نشأته وتعليمه
ولد صمويل بولز في نيو هافن، كونيتيكت، الولايات المتحدة الأمريكية. حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة ييل عام 1960، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد عام 1965. خلال دراسته، تأثر بولز بشدة بالفكر الماركسي واليساري، مما انعكس على عمله الأكاديمي اللاحق.
مسيرته المهنية
بدأ بولز مسيرته المهنية كأستاذ مساعد في الاقتصاد بجامعة هارفارد في الفترة من 1965 إلى 1973. ثم انتقل إلى جامعة ماساتشوستس في أمهرست، حيث عمل أستاذًا للاقتصاد من عام 1973 حتى تقاعده. شغل أيضًا منصب أستاذ زائر في العديد من الجامعات المرموقة حول العالم، بما في ذلك جامعة سيينا في إيطاليا، وجامعة برشلونة في إسبانيا، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي. وقد شغل مناصب قيادية في عدة مؤسسات بحثية مرموقة، مثل معهد سانتا في، حيث كان زميلًا متميزًا.
مساهماته الفكرية
تتميز مساهمات بولز الفكرية بالجمع بين التحليل الاقتصادي التقليدي والمنهجيات متعددة التخصصات، مع التركيز على أهمية العوامل المؤسسية والثقافية في تشكيل السلوك الاقتصادي. وقد كان له دور كبير في تطوير ما يسمى بـ”الاقتصاد السلوكي”، الذي يدمج رؤى من علم النفس وعلم الاجتماع في التحليل الاقتصادي. يركز عمله على فهم كيفية عمل الأنظمة الاقتصادية الحقيقية، مع الاهتمام بالتفاعل بين الأفراد والمؤسسات والبيئة. يعتبر بولز من أبرز النقاد للاقتصاد النيوكلاسيكي السائد، حيث يرى أنه يتجاهل في كثير من الأحيان تعقيدات السلوك البشري والقيود المؤسسية.
أبرز مؤلفاته
قام بولز بتأليف أو المشاركة في تأليف العديد من الكتب والمقالات المؤثرة. من بين أبرز مؤلفاته:
- التعليم في أمريكا الرأسمالية (Education in Capitalist America) (بالاشتراك مع هربرت جينتيس، 1976): يحلل الكتاب العلاقة بين النظام التعليمي والطبقات الاجتماعية في الولايات المتحدة، ويوضح كيف يعمل التعليم على إعادة إنتاج التفاوت الاجتماعي.
- عمليات الاختيار: النظرية الاجتماعية للأسواق (Microeconomics: Behavior, Institutions, and Evolution) (بالاشتراك مع يونغ سيك كيم، 1993): يقدم الكتاب نموذجًا بديلاً للتحليل الاقتصادي، يركز على التفاعل بين الأفراد والمؤسسات والبيئة.
- ميكانيكا التفاوت: الاقتصاد السياسي للمجتمع الحديث (Inequality: The Political Economy of the Modern World) (بالاشتراك مع ريتشارد إدواردز وفرانك رامزي، 2006): يستكشف الكتاب أسباب التفاوت الاقتصادي في العالم الحديث، ويحلل تأثير السياسات الحكومية على هذه التفاوتات.
- الاقتصاد والجسد: التفاعل الاجتماعي والانتقاء الثقافي (A Cooperative Species: Human Reciprocity and Its Evolution) (بالاشتراك مع هيربيرت جينتيس، وجون أندرسون، وتيموثي جي إيجرت، 2011): يبحث الكتاب في أصول التعاون البشري، ويقدم تفسيرًا تطوريًا للسلوك الإيثاري والتعاوني.
- الاقتصاد السياسي: كيف يفشل الاقتصاد (The Economy: How it works and how it fails) (بالاشتراك مع كورنيليا أوسينينج، 2019): يقدم الكتاب نظرة عامة شاملة على الاقتصاد، ويوضح كيف يعمل الاقتصاد الحديث، وما هي التحديات التي يواجهها.
نقد الرأسمالية
يُعرف بولز بنقده اللاذع للرأسمالية، ويدعو إلى إصلاحات تهدف إلى تقليل عدم المساواة الاقتصادية وتعزيز العدالة الاجتماعية. وهو يرى أن الرأسمالية، في شكلها الحالي، تميل إلى إنتاج التفاوت، وأن المؤسسات الاجتماعية والسياسية يجب أن تُصمم للحد من هذه التفاوتات. وقد انتقد بشدة العولمة الليبرالية الجديدة، التي يرى أنها أدت إلى تفاقم عدم المساواة وتآكل شبكات الأمان الاجتماعي.
