خلفية تاريخية
في القرن السابع عشر، كانت ولاية ماراثا الصاعدة تشكل تحديًا للإمبراطورية البيجابورية، وهي سلطنة إسلامية كانت تحكم منطقة واسعة في جنوب الهند. كان شيفاجي مهراج، المؤسس الملهم لإمبراطورية ماراثا، يقود حركة تمرد ضد الحكم البيجابوري، بهدف تأسيس دولة مستقلة للمراثيين. أثار هذا التمرد غضب السلطان البيجابوري، الذي أرسل جيوشًا ضخمة لإخماد التمرد.
في عام 1660، أرسل السلطان البيجابوري الجنرال سيدّي مسعود لقيادة جيش ضخم للقضاء على شيفاجي. اشتبكت القوات البيجابورية مع قوات شيفاجي في معارك عدة، وتمكن البيجابوريون من تحقيق بعض المكاسب الأولية. أدرك شيفاجي أن قواته أقل عددًا وتجهيزًا من قوات العدو، فقرر اللجوء إلى تكتيكات حرب العصابات والكمائن لتفادي الاشتباك المباشر.
في هذه الفترة، كان شيفاجي يدرك أهمية تأمين سلامته الشخصية لضمان استمرار حركة المقاومة. في هذا السياق، خطط شيفاجي للفرار من حصار بيجابور، بينما يقوم جزء صغير من قواته بعرقلة تقدم العدو وإعاقة ملاحقته. كان هذا الجزء الصغير من القوات يتألف من حوالي 300 جندي ماراثي شجاع بقيادة باجي برابهو ديسهباندي.
مسرح العمليات: ممر بافان خيند
اختير ممر بافان خيند، وهو ممر جبلي ضيق يقع بالقرب من كولهابور في ولاية ماهاراشترا الحالية، ليكون مسرحًا لهذه المعركة الحاسمة. كان الممر بمثابة عنق الزجاجة، حيث كان جيش العدو الكبير مجبرًا على المرور فيه بصفوف متتالية، مما يقلل من قدرته على المناورة ويجعلهم عرضة لكمائن الماراتيين. كانت التضاريس الوعرة للممر توفر ميزة كبيرة للمدافعين، الذين يمكنهم الاختباء في الجبال والقيام بهجمات مفاجئة.
أدرك شيفاجي أهمية هذا الممر الاستراتيجي، وقرر استخدامه لتأخير تقدم العدو ومنح نفسه فرصة للهروب. كان يعلم أن الدفاع عن هذا الممر سيتطلب تضحيات جسيمة، ولكنه كان على استعداد للتضحية بأرواح جنوده من أجل قضية أكبر. اختار شيفاجي باجي برابهو ديسهباندي، وهو قائد عسكري موثوق به وشجاع، لقيادة القوات الماراثية المدافعة عن الممر. كان باجي برابهو معروفًا بولائه لشيفاجي وبقدرته على القتال بشراسة.
الاستعدادات للمعركة
بعد أن قرر شيفاجي الانسحاب والفرار من الحصار، قام بتجهيز قواته للمعركة في ممر بافان خيند. أمر شيفاجي باجي برابهو ديسهباندي بالدفاع عن الممر بكل ما أوتي من قوة، حتى يتمكن من الفرار بسلام. أدرك باجي برابهو خطورة المهمة، ولكنه قبلها بشجاعة وولاء.
قام باجي برابهو بتوزيع قواته على طول الممر، مستغلًا التضاريس الوعرة لتوفير ميزة دفاعية. قام الجنود بحفر الخنادق وبناء التحصينات المؤقتة للاحتماء بها. تم تزويدهم بالأسلحة التقليدية، مثل السيوف والرماح والأقواس والسهام. كان الجنود الماراتيون يعرفون أنهم يواجهون قوة تفوقهم عددًا وتسليحًا، ولكنهم كانوا مصممين على القتال حتى الموت.
أمر شيفاجي باجي برابهو بعدم ترك الممر بأي ثمن، حتى لو كلفهم ذلك حياتهم. طلب شيفاجي من باجي برابهو أن يستمر في القتال حتى يسمع صوت إطلاق المدافع، وهو الإشارة المتفق عليها التي تعني أن شيفاجي قد وصل إلى وجهته بسلام. كان هذا الوعد بمثابة الدافع الأساسي للجنود الماراتيين، الذين كانوا على استعداد للتضحية بأرواحهم من أجل ضمان سلامة قائدهم.
اندلاع المعركة
في 13 يوليو 1660، وصل جيش سيدّي مسعود إلى ممر بافان خيند. اندلعت المعركة بتبادل لإطلاق النار بين القوات الماراثية والقوات البيجابورية. كان الجنود الماراتيون، رغم عددهم القليل، يقاتلون بشراسة وشجاعة، مستفيدين من التضاريس الجبلية. قاموا بشن هجمات مفاجئة على العدو، مما أدى إلى إرباكهم وإيقاع خسائر كبيرة في صفوفهم.
