تاريخ نشأة حركة الكويكرز
نشأت حركة الكويكرز في إنجلترا في منتصف القرن السابع عشر، في فترة من الاضطرابات الدينية والسياسية. تأسست الحركة على يد جورج فوكس، وهو رجل دين إنجليزي كان يسعى إلى تجربة دينية أكثر أصالة وروحانية. اعتقد فوكس أن الله يمكن أن يتواصل مباشرة مع كل فرد، وأن الحاجة إلى الكهنة والطقوس الخارجية غير ضرورية. بدأ هو وأتباعه في السفر والتبشير بهذه الأفكار، مما أثار معارضة من المؤسسة الدينية القائمة.
واجه الكويكرز الأوائل اضطهادًا شديدًا بسبب معتقداتهم وممارساتهم. تعرضوا للسجن والتعذيب والإعدام. ومع ذلك، استمرت الحركة في النمو والانتشار، وذلك بفضل إيمانهم القوي وتفانيهم في مبادئهم. انتشر الكويكرز في جميع أنحاء بريطانيا العظمى وأيرلندا، ثم هاجروا إلى أمريكا الشمالية ومناطق أخرى من العالم. لعب الكويكرز دورًا مهمًا في تاريخ أمريكا، خاصة في مجالات مثل إلغاء العبودية وحقوق المرأة.
المعتقدات والممارسات الأساسية للكويكرز
تستند معتقدات الكويكرز إلى عدد من المبادئ الأساسية. أولاً، يؤمن الكويكرز بوجود “النور الداخلي” أو “الروح القدس” في كل شخص. يعتبر هذا النور هو جوهر الله الموجود في كل فرد، وهو الذي يرشدهم في حياتهم ويساعدهم على فهم إرادة الله. ثانيًا، يؤمن الكويكرز بالمساواة بين جميع الناس. يعتقدون أن كل شخص له قيمة متساوية في نظر الله، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية أو أي اختلافات أخرى. ثالثًا، يلتزم الكويكرز بالصدق والسلام. يرفضون العنف والحروب، ويسعون إلى حل النزاعات بالطرق السلمية. كما يلتزمون بالصدق في جميع تعاملاتهم.
تظهر هذه المعتقدات في ممارسات الكويكرز اليومية. على سبيل المثال، غالبًا ما يعقد الكويكرز اجتماعات العبادة في صمت، مما يسمح لكل فرد بالتواصل مع النور الداخلي. قد يتحدث أي شخص في الاجتماع إذا شعر بإلهام من الله. يشارك الكويكرز أيضًا في أنشطة مختلفة لخدمة المجتمع، مثل مساعدة الفقراء والمحتاجين، والدفاع عن حقوق الإنسان، والعمل من أجل السلام. يمتنع الكويكرز عن القيام بأشياء معينة مثل استخدام الأسلحة أو الانخراط في العنف. كما أنهم يلتزمون بالبساطة في حياتهم، ويتجنبون الترف والإسراف.
هيكل تنظيمي لاجتماعات الكويكرز
تتكون جمعية الأصدقاء الدينية من وحدات تنظيمية مختلفة، يمثل “اجتماع الكويكرز” الوحدة الأساسية منها. يمثل هذا الاجتماع مجموعة من الكويكرز الذين يجتمعون بانتظام للعبادة واتخاذ القرارات. يمكن أن يكون هناك اجتماعات شهرية، واجتماعات ربع سنوية، واجتماعات سنوية، والتي تمثل مستويات أعلى من التنظيم.
اجتماع الكويكرز المحلي (Monthly Meeting): هو الوحدة الأساسية، ويتكون من مجموعة من الكويكرز الذين يعيشون في منطقة معينة. يجتمعون عادة مرة واحدة في الأسبوع للعبادة في صمت. كما يجتمعون بانتظام لمناقشة القضايا الهامة، مثل إدارة شؤونهم المالية، والاهتمام بأعضائهم، وتلبية احتياجات المجتمع. يتخذ اجتماع الكويكرز المحلي القرارات بالإجماع، مما يعني أن جميع الأعضاء يجب أن يتفقوا على القرار قبل اعتماده. وهذا يعكس التزامهم بالمساواة والتعاون.
الاجتماع الفصلي (Quarterly Meeting): يتكون من عدة اجتماعات شهرية في منطقة معينة. يجتمعون معًا بانتظام لمناقشة القضايا التي تهم المنطقة بأكملها، مثل التعليم والعدالة الاجتماعية والسلام. يوفر هذا الاجتماع فرصة للكويكرز للتواصل مع بعضهم البعض، وتبادل الخبرات، والعمل معًا لتحقيق أهداف مشتركة.
الاجتماع السنوي (Yearly Meeting): يمثل أعلى مستوى من التنظيم في جمعية الأصدقاء. يمثل هذا الاجتماع جميع الكويكرز في منطقة جغرافية واسعة، مثل دولة أو منطقة. يجتمعون مرة واحدة في السنة لمناقشة القضايا التي تهم الجمعية ككل، مثل اللاهوت، والشهادة، والخدمة. يتخذ الاجتماع السنوي قرارات تهدف إلى توجيه مسار الجمعية، وتحديد أولوياتها.
