خلفية الأحداث
في أوائل الثمانينيات، واجه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ضغوطًا متزايدة من الداخل والخارج. سعت الحكومة، بقيادة الحزب الوطني، إلى إيجاد طرق لتخفيف بعض هذه الضغوط دون التخلي عن السيطرة البيضاء. تمثل الحل في دستور جديد تم تقديمه في عام 1983، والذي أنشأ برلمانًا ثلاثيًا.
كان البرلمان الجديد يتألف من ثلاثة مجالس: مجلس النواب (للبيض)، ومجلس الممثلين (للملونين)، ومجلس الهند (للهنود). ومع ذلك، احتفظ مجلس النواب الأبيض بالأغلبية وكان يتمتع بسلطة أكبر بكثير من المجلسين الآخرين. علاوة على ذلك، تم استبعاد الأغلبية السوداء في البلاد تمامًا من البرلمان.
كان الهدف المعلن من الإصلاحات الدستورية هو منح الملونين والهنود صوتًا في الحكومة ومنعهم من الانضمام إلى حركة التحرير السوداء. ومع ذلك، رأى الكثيرون أن الإصلاحات مجرد محاولة لتعزيز الفصل العنصري من خلال تقسيم السكان غير البيض.
التحضيرات للانتخابات
قبل الانتخابات، تم تشكيل أحزاب سياسية جديدة لتمثيل مصالح الملونين والهنود. كان من بين هذه الأحزاب:
- حزب العمل (Labour Party): كان أكبر حزب ملون ودعم المشاركة في البرلمان الثلاثي كوسيلة لتحسين وضع الملونين.
- المؤتمر الشعبي الهندي (Indian Congress): كان حزبًا هنديًا رئيسيًا عارض المشاركة في البرلمان الثلاثي ودعا إلى المساواة الكاملة لجميع الجنوب أفريقيين.
- الجبهة الديمقراطية المتحدة (United Democratic Front – UDF): كانت جبهة واسعة من المنظمات المناهضة للفصل العنصري التي عارضت بشدة البرلمان الثلاثي ودعت إلى نظام ديمقراطي غير عنصري.
شهدت الفترة التي سبقت الانتخابات حملات مكثفة من قبل كل من مؤيدي ومعارضي البرلمان الثلاثي. قام مؤيدو المشاركة في البرلمان الثلاثي بالتركيز على الفوائد المحتملة للملونين والهنود، بينما ركز المعارضون على طبيعة الفصل العنصري للنظام الجديد وحقيقة أنه يستبعد الأغلبية السوداء.
يوم الانتخابات والنتائج
أجريت الانتخابات في أغسطس 1984. تم إجراء انتخابات مجلس الممثلين (للملونين) في 22 أغسطس، وانتخابات مجلس الهند (للهنود) في 28 أغسطس. اتسمت الانتخابات بإقبال ضعيف، حيث قاطعت العديد من المنظمات المناهضة للفصل العنصري، بما في ذلك الجبهة الديمقراطية المتحدة، الانتخابات.
نتائج انتخابات مجلس الممثلين: فاز حزب العمل بأغلبية المقاعد. ومع ذلك، فإن الإقبال الضعيف قوض شرعية المجلس.
نتائج انتخابات مجلس الهند: كانت النتائج أكثر تشتتًا، حيث فازت عدة أحزاب ومنظمات مختلفة بمقاعد. كما عانى هذا المجلس من ضعف الإقبال.
ردود الفعل والآثار المترتبة
أثارت الانتخابات ردود فعل متباينة. رحبت الحكومة وأنصار البرلمان الثلاثي بالنتائج باعتبارها خطوة نحو الإصلاح السياسي. ومع ذلك، أدانها المعارضون باعتبارها مجرد واجهة لإخفاء الفصل العنصري.
كان الإقبال الضعيف على الانتخابات بمثابة ضربة قوية لشرعية البرلمان الثلاثي. وأظهر أن الكثير من الملونين والهنود لم يؤيدوا النظام الجديد وأنهم ظلوا ملتزمين بالنضال من أجل المساواة الكاملة.
ساهمت الانتخابات أيضًا في زيادة تصعيد المقاومة المناهضة للفصل العنصري. أدت الجبهة الديمقراطية المتحدة دورًا رائدًا في تنظيم الاحتجاجات والإضرابات ضد البرلمان الثلاثي، مما ساعد على حشد الدعم لحركة التحرير السوداء.
نظام الفصل العنصري والبرلمان الثلاثي
كان الفصل العنصري نظامًا للفصل والتمييز العنصري الذي تم تطبيقه في جنوب إفريقيا من عام 1948 حتى عام 1994. استند النظام إلى الاعتقاد بأن البيض كانوا متفوقين على الأعراق الأخرى وأنهم يجب أن يحتفظوا بالسيطرة السياسية والاقتصادية على البلاد.
