نشأته وبداياته
ولد ماكفرسون في تورنتو، أونتاريو، كندا. تلقى تعليمه في جامعة تورنتو، حيث حصل على درجة البكالوريوس والماجستير. خلال دراسته، انغمس في الفلسفة السياسية والاقتصاد، مما مهد الطريق لتخصصه المستقبلي. بدأ مسيرته الأكاديمية بالتدريس في جامعة بريتيش كولومبيا قبل أن يعود إلى جامعة تورنتو، حيث أمضى معظم حياته المهنية.
أعماله وأفكاره الرئيسية
تتميز أعمال ماكفرسون بالتحليل العميق للديمقراطية الليبرالية، مع التركيز على تأثير الرأسمالية على ممارساتها. من أبرز أعماله:
-
“الديمقراطية الليبرالية: أصولها وتطورها” (The Life and Times of Liberal Democracy) (1977):
في هذا الكتاب، يتتبع ماكفرسون تطور الديمقراطية الليبرالية، ويحلل كيف أثرت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية على معناها وممارستها. -
“نظرية الملكية الاستحواذية” (The Theory of Possessive Individualism) (1962):
يعتبر هذا الكتاب الأكثر شهرة لماكفرسون، وفيه يحلل أصول الفكر الليبرالي من خلال دراسة مفاهيم الملكية والفردية. يزعم ماكفرسون أن الليبرالية الكلاسيكية، كما عبر عنها مفكرون مثل جون لوك، تقوم على أساس “الفردية الاستحواذية”، حيث يُنظر إلى الفرد على أنه مالك لقدراته، ويهدف إلى تعظيم ممتلكاته. -
“الديمقراطية الليبرالية والطبقة العاملة” (Democratic Theory: Essays in Retrieval) (1973):
يقدم هذا الكتاب مجموعة مقالات تتناول قضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويستكشف التحديات التي تواجه الديمقراطية في المجتمعات الرأسمالية.
ركز ماكفرسون على العلاقة بين الرأسمالية والديمقراطية، معتبراً أن هذه العلاقة معقدة ومتوترة. يجادل بأن الرأسمالية، من خلال تركيزها على الملكية الخاصة والربح، تخلق طبقة من “الملّاك” الذين لديهم سيطرة غير متناسبة على العملية السياسية. هذا يؤدي إلى ديمقراطية محدودة، حيث تُستبعد مصالح الفئات غير المالكة أو يتم تهميشها.
الفردية الاستحواذية
يعد مفهوم “الفردية الاستحواذية” حجر الزاوية في فكر ماكفرسون. يصف هذا المصطلح مجتمعاً يرى فيه الأفراد أنفسهم كأسياد لقدراتهم وممتلكاتهم، ويدخلون في علاقات مع الآخرين بغرض تحقيق مصالحهم الشخصية. في هذا السياق، تُعتبر الدولة أداة لحماية الملكية الخاصة وتوفير الأمن، وليس لتعزيز العدالة الاجتماعية أو المساواة.
جادل ماكفرسون بأن هذا النوع من الفردية، الذي يظهر في أعمال فلاسفة مثل لوك، أثر بشكل كبير على تطور الديمقراطية الليبرالية. ومع ذلك، يرى أن هذا النموذج يخلق أيضاً قيوداً على الديمقراطية، حيث يميل إلى تفضيل مصالح الأفراد الأثرياء على حساب الآخرين، مما يؤدي إلى عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية.
نقد الرأسمالية والديمقراطية
انتقد ماكفرسون الرأسمالية لكونها تخلق عدم مساواة كبيرة، مما يقوض المشاركة السياسية الكاملة والفعالة. يعتقد أن الديمقراطية الحقيقية تتطلب مستوى معينًا من المساواة الاقتصادية، بحيث يمكن لجميع المواطنين المشاركة في العملية السياسية دون أن يتأثروا بشكل كبير بالقيود الاقتصادية.
في الوقت نفسه، لم يكن ماكفرسون معادياً للديمقراطية الليبرالية بشكل كامل. بدلاً من ذلك، سعى إلى إظهار حدودها وتحدياتها، واقترح طرقاً لتحسينها. كان يؤمن بإمكانية تحقيق ديمقراطية أكثر إنصافاً وعدالة، من خلال معالجة عدم المساواة الاقتصادية وتعزيز مشاركة المواطنين.
