نشأتها وبداياتها
ولدت دينيس في فرنسا، وتلقت تعليمها في البداية في فرنسا. درست التاريخ في جامعة السوربون بباريس، وحصلت على درجة الماجستير في عام 1954. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراستها العليا في علم الآثار. حصلت على درجة الماجستير في علم الآثار من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) في عام 1967، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في علم الآثار من نفس الجامعة في عام 1974.
مسيرتها المهنية
بدأت شمندت بيسيرات مسيرتها المهنية كعالمة آثار في جامعة تكساس في أوستن، حيث عملت كأستاذة وباحثة. ركزت أبحاثها بشكل أساسي على علم الآثار في الشرق الأدنى القديم، وخاصة على أصول الكتابة. بدأت دراسة الرموز الطينية في السبعينيات، وأصبحت مهتمة بشكل خاص بالصلة بين هذه الرموز المبكرة والكتابة المسمارية اللاحقة. قامت بفحص الآلاف من الرموز الطينية من مواقع مختلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق وإيران وسوريا.
اكتشافها للرموز الطينية
يُعتبر عمل شمندت بيسيرات الأكثر شهرة هو بحثها المكثف حول الرموز الطينية، وهي عبارة عن أشياء صغيرة مصنوعة من الطين، كانت تستخدم في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي 8000 قبل الميلاد. اكتشفت شمندت بيسيرات أن هذه الرموز لم تكن مجرد أشياء عشوائية، بل كانت تمثل نظامًا معقدًا للتسجيل استخدم لتدوين المعاملات التجارية والإدارية. قامت بتصنيف الرموز إلى أنواع مختلفة، بناءً على أشكالها ووظائفها. على سبيل المثال، كانت بعض الرموز تمثل أنواعًا مختلفة من الحبوب، في حين كانت أخرى تمثل الحيوانات أو الأدوات أو السلع الأخرى.
نظرية التطور من الرموز إلى الكتابة
تطورت نظرية شمندت بيسيرات حول أصول الكتابة على مدى عدة عقود من البحث. لقد افترضت أن الرموز الطينية كانت بمثابة نظام تسجيل بدائي. في البداية، كانت الرموز بسيطة، وتستخدم لتمثيل الأشياء الفردية. مع مرور الوقت، أصبحت الرموز أكثر تعقيدًا، وبدأ الناس في استخدامها لتمثيل الأفكار والمفاهيم المجردة. في النهاية، تطورت الرموز الطينية إلى الكتابة المسمارية، وهي نظام الكتابة الذي استخدم في بلاد ما بين النهرين القديمة. قدمت شمندت بيسيرات دليلاً على أن هذه الرموز كانت بمثابة السلف المباشر للكتابة من خلال ربطها بالكتابة المسمارية المبكرة. أظهرت أن بعض علامات الكتابة المسمارية كانت مشتقة مباشرة من أشكال الرموز الطينية.
اعتمدت شمندت بيسيرات على مجموعة متنوعة من الأدلة لدعم نظريتها، بما في ذلك:
- الأدلة الأثرية: قامت بفحص الآلاف من الرموز الطينية من مواقع مختلفة، ولوحظت أوجه التشابه بين أشكالها وأشكال علامات الكتابة المسمارية المبكرة.
- الأدلة اللغوية: درست العلاقة بين الرموز الطينية واللغات المستخدمة في بلاد ما بين النهرين القديمة، وأظهرت أن بعض الرموز كانت مرتبطة بكلمات معينة.
- الأدلة السياقية: قامت بتحليل المواقع التي عثرت فيها على الرموز الطينية، ووجدت أن هذه المواقع كانت غالبًا مراكز تجارية أو إدارية.
كانت أطروحة شمندت بيسيرات بأن الرموز الطينية كانت بمثابة “نظام تسجيل” يعود إلى عصور ما قبل الكتابة، أي قبل فترة اختراع الكتابة، والتي استخدمت لتسجيل المعلومات المختلفة مثل السلع والكميات والمعاملات. تعتمد هذه النظرية على حقيقة أنه تم العثور على هذه الرموز في مناطق مختلفة من الشرق الأدنى القديم، وأنها ظهرت في وقت مبكر من الألفية التاسعة قبل الميلاد. قامت شمندت بيسيرات بفحص أكثر من 8000 رمز من 16 موقعًا مختلفًا، وخلصت إلى أن هذه الرموز كانت تمثل نظامًا موحدًا للتسجيل، والذي تطور في النهاية إلى الكتابة.