تم تصميم نظام الفصل العنصري لفصل الأعراق المختلفة في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك السكن والتعليم والتوظيف والرعاية الصحية. تم حرمان السود من الحق في التصويت أو امتلاك الأراضي أو العيش في المناطق البيضاء. تم إجبارهم على العيش في بلدات مكتظة وغير صحية وكانوا يخضعون لقوانين قاسية تقيد حركتهم وحريتهم.
كان البرلمان الثلاثي محاولة من قبل حكومة الفصل العنصري لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية من خلال منح تمثيل محدود للملونين والهنود في الحكومة. ومع ذلك، تم تصميم النظام للحفاظ على السيطرة البيضاء واستبعاد الأغلبية السوداء.
كانت الإصلاحات الدستورية لعام 1983 مثيرة للجدل بشكل كبير. ففي حين اعتبرها البعض خطوة نحو الإصلاح، رأى آخرون أنها محاولة لتقسيم السكان غير البيض وتعزيز الفصل العنصري. أثبت الإقبال الضعيف على الانتخابات أن العديد من الملونين والهنود لم يؤيدوا النظام الجديد وأنهم ظلوا ملتزمين بالنضال من أجل المساواة الكاملة.
تأثير الانتخابات على النضال ضد الفصل العنصري
على الرغم من أنه كان يهدف إلى إضعاف المعارضة لنظام الفصل العنصري، إلا أن البرلمان الثلاثي كان له تأثير معاكس. ساهمت الانتخابات في زيادة تصعيد المقاومة المناهضة للفصل العنصري وقادت إلى حشد الدعم لحركة التحرير السوداء.
لعبت الجبهة الديمقراطية المتحدة دورًا رائدًا في تنظيم الاحتجاجات والإضرابات ضد البرلمان الثلاثي. كانت الجبهة ائتلافًا واسعًا من المنظمات المناهضة للفصل العنصري، بما في ذلك الكنائس والنقابات العمالية ومنظمات الطلاب. تمكنت الجبهة من حشد الدعم من مجموعة واسعة من الجنوب أفريقيين الذين كانوا ملتزمين بإنهاء الفصل العنصري.
كما ساعدت الانتخابات على فضح الطبيعة الزائفة لإصلاحات حكومة الفصل العنصري. أوضح الإقبال الضعيف على الانتخابات أن العديد من الملونين والهنود لم يؤيدوا النظام الجديد وأنهم ظلوا ملتزمين بالنضال من أجل المساواة الكاملة. أدى ذلك إلى تقويض شرعية حكومة الفصل العنصري وزيادة عزلتها الدولية.
نهاية الفصل العنصري
في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، واجه نظام الفصل العنصري ضغوطًا متزايدة من الداخل والخارج. أدت العقوبات الدولية والاحتجاجات الجماهيرية إلى إضعاف الاقتصاد الجنوب أفريقي، وأدركت الحكومة أن الفصل العنصري لم يعد قابلاً للاستمرار.
في عام 1990، أطلق سراح نيلسون مانديلا، الزعيم المناهض للفصل العنصري، من السجن بعد أكثر من 27 عامًا. بدأت الحكومة أيضًا مفاوضات مع المؤتمر الوطني الأفريقي، المنظمة الرئيسية المناهضة للفصل العنصري.
في عام 1994، أجريت أول انتخابات ديمقراطية غير عنصرية في جنوب إفريقيا. فاز المؤتمر الوطني الأفريقي بأغلبية ساحقة، وأصبح نيلسون مانديلا أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا.
كانت نهاية الفصل العنصري بمثابة علامة فارقة في تاريخ جنوب إفريقيا. لقد أنهى عقودًا من الفصل والتمييز العنصري وفتح الطريق أمام مجتمع ديمقراطي غير عنصري.
دروس مستفادة
تقدم انتخابات عام 1984 في جنوب إفريقيا دروسًا قيمة حول طبيعة الفصل العنصري، وأهمية المقاومة، وقوة الوحدة. أظهرت الانتخابات أن الفصل العنصري كان نظامًا قمعيًا وغير عادل لا يمكن إصلاحه. كما أظهرت أهمية المقاومة في مواجهة الظلم. وأخيرًا، أظهرت قوة الوحدة في التغلب على الانقسامات العنصرية وتحقيق مجتمع ديمقراطي غير عنصري.
خاتمة
كانت انتخابات جنوب إفريقيا العامة عام 1984 حدثًا هامًا في تاريخ الفصل العنصري. على الرغم من أن الانتخابات كانت تهدف إلى تعزيز الفصل العنصري، إلا أنها ساهمت في زيادة تصعيد المقاومة المناهضة للفصل العنصري وساعدت على حشد الدعم لحركة التحرير السوداء. في النهاية، لعبت الانتخابات دورًا في فضح الطبيعة الزائفة لإصلاحات حكومة الفصل العنصري والمساعدة في تقويض شرعية النظام.