تأثيره على الفكر السياسي
كان لماكفرسون تأثير كبير على الفكر السياسي، وخاصة في مجالات النظرية السياسية والتاريخ الفكري. أثارت تحليلاته حول الديمقراطية والليبرالية والرأسمالية نقاشات مكثفة، وألهمت جيلاً جديداً من العلماء والباحثين.
أثرت أفكاره في دراسة الفكر السياسي، حيث قدم رؤية نقدية ومبتكرة. أدت أعماله إلى مراجعة وتقييم جديدين لكيفية فهم الليبرالية والديمقراطية، بالإضافة إلى العلاقة المعقدة بينهما. استمرت مساهماته في تشكيل النقاشات حول العدالة الاجتماعية والمساواة، فضلاً عن دور الدولة في المجتمعات الحديثة.
كان ماكفرسون أيضاً مؤثراً في تطوير نهج تحليل “الطبقات” في الفكر السياسي. من خلال دراسته للعلاقة بين الطبقة الاقتصادية والقوة السياسية، قدم مساهمات مهمة في فهم ديناميكيات السلطة في المجتمعات الرأسمالية. ساعدت أعماله في تسليط الضوء على كيفية تأثير الهياكل الاقتصادية على العملية السياسية، وكيف يمكن لعدم المساواة الاقتصادية أن تقوض الديمقراطية.
مساهماته الأكاديمية
بالإضافة إلى كتاباته، قدم ماكفرسون مساهمات كبيرة في الأوساط الأكاديمية. عمل أستاذاً في جامعة تورنتو لسنوات عديدة، وأثر في عدد كبير من الطلاب، وألهمهم لمتابعة دراساتهم في الفلسفة السياسية. كما كان ناشطاً في قضايا العدالة الاجتماعية، وعمل على تعزيز النقاش حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الكندي.
كان ماكفرسون معلماً وباحثاً ملتزماً. ساهم في تأسيس “مدرسة تورنتو” في النظرية السياسية، التي ركزت على أهمية السياق التاريخي والثقافي في فهم الأفكار السياسية. من خلال عمله في التدريس والنشر، ساعد في تشكيل جيل جديد من المفكرين الذين استمروا في المساهمة في مجال العلوم السياسية.
أهمية إرثه
لا يزال إرث ماكفرسون مهماً في العصر الحديث. في عالم يشهد تزايداً في عدم المساواة الاقتصادية والتحديات التي تواجه الديمقراطية، توفر تحليلاته رؤى قيمة حول العلاقة بين الرأسمالية والديمقراطية. إن تركيزه على الحاجة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، إلى جانب دعوته إلى المشاركة الديمقراطية، لا يزال يتردد صداها مع الباحثين والناشطين على حد سواء.
تعتبر أفكار ماكفرسون ذات صلة خاصة في سياق التحديات التي تواجهها الديمقراطية الليبرالية اليوم. مع تنامي الشعبوية وعدم الثقة في المؤسسات السياسية، يوفر عمله إطاراً لفهم أسباب هذه التحديات، وكيف يمكن مواجهتها. كما أن تركيزه على أهمية المساواة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لا يزال ذا صلة في الوقت الذي تتسع فيه الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
بشكل عام، يعتبر إرث ماكفرسون بمثابة تذكير بأهمية النقد الفكري والمشاركة المدنية. من خلال أعماله، تحدى المفاهيم التقليدية عن الديمقراطية والليبرالية، ودعا إلى مجتمع أكثر عدالة وإنصافاً.
خاتمة
يعتبر سي. بي. ماكفرسون من أهم علماء السياسة في القرن العشرين. قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للديمقراطية الليبرالية والرأسمالية، وكيف تؤثر هذه النظم على بعضها البعض. من خلال تحليلاته العميقة، أثار ماكفرسون نقاشات مهمة حول العدالة الاجتماعية والمساواة، ودعا إلى مجتمع أكثر ديمقراطية وإنصافاً. لا تزال أعماله ذات صلة في العصر الحديث، وتوفر رؤى قيمة حول التحديات التي تواجهها الديمقراطية الليبرالية.