مقدمة
انتشرت في فترة من الفترات شائعة حول اختفاء أصحاب الشعر الأشقر الطبيعي من العالم، وأنهم في طريقهم للانقراض بسبب ما سمي بـ “الجين الأشقر المتنحي”. وقد لاقت هذه الشائعة رواجًا واسعًا، وتناقلتها العديد من وسائل الإعلام، مما أثار قلق الكثيرين، خاصةً ذوي الشعر الأشقر.
في هذا المقال، سنقوم بتوضيح حقيقة هذه الشائعة، وسنتناول أصلها، ومدى صحتها علميًا، كما سنتطرق إلى علم الوراثة المتعلق بلون الشعر، وكيفية توريثه.
أصل الشائعة
تعود جذور شائعة اختفاء الشعر الأشقر إلى دراسة علمية نشرت في عام 2002 من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO). ومع ذلك، فإن الدراسة لم تدّعِ أبدًا أن أصحاب الشعر الأشقر سينقرضون. بل إن الدراسة ناقشت توزيع الجينات المسؤولة عن لون الشعر حول العالم، وتوقعت انخفاضًا طفيفًا في عدد الأشخاص ذوي الشعر الأشقر في بعض المناطق، نتيجة لتزايد الهجرة والاختلاط بين الأعراق المختلفة.
تم تحريف نتائج هذه الدراسة من قبل وسائل الإعلام، وتم تضخيمها بشكل كبير، مما أدى إلى انتشار الشائعة التي تفيد بأن أصحاب الشعر الأشقر سينقرضون. وقد ساهم في انتشار هذه الشائعة عدة عوامل، منها:
- الإثارة الإعلامية: تميل وسائل الإعلام إلى نشر الأخبار المثيرة والغريبة لجذب انتباه الجمهور.
- الفهم الخاطئ لعلم الوراثة: يخلط الكثير من الناس بين الجينات السائدة والجينات المتنحية، ولا يفهمون كيفية توريث لون الشعر.
- الاهتمام بالمظهر: يهتم الكثير من الناس بمظهرهم، ويعتبرون الشعر الأشقر علامة من علامات الجمال، مما جعلهم أكثر عرضة لتصديق هذه الشائعة.
الحقيقة العلمية
إن فكرة اختفاء أصحاب الشعر الأشقر هي فكرة غير علمية ولا أساس لها من الصحة. فلون الشعر يتم تحديده من خلال مجموعة من الجينات، وليس من خلال جين واحد فقط. وأهم هذه الجينات هو جين MC1R، الذي يتحكم في إنتاج صبغة الميلانين، وهي الصبغة المسؤولة عن لون الشعر والجلد والعينين.
يوجد شكلان رئيسيان من الميلانين: يوميلانين (eumelanin)، وهو المسؤول عن اللون البني والأسود، وفيوميلانين (pheomelanin)، وهو المسؤول عن اللون الأحمر والأصفر. يعتمد لون الشعر على كمية ونوع الميلانين الموجود في الشعر.
الشعر الأشقر ينتج عن وجود كمية قليلة من اليوميلانين، وكمية أكبر من الفيوميلانين. ويعتبر الجين المسؤول عن الشعر الأشقر جينًا متنحيًا، مما يعني أنه يجب أن يرث الشخص نسختين من هذا الجين (واحدة من كل والد) حتى يظهر عليه الشعر الأشقر. أما إذا ورث الشخص نسخة واحدة فقط من هذا الجين، فسيكون لديه شعر بني أو لون آخر غير أشقر.
إذن، لماذا لا يزال هناك أصحاب شعر أشقر؟
على الرغم من أن الجين المسؤول عن الشعر الأشقر هو جين متنحٍ، إلا أنه لا يزال موجودًا في الجينات الوراثية للكثير من الناس حول العالم. طالما أن هناك أشخاصًا يحملون هذا الجين، فسيستمر ظهور أطفال بشعر أشقر، حتى لو كان عددهم أقل من عدد الأشخاص ذوي الشعر البني أو الأسود.
بالإضافة إلى ذلك، فإن لون الشعر ليس ثابتًا طوال الحياة. فقد يتغير لون الشعر مع التقدم في العمر، أو بسبب التعرض لأشعة الشمس، أو بسبب استخدام مواد تلوين الشعر. لذلك، فإن مجرد أن يكون الشخص لديه شعر أشقر في مرحلة معينة من حياته لا يعني بالضرورة أنه سيظل أشقر الشعر طوال حياته.
