خلفية تاريخية
لفهم السياق الذي أدى إلى إنشاء البرلمان الثلاثي، من الضروري إدراك طبيعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. كان الفصل العنصري نظامًا للفصل العنصري والتمييز، حيث تم تصنيف السكان على أساس العرق، مع تخصيص حقوق وامتيازات متفاوتة لكل مجموعة. كان البيض يتمتعون بأكبر قدر من السلطة السياسية والاقتصادية، في حين تم تهميش السود والملونين والآسيويين واستبعادهم من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية.
في ظل هذا النظام، كانت مقاومة الفصل العنصري تنمو باطراد، سواء داخل جنوب أفريقيا أو على المستوى الدولي. تعرضت حكومة الفصل العنصري لضغوط متزايدة لإنهاء التمييز العنصري ومنح حقوق متساوية لجميع المواطنين. كان البرلمان الثلاثي محاولة للاستجابة لهذه الضغوط، مع الحفاظ على السيطرة البيضاء.
إنشاء البرلمان الثلاثي
تم إنشاء البرلمان الثلاثي بموجب دستور عام 1983. وقسم البرلمان إلى ثلاث غرف:
- مجلس النواب: مخصص للبيض.
- مجلس الممثلين: مخصص للملونين.
- مجلس النواب: مخصص للآسيويين (الهنود بشكل أساسي).
لم يكن للسود تمثيل في البرلمان الثلاثي، حيث اعتبرتهم حكومة الفصل العنصري مواطنين في “الوطن الأم” المخصص لهم.
كان مجلس النواب، الذي يمثل البيض، يتمتع بأكبر قدر من السلطة. كان بإمكانه الاعتراض على التشريعات التي أقرتها الغرف الأخرى، وكان له الكلمة الفصل في الأمور المتعلقة بـ “الشؤون المشتركة” التي تؤثر على جميع المجموعات العرقية. أما الغرفتان الأخريان فكان لهما صلاحيات محدودة، ولم يكن بإمكانهما إحداث تغييرات جوهرية في سياسات الفصل العنصري.
ردود الفعل على البرلمان الثلاثي
أثار إنشاء البرلمان الثلاثي ردود فعل متباينة. اعتبره البعض خطوة إيجابية نحو الإصلاح، حيث سمح للملونين والآسيويين ببعض التمثيل السياسي. ومع ذلك، انتقده الكثيرون باعتباره تجميلاً لنظام الفصل العنصري، لأنه استبعد السود من المشاركة السياسية وحافظ على هيمنة البيض.
عارض العديد من الملونين والآسيويين المشاركة في البرلمان الثلاثي، معتبرين أنه يتعاون مع نظام غير عادل. ومع ذلك، شارك آخرون، على أمل أن يتمكنوا من استخدام مواقعهم داخل البرلمان لإحداث تغيير إيجابي.
أدانت معظم المنظمات المناهضة للفصل العنصري، بما في ذلك المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)، البرلمان الثلاثي باعتباره حيلة لتقسيم المعارضة والحفاظ على الفصل العنصري. دعت هذه المنظمات إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية الثلاثية وواصلت النضال من أجل نظام ديمقراطي غير عنصري.
فشل البرلمان الثلاثي
لم يحقق البرلمان الثلاثي الأهداف التي وضعتها حكومة الفصل العنصري. لم ينجح في تهدئة المعارضة الداخلية أو تحسين صورة جنوب أفريقيا على المستوى الدولي. وبدلاً من ذلك، أدى إلى تفاقم التوترات العرقية وزيادة المطالبة بإنهاء الفصل العنصري.
كان أحد الأسباب الرئيسية لفشل البرلمان الثلاثي هو استبعاد السود، الذين يشكلون غالبية سكان جنوب أفريقيا، من المشاركة السياسية. بدون تمثيل السود، لم يكن البرلمان الثلاثي يتمتع بالشرعية أو المصداقية.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الصلاحيات المحدودة الممنوحة للملونين والآسيويين تعني أنه لم يتمكنوا من إحداث تغييرات جوهرية في سياسات الفصل العنصري. أدى هذا إلى إحباط المشاركين في البرلمان الثلاثي وإلى زيادة انتقاد النظام.
بحلول أواخر الثمانينيات، أصبح من الواضح أن البرلمان الثلاثي كان فاشلاً. كانت جنوب أفريقيا تواجه أزمة سياسية واقتصادية، وكان نظام الفصل العنصري ينهار تحت ضغط المقاومة الداخلية والعقوبات الدولية.
نهاية البرلمان الثلاثي
في عام 1990، أطلق الرئيس فريدريك ويليم دي كليرك عملية تفاوض لإنهاء الفصل العنصري وإقامة نظام ديمقراطي غير عنصري. تم إلغاء حظر المؤتمر الوطني الأفريقي والمنظمات المناهضة للفصل العنصري الأخرى، وتم إطلاق سراح نيلسون مانديلا من السجن بعد 27 عامًا.
في عام 1994، تم إجراء أول انتخابات ديمقراطية غير عنصرية في جنوب أفريقيا. فاز المؤتمر الوطني الأفريقي بأغلبية ساحقة، وأصبح نيلسون مانديلا أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا. تم حل البرلمان الثلاثي، وتم استبداله ببرلمان ديمقراطي يمثل جميع الجنوب أفريقيين.
إرث البرلمان الثلاثي
يعتبر البرلمان الثلاثي اليوم رمزًا لنظام الفصل العنصري والتمييز العنصري. إنه تذكير بالفترة المظلمة في تاريخ جنوب أفريقيا عندما تم حرمان غالبية السكان من حقوقهم الأساسية. ومع ذلك، فهو أيضًا تذكير بالنضال من أجل الحرية والمساواة الذي أدى في النهاية إلى إنهاء الفصل العنصري وإقامة نظام ديمقراطي.
يقدم البرلمان الثلاثي دروسًا قيمة حول أهمية التمثيل السياسي والمشاركة لجميع المجموعات العرقية. كما يوضح مخاطر محاولات التوفيق بين التمييز العنصري والديمقراطية.
خاتمة
كان البرلمان الثلاثي محاولة فاشلة من قبل حكومة الفصل العنصري لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية دون التخلي عن السيطرة الكاملة على السلطة. لم ينجح في تهدئة المعارضة أو تحسين صورة جنوب أفريقيا، وبدلاً من ذلك، أدى إلى تفاقم التوترات العرقية وزيادة المطالبة بإنهاء الفصل العنصري. في نهاية المطاف، تم استبدال البرلمان الثلاثي ببرلمان ديمقراطي يمثل جميع الجنوب أفريقيين، مما يمثل نهاية حقبة الفصل العنصري وبداية حقبة جديدة من الحرية والمساواة.