خلفية تاريخية
في أواخر القرن التاسع عشر، كان الطيران يشكل تحديًا كبيرًا للعلماء والمهندسين على حد سواء. كان العديد من الباحثين يعملون على تطوير آلات قادرة على الطيران، وكانت المنافسة شديدة. كان صامويل بيربونت لانغلي، الأمين الثالث لمعهد سميثسونيان، من بين هؤلاء الرواد الذين كرسوا جهودهم لتحقيق حلم الطيران. بدأ لانغلي أبحاثه في مجال الطيران في عام 1887، وقام ببناء سلسلة من النماذج التجريبية غير المأهولة قبل أن ينتقل إلى تصميم المنصة الهوائية المأهولة.
أجرى لانغلي العديد من التجارب الناجحة باستخدام نماذج صغيرة تعمل بالبخار، مثل النموذج رقم 5 والنموذج رقم 6، مما شجعه على المضي قدمًا في تطوير نسخة أكبر ومأهولة. هذه النماذج أثبتت إمكانية الطيران الآلي، وأعطت لانغلي الثقة اللازمة لاستثمار المزيد من الوقت والموارد في هذا المجال.
تصميم المنصة الهوائية
تميزت المنصة الهوائية لانغلي بتصميمها الفريد الذي يعتمد على جناحين متتاليين، أحدهما أمام الآخر. كان الجناحان مصنوعين من قماش مشدود على إطار من الصلب. تم تركيب محرك بخاري خفيف الوزن ولكنه قوي بما يكفي لدفع مروحتين مثبتتين في الجزء الخلفي من الطائرة. كان الهدف من هذا التصميم تحقيق الاستقرار والرفع المطلوبين للطيران.
- الأجنحة: تم تصميم الأجنحة لتوفير قوة الرفع اللازمة للطيران. كانت مصنوعة من قماش مشدود على إطار من الصلب لتقليل الوزن وزيادة المتانة.
- المحرك: كان المحرك البخاري مصممًا خصيصًا ليكون خفيف الوزن وقويًا بما يكفي لدفع المروحتين. كان هذا تحديًا هندسيًا كبيرًا في ذلك الوقت، حيث كانت المحركات البخارية غالبًا ما تكون ثقيلة وغير فعالة.
- المراوح: تم تصميم المروحتين لتحقيق أقصى قدر من الدفع. تم وضعهما في الجزء الخلفي من الطائرة لتقليل الاضطرابات الهوائية.
- نظام التحكم: اعتمد نظام التحكم على مجموعة من الأسطح المتحركة التي تسمح للطيار بالتحكم في اتجاه الطائرة وارتفاعها.
محاولات الطيران الفاشلة
في 7 أكتوبر و 8 ديسمبر 1903، قام لانغلي بمحاولتين لإطلاق المنصة الهوائية من قارب في نهر بوتوماك. في كلتا المحاولتين، سقطت الطائرة في الماء بعد وقت قصير من الإطلاق. أرجع لانغلي وفريقه هذه الإخفاقات إلى مشاكل في آلية الإطلاق وليس إلى عيوب في تصميم الطائرة نفسها.
كانت المحاولة الأولى كارثية بشكل خاص، حيث انزلقت المنصة الهوائية عن منصة الإطلاق وسقطت في النهر قبل أن تتمكن من تحقيق أي ارتفاع. تسببت هذه الحادثة في أضرار كبيرة للطائرة وأدت إلى تأخير المحاولة الثانية.
في المحاولة الثانية، تم إجراء بعض التعديلات على آلية الإطلاق، ولكن النتيجة كانت مماثلة. سقطت المنصة الهوائية في النهر بعد ثوانٍ قليلة من الإطلاق، مما أدى إلى إحباط لانغلي وفريقه.