الاقتصاد التطوري والسلوكي
ساهم بولز بشكل كبير في تطوير الاقتصاد التطوري والاقتصاد السلوكي. يعتمد الاقتصاد التطوري على مبادئ التطور البيولوجي لفهم السلوك الاقتصادي، مع التركيز على التغيرات التدريجية والتكيف مع البيئة. بينما يركز الاقتصاد السلوكي على دراسة كيفية تأثير العوامل النفسية والاجتماعية والمعرفية على اتخاذ القرارات الاقتصادية. وقد استخدم بولز هذه المنهجيات لشرح مجموعة واسعة من الظواهر الاقتصادية، من سلوك المستهلك إلى سلوك الشركات.
نظرية اللعبة
استخدم بولز نظرية اللعبة لتحليل مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية. نظرية اللعبة هي إطار رياضي لتحليل التفاعل الاستراتيجي بين الأفراد والمنظمات. وقد استخدم بولز نظرية اللعبة لفهم قضايا مثل التعاون، والنزاع، والتحفيز، والتنسيق. من خلال تطبيق نظرية اللعبة، تمكن بولز من الحصول على رؤى جديدة حول كيفية عمل المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية.
التعاون الاجتماعي
أحد الجوانب الرئيسية في عمل بولز هو تركيزه على التعاون الاجتماعي. يرى بولز أن التعاون هو سمة أساسية من سمات الطبيعة البشرية، وأن التعاون يلعب دورًا حاسمًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد أجرى بولز وباحثون آخرون العديد من التجارب لتوضيح كيف يمكن للتعاون أن يزدهر حتى في المواقف التي يكون فيها الأفراد مدفوعين بالمصلحة الذاتية. وقد أظهرت هذه التجارب أن الثقة، والإنصاف، والتعاون يمكن أن تكون لها فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة.
الاقتصاد والبيئة
يهتم بولز أيضًا بالعلاقة بين الاقتصاد والبيئة. يرى بولز أن التدهور البيئي يمثل تحديًا خطيرًا يتطلب اتخاذ إجراءات جماعية. ويدعو إلى تبني سياسات بيئية فعالة، مثل الضرائب على الكربون، واللوائح التنظيمية، والاستثمار في التقنيات الخضراء. ويعتقد أن هذه السياسات ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة.
الجدل والنقد
أثار عمل بولز جدلاً في الأوساط الأكاديمية والسياسية. فقد تعرض لانتقادات من قبل الاقتصاديين النيوكلاسيكيين بسبب نقده للرأسمالية وتركيزه على العوامل المؤسسية والثقافية. ومع ذلك، حظي عمله أيضًا بتقدير كبير من قبل الاقتصاديين التقدميين وغيرهم من الباحثين الذين يقدرون مساهماته في تطوير الاقتصاد السياسي والاقتصاد السلوكي. وقد اتُهم أحيانًا بالتبسيط المفرط للظواهر الاقتصادية المعقدة، أو التركيز على وجهات نظر أيديولوجية معينة.
الجوائز والتكريمات
حصل بولز على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته المهنية، بما في ذلك:
- زمالة جوجنهايم.
- جائزة ليونتييف للتقدم في حدود الفكر الاقتصادي (2006).
مساهمته في السياسة العامة
بالإضافة إلى عمله الأكاديمي، كان بولز ناشطًا في مجال السياسة العامة. وقد قدم المشورة للعديد من الحكومات والمنظمات الدولية بشأن قضايا مثل التنمية الاقتصادية، والتعليم، والبيئة. كما شارك في العديد من المناقشات العامة حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
التوجهات المستقبلية في عمله
يواصل بولز البحث في مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية. ومن بين المجالات التي يركز عليها في عمله الحالي:
- أبحاث حول عدم المساواة الاقتصادية وتأثيرها على المجتمع.
- تحليل العلاقة بين الاقتصاد والبيئة.
- استكشاف أصول التعاون البشري.
- دراسة دور المؤسسات الاجتماعية في تشكيل السلوك الاقتصادي.
خاتمة
صمويل بولز هو اقتصادي أمريكي مؤثر، اشتهر بمساهماته في الاقتصاد السياسي، والاقتصاد السلوكي، والاقتصاد التطوري. قدم بولز رؤى قيمة حول قضايا مثل عدم المساواة الاقتصادية، والعلاقة بين الاقتصاد والمؤسسات الاجتماعية، وتأثير الثقافة على السلوك الاقتصادي. من خلال عمله، تحدى بولز الاقتصاد السائد وقدم بديلاً أكثر شمولية وتعقيدًا لفهم الاقتصاد والمجتمع. عمله مستمر في التأثير على الفكر الاقتصادي والسياسة العامة حتى يومنا هذا.