أدرك سيدّي مسعود أن الانتصار على الماراتيين سيتطلب منه التضحية بقوات كبيرة. أمر جنوده بالهجوم المباشر على مواقع الماراتيين، على الرغم من الخسائر الفادحة. استمر القتال لساعات طويلة، وتحمل الجنود الماراتيون ضغوطًا هائلة. كان باجي برابهو ديسهباندي يقاتل في المقدمة، محرضًا جنوده على الثبات والصمود. أصيب باجي برابهو بجروح خطيرة خلال المعركة، ولكنه رفض التوقف عن القتال.
مع استمرار القتال، أخذ عدد الجنود الماراتيين في التناقص. ولكنهم استمروا في القتال ببسالة، متحدين كل الصعاب. أدرك سيدّي مسعود أن الانتصار على هؤلاء الجنود الأشداء سيتطلب منه المزيد من التضحيات. أمر بشن هجوم شامل على مواقع الماراتيين، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة وقريبة.
لحظة الحقيقة
بينما كان القتال محتدمًا، سمع باجي برابهو ديسهباندي صوت إطلاق المدافع. كانت هذه هي الإشارة المتفق عليها التي تعني أن شيفاجي قد وصل إلى وجهته بسلام. علم باجي برابهو أن مهمته قد اكتملت، وأن تضحيته لم تذهب سدى. في تلك اللحظة، استسلم باجي برابهو لجراحه وتوفي، بينما كان يطلب من جنوده الاستمرار في القتال.
بعد وفاة باجي برابهو، استمر الجنود الماراتيون في القتال بشجاعة حتى سقط آخر جندي منهم. لقد ضحوا بأرواحهم من أجل ضمان سلامة شيفاجي، وتركوا وراءهم إرثًا من البطولة والتفاني. كان هذا الانتصار بمثابة انتصار أخلاقي للماراتيين، الذين أظهروا للعالم أجمع مدى حبهم للحرية واستعدادهم للتضحية من أجلها.
النتائج والتأثير
أتاحت معركة بافان خيند لشيفاجي الفرصة للهروب والنجاة من الحصار، وسمحت له بإعادة تنظيم قواته وتشكيل إمبراطورية ماراثا القوية. بالرغم من أن الماراتيين خسروا هذه المعركة من الناحية العسكرية، إلا أنهم انتصروا من الناحية المعنوية والأخلاقية. أظهرت المعركة للعالم أجمع شجاعة وتفاني الماراتيين.
كانت معركة بافان خيند بمثابة نقطة تحول في التاريخ الماراثي. ألهمت هذه المعركة الأجيال اللاحقة من الماراتيين، وأصبحت رمزًا للتضحية والشجاعة الوطنية. تم تخليد ذكرى هذه المعركة في العديد من القصص والأغاني والمسرحيات، ولا تزال تحتفل بها ولاية ماهاراشترا حتى اليوم. أصبحت بافان خيند رمزًا للوطنية والتضحية بالنفس.
إرث باجي برابهو ديسهباندي
أصبح باجي برابهو ديسهباندي بطلاً قوميًا في ولاية ماهاراشترا. يعتبر رمزا للشجاعة والتضحية بالنفس والولاء. تم بناء العديد من النصب التذكارية والتماثيل لتكريمه، وتُقام الاحتفالات سنويًا لتخليد ذكراه. يعتبر باجي برابهو مثالاً يحتذى به في القيادة والتفاني في سبيل القضية.
لا تزال قصة معركة بافان خيند تدرس في المدارس والجامعات في ولاية ماهاراشترا، بهدف غرس قيم الوطنية والشجاعة في نفوس الشباب. يمثل باجي برابهو ديسهباندي رمزًا حيًا للوطنية والتضحية، ويستمر إرثه في إلهام الأجيال القادمة.
خاتمة
معركة بافان خيند كانت معركة فاصلة في تاريخ ماراثا، شهدت تضحيات جسيمة من قبل جنود ماراثا بقيادة باجي برابهو ديسهباندي، بهدف تأمين هروب قائدهم شيفاجي مهراج. بالرغم من خسارة المعركة عسكريًا، إلا أنها كانت انتصارًا معنويًا وأخلاقيًا، وألهمت الأجيال المتعاقبة من الماراتيين. لا تزال المعركة تذكر كرمز للشجاعة الوطنية والتضحية بالنفس، وترك إرثًا دائمًا في تاريخ الهند.
المراجع
- ويكيبيديا – معركة بافان خيند
- السياحة في ولاية ماهاراشترا – بافان خيند
- الثقافة الهندية – معركة بافان خيند
- موسوعة بريتانيكا – معركة بافان خيند
“`