الجدل والإرث
بعد فشل المنصة الهوائية لانغلي، تعرض لانغلي لانتقادات شديدة من قبل الصحافة والجمهور. تم التشكيك في كفاءته وقدرته على تحقيق حلم الطيران. توفي لانغلي في عام 1906، بعد ثلاث سنوات فقط من محاولات الطيران الفاشلة، تاركًا وراءه إرثًا معقدًا.
بعد وفاة لانغلي، قام معهد سميثسونيان بتعديل المنصة الهوائية وإجراء بعض التحسينات عليها. في عام 1914، تمكن غلين كورتيس من الطيران بالمنصة الهوائية المعدلة، مما أثار جدلاً حول ما إذا كان لانغلي يستحق الفضل في تصميم أول طائرة قادرة على الطيران.
ادعى معهد سميثسونيان أن كورتيس قام بإجراء تغييرات كبيرة على المنصة الهوائية، مما جعلها طائرة مختلفة تمامًا عن تلك التي صممها لانغلي. ومع ذلك، جادل آخرون بأن التعديلات التي أجراها كورتيس كانت طفيفة وأن لانغلي يستحق الفضل في تصميم الطائرة الأصلية.
لا يزال الجدل حول إرث لانغلي مستمرًا حتى اليوم. يرى البعض أنه كان رائدًا في مجال الطيران وساهم بشكل كبير في تطوير الطائرات الحديثة. بينما يرى آخرون أنه فشل في تحقيق حلم الطيران وأن الفضل يعود للأخوين رايت اللذين نجحا في الطيران بطائرتهما عام 1903.
مقارنة بين المنصة الهوائية لانغلي وطائرة الأخوين رايت
غالبًا ما تتم مقارنة المنصة الهوائية لانغلي بطائرة الأخوين رايت، حيث تم تصميم كلتا الطائرتين في نفس الفترة الزمنية وكانتا تهدفان إلى تحقيق نفس الهدف: الطيران. ومع ذلك، كانت هناك اختلافات كبيرة بين التصميمين.
- المنصة الهوائية لانغلي: اعتمدت على تصميم بجناحين متتاليين ومحرك بخاري. كانت تفتقر إلى نظام تحكم فعال.
- طائرة الأخوين رايت: اعتمدت على تصميم بجناح واحد ونظام تحكم فعال يسمح للطيار بالتحكم في اتجاه الطائرة وارتفاعها. استخدمت محرك احتراق داخلي.
يعتبر نظام التحكم الذي استخدمه الأخوان رايت من أهم الابتكارات التي ساهمت في نجاح طائرتهما. سمح هذا النظام للطيار بالتحكم في الطائرة بشكل كامل، مما جعلها أكثر استقرارًا وأسهل في الطيران.
تأثير المنصة الهوائية لانغلي على تطور الطيران
على الرغم من فشل المنصة الهوائية لانغلي في تحقيق طيران مستقر، إلا أنها ساهمت في تطور الطيران بطرق غير مباشرة. قدمت أبحاث لانغلي وتجاربه رؤى قيمة للعلماء والمهندسين الذين عملوا لاحقًا على تطوير الطائرات الحديثة. كما ساهمت في زيادة الاهتمام العام بمجال الطيران وشجعت المزيد من الباحثين على استكشافه.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت المنصة الهوائية لانغلي في تطوير تقنيات جديدة في مجالات مثل الديناميكا الهوائية والمحركات خفيفة الوزن. هذه التقنيات كانت ضرورية لتطوير الطائرات الناجحة في المستقبل.
خاتمة
المنصة الهوائية لانغلي تمثل محاولة رائدة ولكنها غير ناجحة في مجال الطيران. على الرغم من فشلها في تحقيق طيران مستقر، إلا أنها ساهمت في تطور الطيران بطرق غير مباشرة من خلال توفير رؤى قيمة وتقنيات جديدة. يظل إرث صامويل بيربونت لانغلي موضوعًا للجدل، لكن لا يمكن إنكار مساهمته في استكشاف حدود الطيران في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.