علم الوراثة ولون الشعر
لون الشعر هو سمة وراثية معقدة تتأثر بالعديد من الجينات المختلفة. على الرغم من أن الجين MC1R هو الأكثر تأثيرًا، إلا أن هناك جينات أخرى تلعب دورًا في تحديد لون الشعر، مثل جينات OCA2 و TYRP1 و SLC45A2 وغيرها.
تتفاعل هذه الجينات مع بعضها البعض بطرق معقدة لتحديد كمية ونوع الميلانين التي يتم إنتاجها في الشعر. وهذا يعني أن لون الشعر يمكن أن يختلف بشكل كبير بين الأفراد، حتى داخل نفس العائلة.
على سبيل المثال، قد يكون لدى طفلين نفس الوالدين ألوان شعر مختلفة، وذلك لأنهم ورثوا مجموعات مختلفة من الجينات المسؤولة عن لون الشعر. وقد يرث أحد الأطفال نسختين من الجين المسؤول عن الشعر الأشقر، بينما يرث الطفل الآخر نسخة واحدة فقط من هذا الجين، مما يؤدي إلى اختلاف لون شعرهما.
بالإضافة إلى ذلك، فإن لون الشعر يمكن أن يتأثر بالعوامل البيئية، مثل التعرض لأشعة الشمس، أو استخدام مواد تلوين الشعر. لذلك، فإن لون الشعر ليس مجرد مسألة وراثية بحتة، بل هو نتيجة تفاعل بين الوراثة والبيئة.
تفسيرات أخرى للشائعة
بالإضافة إلى التحريف الإعلامي للدراسة الأصلية، هناك بعض التفسيرات الأخرى التي قد تفسر سبب انتشار شائعة اختفاء الشعر الأشقر، منها:
- التحيزات الثقافية: في بعض الثقافات، يعتبر الشعر الأشقر علامة من علامات الجمال، وقد يكون هناك رغبة لا واعية في تصديق فكرة أن هذا اللون الجميل في طريقه إلى الاختفاء.
- الخوف من التغيير: يميل الكثير من الناس إلى مقاومة التغيير، وقد يكون هناك خوف من فقدان التنوع البشري، ومن انتشار لون شعر واحد أو لونين فقط.
- نظرية المؤامرة: يميل بعض الناس إلى تصديق نظريات المؤامرة، وقد يعتبرون شائعة اختفاء الشعر الأشقر جزءًا من مؤامرة أكبر لإخفاء الحقيقة عن الناس.
هل يوجد أنواع شعر أكثر عرضة للخطر؟
على الرغم من أن شائعة اختفاء الشعر الأشقر غير صحيحة، إلا أن هناك بعض أنواع الشعر التي قد تكون أكثر عرضة للخطر من غيرها، وذلك بسبب عوامل مختلفة، منها:
- الصلع الوراثي: الصلع الوراثي هو حالة تصيب الرجال والنساء على حد سواء، وتؤدي إلى تساقط الشعر التدريجي. يعتبر الصلع الوراثي أكثر شيوعًا بين الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، وقد يؤدي إلى فقدان الشعر بشكل كامل في بعض الحالات.
- تساقط الشعر الناتج عن التوتر: يمكن أن يؤدي التوتر والإجهاد إلى تساقط الشعر، خاصةً إذا كان الشخص يعاني من حساسية وراثية لهذه الحالة.
- الأمراض الجلدية: بعض الأمراض الجلدية، مثل الثعلبة، يمكن أن تؤدي إلى تساقط الشعر بشكل مؤقت أو دائم.
- سوء التغذية: يمكن أن يؤدي نقص بعض الفيتامينات والمعادن، مثل الحديد والزنك، إلى تساقط الشعر.
لذلك، من المهم الحفاظ على صحة الشعر وتغذيته بشكل جيد، وتجنب العوامل التي قد تؤدي إلى تساقطه.
خاتمة
شائعة اختفاء الشعر الأشقر هي شائعة لا أساس لها من الصحة، وقد تم تحريفها من دراسة علمية نشرت في عام 2002. لون الشعر يتم تحديده من خلال مجموعة من الجينات، وليس من خلال جين واحد فقط، وطالما أن هناك أشخاصًا يحملون الجين المسؤول عن الشعر الأشقر، فسيستمر ظهور أطفال بشعر أشقر. من المهم التحقق من صحة المعلومات قبل تصديقها ونشرها، وعدم الانجرار وراء الشائعات والأخبار الكاذبة.