أهمية اجتماعات الكويكرز في العصر الحديث
لا تزال اجتماعات الكويكرز تلعب دورًا مهمًا في حياة المؤمنين في العصر الحديث. فهي توفر لهم مكانًا للعبادة، والتواصل مع الله، والتعلم من بعضهم البعض. كما أنها توفر لهم مكانًا للتعبير عن معتقداتهم والتزامهم بالقيم الأساسية للكويكرز، مثل السلام والعدالة الاجتماعية والمساواة. بالإضافة إلى ذلك، تتيح اجتماعات الكويكرز للأفراد فرصة للمشاركة في أنشطة خدمة المجتمع، والمساهمة في تحقيق التغيير الإيجابي في العالم.
في العصر الحديث، يواجه الكويكرز تحديات جديدة. على سبيل المثال، يجب عليهم التكيف مع التغيرات في المجتمع، والحفاظ على صلة مع العالم من حولهم. يجب عليهم أيضًا الحفاظ على هويتهم الفريدة، وتعزيز التزامهم بالقيم الأساسية التي تميزهم. ومع ذلك، يظل الكويكرز ملتزمين بإيمانهم، وعزمهم على العيش وفقًا لمبادئهم. يواصلون العمل من أجل السلام والعدالة الاجتماعية، وتقديم مساهمة إيجابية للعالم.
اجتماعات الكويكرز والعمل من أجل السلام
كان الكويكرز من أوائل المؤيدين لعمل السلام، ولا يزالون ملتزمين بشدة بهذه القضية. لقد عملوا بجد لنشر ثقافة السلام في جميع أنحاء العالم. يعتقد الكويكرز أن العنف ليس هو الحل أبدًا، وأن جميع النزاعات يمكن حلها من خلال الحوار والتفاهم. لقد لعبوا دورًا رئيسيًا في العديد من حركات السلام على مر السنين، بما في ذلك حركة إلغاء العبودية، والحركة المناهضة للحرب في فيتنام، والحركة من أجل نزع السلاح النووي.
يدعم الكويكرز السلام من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة. على سبيل المثال، يقومون بتنظيم الاحتجاجات والمظاهرات السلمية ضد الحرب والعنف. كما أنهم يقدمون الدعم المالي والسياسي لمنظمات السلام. بالإضافة إلى ذلك، يعمل الكويكرز على تثقيف الناس حول قضايا السلام والعدالة. يقومون بتنظيم ورش العمل والمؤتمرات والندوات، ويسعون جاهدين لنشر الوعي بأهمية السلام في جميع أنحاء العالم. يشاركون في جهود الوساطة وحل النزاعات، ويعملون على بناء الجسور بين المجتمعات المختلفة.
الكويكرز والعدالة الاجتماعية
بالإضافة إلى عملهم من أجل السلام، يلتزم الكويكرز أيضًا بالعدالة الاجتماعية. يعتقدون أن جميع الناس يستحقون معاملة عادلة ومتساوية، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو أي اختلافات أخرى. لقد لعب الكويكرز دورًا رئيسيًا في العديد من الحركات من أجل العدالة الاجتماعية على مر السنين، بما في ذلك حركة إلغاء العبودية، وحركة الحقوق المدنية، والحركة من أجل حقوق المرأة.
يدعم الكويكرز العدالة الاجتماعية من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة. على سبيل المثال، يقومون بحملات من أجل حقوق الإنسان، ويدعمون المنظمات التي تعمل على مساعدة الفقراء والمحتاجين. كما أنهم يعملون على مكافحة التمييز والظلم. بالإضافة إلى ذلك، يسعون جاهدين لخلق مجتمع أكثر إنصافًا وعدالة للجميع. يشاركون في جهود الإغاثة الإنسانية، ويعملون على معالجة أسباب الفقر والظلم في العالم.
التعليم والتوعية في مجتمع الكويكرز
يولي الكويكرز أهمية كبيرة للتعليم والتوعية. يعتقدون أن التعليم يمكن أن يساعد الناس على فهم العالم من حولهم، وتطوير مهاراتهم، والمساهمة في المجتمع. لقد أنشأوا عددًا من المدارس والكليات على مر السنين، بما في ذلك كلية سوارثمور، وجامعة هافر فورد. بالإضافة إلى ذلك، يقوم الكويكرز بتنظيم ورش العمل والمؤتمرات والندوات، ويسعون جاهدين لنشر الوعي بالقضايا الهامة.
يعمل الكويكرز على تثقيف الناس حول قضايا السلام والعدالة الاجتماعية والبيئة وغيرها من القضايا الهامة. يقومون بتشجيع التفكير النقدي، والبحث عن الحقيقة، والالتزام بالقيم الأساسية للكويكرز. يساهمون في النقاش العام، ويدعمون المنظمات التي تعمل على تعزيز التعليم والوعي. يلتزمون بتقديم الدعم المالي والفني للمدارس والبرامج التعليمية في جميع أنحاء العالم.
الخلاصة
يمثل اجتماع الكويكرز وحدة أساسية في جمعية الأصدقاء الدينية (الكويكرز)، وهو مكان للتجمع، والعبادة، واتخاذ القرارات. يتميز الكويكرز بالتركيز على التجربة الداخلية المباشرة لله، والالتزام بالمساواة والعدالة الاجتماعية، والتركيز على السلام. يلعبون دورًا مهمًا في المجتمع، ويسعون جاهدين لتحقيق التغيير الإيجابي في العالم. يلتزم الكويكرز بالعيش وفقًا لمبادئهم، ومواصلة العمل من أجل السلام والعدالة الاجتماعية.