تأثيرها وأهمية أبحاثها
كان لعمل شمندت بيسيرات تأثير كبير على فهمنا لأصول الكتابة. لقد غيرت نظرتنا إلى الرموز الطينية، وبينت لنا أنها ليست مجرد أشياء تافهة، بل هي نظام تسجيل معقد لعب دورًا حاسمًا في تطور الحضارة. ساعدت أبحاثها على تغيير وجهات النظر حول التطور التاريخي للكتابة، حيث قدمت نموذجًا يربط بين الرموز الطينية المبكرة والكتابة المسمارية اللاحقة. أدت أبحاثها إلى فهم أعمق لكيفية تطور الكتابة كأداة للتعبير عن اللغة وتنظيم المجتمع.
نشرت شمندت بيسيرات العديد من الكتب والمقالات العلمية حول أبحاثها. حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات لعملها، بما في ذلك زمالة غوغنهايم وزمالة من متحف سميثسونيان.
أحد الجوانب الهامة في عملها هو إبرازها لأهمية العلاقة بين التكنولوجيا والثقافة. أظهرت أن تطور الكتابة لم يكن مجرد تطور تقني، بل كان له أيضًا تأثير كبير على الثقافة والمجتمع. أدت الكتابة إلى تغيير جذري في كيفية تفاعل الناس مع العالم، وكيفية تنظيم المعلومات، وكيفية إدارة المجتمعات.
أكدت شمندت بيسيرات على أهمية المنهج متعدد التخصصات في دراسة علم الآثار. استخدمت مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات، بما في ذلك علم الآثار، وعلم اللغويات، وعلم الأنثروبولوجيا، لدراسة أصول الكتابة. هذا النهج سمح لها بالحصول على فهم شامل وشامل للموضوع.
مساهمات إضافية
بالإضافة إلى عملها في مجال أصول الكتابة، قامت شمندت بيسيرات أيضًا بأبحاث حول مواضيع أخرى، بما في ذلك فن ما قبل التاريخ، والفن الإسلامي، والتحف. كما أنها مهتمة بالحفاظ على التراث الثقافي. وقد شاركت في العديد من المشاريع الهادفة إلى الحفاظ على المواقع الأثرية في جميع أنحاء العالم.
عملها لا يزال مؤثرًا في دراسات الحضارات القديمة، ويشجع على مزيد من البحث حول أصول التعبير البشري وتوثيق المعلومات.
نقد وملاحظات
على الرغم من الاعتراف الواسع بعملها، واجهت أبحاث شمندت بيسيرات بعض الانتقادات. يجادل بعض العلماء بأن تفسيرها للرموز الطينية مفرط في التبسيط، وأن هناك عوامل أخرى ساهمت في تطور الكتابة. يرى آخرون أن تسلسلها الزمني لأحداث تطور الكتابة غير دقيق. ومع ذلك، لا يزال عملها يعتبر مساهمة مهمة في فهمنا لأصول الكتابة. تم تحدي بعض جوانب نظريتها بمرور الوقت، لكن إطارها العام لا يزال يحظى بدعم واسع النطاق في الأوساط الأكاديمية.
إرثها
تعتبر دينيس شمندت بيسيرات واحدة من أبرز علماء الآثار في القرن العشرين والحادي والعشرين. لقد تركت بصمة لا تمحى في مجال علم الآثار، وخاصة في دراسة أصول الكتابة. لقد ألهمت أجيالًا من العلماء، ولا تزال أبحاثها تلهم وتوجه الدراسات في هذا المجال.
خاتمة
قدمت دينيس شمندت بيسيرات مساهمات كبيرة في فهمنا لأصول الكتابة، حيث أوضحت أن الرموز الطينية كانت نظامًا سابقًا للكتابة لعب دورًا حاسمًا في تطور الحضارة. أظهرت أبحاثها أن الكتابة لم تظهر فجأة، بل تطورت تدريجياً على مدى آلاف السنين. يعتبر عملها أساسيًا في مجال علم الآثار، وله تأثير كبير على فهمنا للتاريخ البشري.
المراجع
- Schmandt-Besserat, Denise. *How Writing Came About*. University of Texas Press, 1996.
- “Denise Schmandt-Besserat.” *Encyclopaedia Britannica*, 2024.
- “Denise Schmandt-Besserat.” *Center for Middle Eastern Studies, University of Texas at Austin*.
- Schmandt-Besserat, Denise. “The Evolution of Writing.” *Current Anthropology*, Vol. 21, No. 4, 1980.