مقدمة
كارل تيودور فالين (30 يونيو 1869 – 16 نوفمبر 1945) كان عالم رياضيات وأستاذاً جامعياً، وعضواً في الحزب النازي. اشتهر بعمله في مجال التحليل الرياضي، وخاصة في نظرية الدوال ذات المتغيرات الحقيقية. ومع ذلك، فإن مسيرته الأكاديمية شهدت تحولاً جذرياً بسبب انخراطه في السياسة النازية، مما أثر بشكل كبير على حياته المهنية والشخصية.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد تيودور فالين في فيينا، النمسا، في عام 1869. تلقى تعليمه المبكر في فيينا، ثم التحق بجامعة فيينا حيث درس الرياضيات والفيزياء. حصل على درجة الدكتوراه في الرياضيات عام 1893 تحت إشراف عالم الرياضيات الشهير ليوبولد جينيسبيرغر. بعد حصوله على الدكتوراه، عمل فالين كمساعد في جامعة فيينا، ثم انتقل إلى جامعة غرايفسفالت في ألمانيا، حيث حصل على التأهيل للأستاذية عام 1896.
مسيرته الأكاديمية
بدأ فالين مسيرته الأكاديمية كأستاذ مساعد في جامعة غرايفسفالت. في عام 1904، تم تعيينه أستاذاً كاملاً في جامعة كونيغسبرغ. خلال فترة وجوده في كونيغسبرغ، قام فالين بإجراء أبحاث مهمة في مجال التحليل الرياضي، ونشر العديد من الأوراق البحثية حول نظرية الدوال الحقيقية. كان عمله يتميز بالدقة والعمق، وقد ساهم في تطوير هذا المجال بشكل كبير.
في عام 1911، انتقل فالين إلى جامعة برلين، وهي واحدة من أعرق الجامعات في ألمانيا. في برلين، واصل أبحاثه في التحليل الرياضي وقام بتدريس العديد من الطلاب الموهوبين. كان فالين يحظى بتقدير كبير من قبل زملائه وطلابه على حد سواء، وكان يعتبر واحداً من أبرز علماء الرياضيات في ألمانيا في ذلك الوقت.
خلال الحرب العالمية الأولى، خدم فالين في الجيش الألماني. بعد الحرب، عاد إلى جامعة برلين وواصل عمله الأكاديمي. ومع ذلك، بدأت الأوضاع السياسية في ألمانيا بالتغير، وبدأ فالين ينجذب إلى الأيديولوجية النازية.
انخراطه في السياسة النازية
في أوائل الثلاثينيات، انضم فالين إلى الحزب النازي. كان يعتقد أن النازية ستحقق الاستقرار والازدهار لألمانيا. سرعان ما أصبح فالين ناشطاً في الحزب، واستخدم منصبه كأستاذ جامعي للترويج للأيديولوجية النازية. تم تعيينه رئيساً للجامعة التقنية في برلين عام 1933، وهو منصب استخدمه لفرض سياسات نازية في الجامعة.
خلال فترة رئاسته، قام فالين بفصل العديد من الأساتذة والطلاب اليهود من الجامعة. كما قام بتغيير المناهج الدراسية لتعكس الأيديولوجية النازية. أثارت تصرفاته هذه انتقادات واسعة النطاق من قبل المجتمع الأكاديمي، ولكن فالين استمر في دعم النظام النازي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
في عام 1934، تم تعيين فالين عضواً في مجلس الشيوخ الأكاديمي. وخلال فترة عضويته، عمل على تعزيز سياسات التمييز العنصري في التعليم العالي.
تأثير الأيديولوجية النازية على عمله
أثر انخراط فالين في السياسة النازية بشكل كبير على عمله الأكاديمي وسمعته. بعد الحرب العالمية الثانية، تم فصله من منصبه في الجامعة وتم تجريده من جميع ألقابه الأكاديمية. واعتبرت تصرفاته خلال فترة الحكم النازي خيانة للقيم الأكاديمية والأخلاقية.
أظهر فالين دعماً قوياً لـ “الرياضيات الألمانية” (Deutsche Mathematik)، وهي حركة تهدف إلى استبدال الرياضيات العالمية بأسلوب رياضي “آري”. كان هذا التوجه جزءًا من جهود النازيين لتطهير الثقافة الألمانية من العناصر “غير المرغوب فيها”، بما في ذلك التأثيرات اليهودية والأجنبية.
على الرغم من أن فالين لم يبتكر مفاهيم رياضية جديدة بناءً على الأيديولوجية النازية، إلا أنه استخدم منصبه الأكاديمي لتعزيز هذه الأفكار ونشرها. كما حاول التأثير على الجيل القادم من علماء الرياضيات لتبني وجهة النظر النازية.
نهاية حياته
بعد الحرب، تم اعتقال فالين من قبل قوات الحلفاء. توفي في معسكر اعتقال في عام 1945. لم يتمكن من استعادة سمعته الأكاديمية، وظل اسمه مرتبطاً بالحقبة المظلمة من التاريخ الألماني.
أعماله الرياضية
على الرغم من الجدل السياسي الذي أحاط بحياته، إلا أن تيودور فالين كان عالم رياضيات مرموقاً في عصره. تشمل أهم أعماله الرياضية:
- نظرية الدوال الحقيقية: قدم فالين مساهمات كبيرة في نظرية الدوال الحقيقية، وخاصة في مجال الدوال القابلة للتكامل.
- التحليل الرياضي: نشر العديد من الأوراق البحثية حول التحليل الرياضي، والتي تناولت مواضيع مثل التقارب والمتسلسلات اللانهائية.
- الهندسة: قام فالين بدراسة بعض المشكلات في الهندسة، ونشر بعض الأوراق البحثية حول هذا الموضوع.
على الرغم من أن أعماله الرياضية لا تزال تحظى بالتقدير، إلا أن مسيرته المهنية تلطخت بسبب انخراطه في السياسة النازية.
إرثه
يعتبر تيودور فالين شخصية مثيرة للجدل في تاريخ الرياضيات. من ناحية، كان عالم رياضيات موهوباً قدم مساهمات مهمة في مجال التحليل الرياضي. من ناحية أخرى، كان عضواً نشطاً في الحزب النازي، وشارك في اضطهاد الأساتذة والطلاب اليهود. يظل إرثه تذكيراً بالمخاطر التي يمكن أن تنشأ عندما تتدخل السياسة في العلم.
خاتمة
كان تيودور فالين عالم رياضيات وأستاذاً جامعياً ألمانياً، اشتهر بعمله في التحليل الرياضي. ومع ذلك، فإن انخراطه في السياسة النازية أثر بشكل كبير على حياته المهنية والشخصية. تم فصله من منصبه في الجامعة بعد الحرب العالمية الثانية، وظل اسمه مرتبطاً بالحقبة المظلمة من التاريخ الألماني. يعتبر فالين مثالاً على كيف يمكن للأيديولوجية السياسية أن تؤثر على العمل العلمي والأخلاقيات الأكاديمية.