. فقد استلهم العديد من الفنانين والكتاب من قصص وشخصيات هذه الأسفار، وقاموا بإنشاء أعمال فنية وأدبية رائعة. على سبيل المثال، ألهمت قصة يهوديت العديد من الرسامين، مثل كارافاجيو وأرتيميسا جنتيلشي، لإنتاج لوحات تصور هذه الشخصية البطولية. كما ألهمت أسفار المكابيين العديد من الكتاب لإنتاج أعمال أدبية تخلد ذكرى ثورة المكابيين والنضال من أجل الحرية الدينية.
الأهمية التاريخية والثقافية
بغض النظر عن مكانتها الدينية، تعتبر الأسفار القانونية الثانية ذات أهمية تاريخية وثقافية كبيرة. فهي تقدم رؤى قيمة حول الحياة الدينية والاجتماعية لليهود والمسيحيين خلال فترة حاسمة من التاريخ. كما أنها تسلط الضوء على تطور الفكر الديني واللاهوتي، وتعكس التنوع والغنى في التراث اليهودي والمسيحي.
دراسة الأسفار القانونية الثانية
تعتبر دراسة الأسفار القانونية الثانية مفيدة للعلماء والطلاب المهتمين بفهم الكتاب المقدس والتاريخ الديني. يمكن أن تساعد هذه الأسفار في فهم السياق التاريخي والثقافي للكتاب المقدس، وتسليط الضوء على التطورات اللاهوتية التي حدثت على مر الزمن. كما أنها يمكن أن توفر رؤى جديدة حول القضايا الدينية والأخلاقية المعاصرة.
خاتمة
الأسفار القانونية الثانية هي مجموعة متنوعة من النصوص الدينية التي تحتل مكانة فريدة في التراث اليهودي والمسيحي. على الرغم من أنها لا تعتبر جزءًا من الكتاب المقدس من قبل جميع الطوائف، إلا أنها ذات قيمة تاريخية وثقافية كبيرة، وتقدم رؤى قيمة حول الحياة الدينية والاجتماعية لليهود والمسيحيين خلال فترة حاسمة من التاريخ. سواء اعتبرت موحى بها أم لا، فإن دراسة هذه الأسفار يمكن أن تثري فهمنا للكتاب المقدس والتاريخ الديني.