نشأته وحياته المبكرة
ولد تاديوش بانكيفيتش في مدينة سامبور، التي كانت جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية في ذلك الوقت. تلقى تعليمه في بولندا، ثم درس الصيدلة وتخرج منها. بعد تخرجه، أسس صيدليته الخاصة في كراكوف، والتي أصبحت فيما بعد نقطة محورية في تاريخه البطولي. كان بانكيفيتش شخصًا مثقفًا ومحبًا للعلم، واهتم بالفن والأدب، مما انعكس على طريقة تعامله مع الآخرين.
صيدلية “تحت النسر” في حي كازيميرز
كانت صيدلية بانكيفيتش، المعروفة باسم “تحت النسر” (Pod Orłem)، تقع في حي كازيميرز التاريخي في كراكوف، والذي كان يمثل القلب الثقافي واليهودي للمدينة. خلال فترة الاحتلال النازي، تم تحويل حي كازيميرز إلى حي يهودي، مما يعني أن جميع السكان اليهود في كراكوف تم تجميعهم في هذه المنطقة. في هذه الظروف الصعبة، قرر بانكيفيتش البقاء في صيدليته وتقديم المساعدة لليهود، على الرغم من المخاطر الجسيمة التي واجهها.
دوره خلال الهولوكوست
بإصرار وشجاعة، تحولت صيدلية بانكيفيتش إلى ملاذ آمن لليهود في حي كراكوف. لم يقتصر دوره على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، بل امتد ليشمل تقديم الدعم المعنوي والاجتماعي، وتوفير المأوى المؤقت، وتمرير الرسائل والمعلومات بين السكان اليهود والعالم الخارجي. كان يتجاهل الأوامر النازية التي تمنع تقديم المساعدة لليهود، ويخاطر بحياته يوميًا لإنقاذ الآخرين.
كان بانكيفيتش يدرك تمامًا المخاطر التي تكتنف أفعاله، لكنه لم يتراجع أبدًا عن مساعدة المحتاجين. كان يعلم أن النازيين يعاقبون بشدة أي شخص يساعد اليهود، بما في ذلك الإعدام. ومع ذلك، فقد ظل مخلصًا لمبادئه الإنسانية، معتبرًا أن واجبه الأخلاقي يقتضي منه فعل كل ما في وسعه لإنقاذ الأرواح.
مساعدة اليهود
قام بانكيفيتش بتوفير المأوى المؤقت لليهود الفارين من عمليات الترحيل، وقدم لهم الطعام والملابس، وساعدهم على الاختباء. كما ساعدهم في الحصول على وثائق مزورة، والتي كانت ضرورية للبقاء على قيد الحياة. بالإضافة إلى ذلك، قام بتمرير الرسائل والمعلومات بين اليهود والعالم الخارجي، مما سمح لهم بالتواصل مع أحبائهم والحصول على الدعم من المقاومة البولندية.
كانت صيدليته بمثابة ملجأ آمن، حيث يمكن لليهود الحصول على الدعم الذي يحتاجونه. كان بانكيفيتش يقدم لهم الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض والإصابات، بالإضافة إلى المهدئات والأدوية التي تساعدهم على التعامل مع الضغوط النفسية التي كانوا يعانون منها. كما قدم لهم الدعم المعنوي، وشجعهم على عدم الاستسلام لليأس.
علاقته بالنازيين
على الرغم من أن النازيين كانوا يراقبون بانكيفيتش عن كثب، إلا أنه تمكن من الحفاظ على صيدليته مفتوحة طوال فترة الحرب. كان يتمتع بشخصية ذكية ولبقة، مما سمح له بالتغلب على المواقف الصعبة والتلاعب بالنازيين. كان يحاول دائمًا إخفاء أنشطته الحقيقية، والحفاظ على مظهر محايد. ومع ذلك، كان النازيون يشكون في أمره، وكانوا يراقبون تحركاته باستمرار.
نجح بانكيفيتش في الحفاظ على صيدليته مفتوحة من خلال تقديم الأعذار والذرائع المختلفة. على سبيل المثال، كان يدعي أن صيدليته كانت ضرورية لتوفير الأدوية للسكان البولنديين، أو أنه كان مجرد يخدم العملاء بشكل طبيعي. في بعض الأحيان، كان يقدم الهدايا الصغيرة للضباط النازيين، في محاولة لكسب ودّهم.
بعد الحرب
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عاد الناجون من الهولوكوست إلى كراكوف، وتذكروا بانكيفيتش كبطل. كرمته الحكومة البولندية والمجتمع اليهودي على حد سواء. حصل على العديد من الجوائز والأوسمة تقديرًا لشجاعته وتفانيه في إنقاذ الأرواح. أصبح رمزًا للمقاومة الإنسانية ضد الشر.
بعد الحرب، استمر بانكيفيتش في إدارة صيدليته، وظل على اتصال بالعديد من اليهود الذين ساعدهم خلال الحرب. أصبح صديقًا مقربًا للعديد منهم، وقام بزيارة عائلاتهم في جميع أنحاء العالم. كان يتحدث دائمًا عن أهمية التعايش السلمي والتسامح.
الاعتراف الدولي
في عام 1983، تم تكريم بانكيفيتش من قبل دولة إسرائيل، حيث تم إدراجه ضمن “الصالحين بين الأمم”، وهو لقب يمنح لغير اليهود الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ اليهود خلال الهولوكوست. كما تم زراعة شجرة باسمه في حديقة “ياد فاشيم” التذكارية في القدس.
تم الاعتراف ببطولة بانكيفيتش في جميع أنحاء العالم. تم كتابة العديد من الكتب والمقالات عن حياته، وتم إنتاج فيلم وثائقي عن دوره في إنقاذ اليهود. أصبح رمزًا عالميًا للشجاعة والرحمة.
إرثه
يُذكر تاديوش بانكيفيتش كواحد من أبرز الشخصيات التي ساهمت في إنقاذ اليهود خلال الهولوكوست. يعتبر إرثه بمثابة تذكير دائم بأهمية الإنسانية والتعاطف في مواجهة الظلم والاضطهاد. ألهمت قصته الأجيال، ولا تزال تُلهم الناس حول العالم.
أصبح بانكيفيتش رمزًا للشجاعة والضمير الحي. يمثل تجسيدًا لقيم مثل الإنسانية والرحمة والعدالة. لقد أظهر أن حتى في أحلك الساعات، يمكن للإنسان أن يختار الخير ويحدث فرقًا في العالم.
وفاته
توفي تاديوش بانكيفيتش في 5 نوفمبر 1993 في كراكوف. ترك وراءه إرثًا من الشجاعة والإنسانية التي لا تزال تلهم الناس حول العالم. دفن في كراكوف، حيث لا يزال يتذكره الناس كبطل.
خاتمة
كان تاديوش بانكيفيتش صيدليًا بولنديًا كاثوليكيًا رومانيًا، اشتهر بإنقاذه العديد من اليهود خلال فترة الهولوكوست. تحولت صيدليته في كراكوف إلى ملاذ آمن لليهود، حيث قدم لهم الدعم الطبي والمعنوي، وساعدهم على الاختباء والنجاة. تم تكريمه على نطاق واسع بعد الحرب، وأصبح رمزًا للشجاعة الإنسانية. يعتبر إرثه بمثابة تذكير دائم بأهمية التعاطف والرحمة في مواجهة الشر.
المراجع
- Wikipedia – Tadeusz Pankiewicz
- Yad Vashem – Tadeusz Pankiewicz
- Auschwitz Memorial – Pharmacy Under the Eagle
“`