مقدمة
كنيسة إنجلترا المستمرة هي جزء من الحركة الأنجليكانية المستمرة، وهي حركة نشأت كرد فعل على التغييرات الليبرالية والتقدمية التي طرأت على الكنيسة الأسقفية الأمريكية (الكنيسة الأنجليكانية في الولايات المتحدة) وكنيسة إنجلترا الأم. على الرغم من أن الكنيسة كانت موضوع نقاش واسع في الأوساط الدينية واللاهوتية، إلا أنها غالبًا ما تظل غير معروفة للكثيرين خارج هذه الدوائر. يهدف هذا المقال إلى تقديم نظرة شاملة على كنيسة إنجلترا المستمرة، وتاريخها، ومعتقداتها، وممارساتها، ومكانتها في المشهد الديني المعاصر.
تاريخ الحركة الأنجليكانية المستمرة
تعود جذور الحركة الأنجليكانية المستمرة إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما بدأت الكنيسة الأسقفية الأمريكية في اتخاذ قرارات أثارت جدلاً واسعًا بين المحافظين. من بين هذه القرارات كان السماح برسامات النساء كقساوسة والسماح بزواج المثليين. اعتبر العديد من الأنجليكانيين هذه القرارات بمثابة خروج عن التعاليم الكتابية والتقاليد الكنسية الراسخة.
في عام 1977، اجتمع حوالي 2000 من الأنجليكانيين المحافظين في سانت لويس بولاية ميسوري، وعقدوا “مؤتمر سانت لويس”. أعلنوا في هذا المؤتمر عن “تأكيد سانت لويس”، وهو وثيقة تحدد المبادئ الأساسية للإيمان الأنجليكاني التقليدي. كما قرروا تأسيس كنائس جديدة تلتزم بهذه المبادئ، مما أدى إلى ولادة الحركة الأنجليكانية المستمرة.
منذ ذلك الحين، تشكلت العديد من الكنائس والمنظمات الأنجليكانية المستمرة حول العالم. تختلف هذه الكنائس في هياكلها وإدارتها، ولكنها تتفق في التزامها بالإيمان الأنجليكاني التقليدي.
معتقدات كنيسة إنجلترا المستمرة
تعتمد كنيسة إنجلترا المستمرة على مجموعة من المعتقدات الأساسية التي تميزها عن غيرها من الطوائف المسيحية. تشمل هذه المعتقدات:
- الكتاب المقدس: تعتبر الكنيسة الكتاب المقدس هو الكلمة الموحى بها من الله، وهو السلطة العليا في الأمور المتعلقة بالإيمان والممارسة.
- التقاليد الكنسية: تؤمن الكنيسة بأهمية التقاليد الكنسية، وخاصة تلك التي تعود إلى الكنيسة الجامعة في القرون الأولى. تعتبر هذه التقاليد بمثابة دليل وتفسير للكتاب المقدس.
- العقائد المسكونية: تلتزم الكنيسة بالعقائد المسكونية التي أقرتها المجامع المسكونية في القرون الأولى، مثل عقيدة نيقية وعقيدة خلقيدونية. هذه العقائد تحدد طبيعة الله وطبيعة المسيح.
- القداس: تعتبر الكنيسة القداس (أو الإفخارستيا) هو محور العبادة المسيحية. تؤمن الكنيسة بالحضور الحقيقي للمسيح في الخبز والخمر المكرسين.
- الأسرار المقدسة: تعترف الكنيسة بسبعة أسرار مقدسة: المعمودية، والتثبيت، والإفخارستيا، والتوبة، ومسحة المرضى، والكهنوت، والزواج.
الممارسات الليتورجية
تتبع كنيسة إنجلترا المستمرة ممارسات ليتورجية تقليدية تعكس تاريخ الكنيسة الأنجليكانية. تستخدم الكنيسة عادةً كتاب الصلاة المشتركة (Book of Common Prayer)، وهو مجموعة من الصلوات والطقوس التي تعود إلى القرن السادس عشر. تختلف الطبعات المستخدمة من كتاب الصلاة المشتركة بين الكنائس المختلفة داخل الحركة المستمرة، ولكنها جميعًا تعكس التركيز على العبادة المنظمة والطقوس التقليدية.
تتميز الخدمات الليتورجية في كنيسة إنجلترا المستمرة بالآتي:
- القراءات الكتابية: تتضمن الخدمات قراءات من العهد القديم والعهد الجديد.
- الترانيم والتراتيل: تستخدم الكنيسة الترانيم والتراتيل التقليدية التي تعود إلى قرون مضت.
- العظة: يقدم القس عظة بناءً على القراءات الكتابية.
- القداس: يحتفل بالقداس في معظم الخدمات، حيث يتناول المؤمنون الخبز والخمر المكرسين.
قضايا مثيرة للجدل
واجهت كنيسة إنجلترا المستمرة العديد من القضايا المثيرة للجدل على مر السنين. بعض هذه القضايا تشمل:
- رسامة النساء: تعارض معظم كنائس الحركة المستمرة رسامة النساء كقساوسة أو أساقفة.
- زواج المثليين: ترفض الكنيسة زواج المثليين وتعتبره مخالفًا للكتاب المقدس.
- الإجهاض: تعارض الكنيسة الإجهاض وتعتبره جريمة قتل.
- اللاهوت الليبرالي: ترفض الكنيسة اللاهوت الليبرالي وتعتبره انحرافًا عن الإيمان المسيحي التقليدي.
أدت هذه القضايا المثيرة للجدل إلى انقسامات داخل الحركة الأنجليكانية المستمرة، حيث تشكلت كنائس جديدة تتبنى مواقف مختلفة بشأن هذه القضايا.
التحديات التي تواجه كنيسة إنجلترا المستمرة
تواجه كنيسة إنجلترا المستمرة العديد من التحديات في العصر الحديث. من بين هذه التحديات:
- صغر حجم الحركة: بالمقارنة مع الطوائف المسيحية الأخرى، فإن الحركة الأنجليكانية المستمرة صغيرة نسبيًا. هذا يجعل من الصعب عليها الحفاظ على مؤسساتها ودعمها المالي.
- الانقسامات الداخلية: أدت الخلافات حول القضايا المثيرة للجدل إلى انقسامات داخل الحركة، مما أضعفها.
- التغيرات الثقافية: تواجه الكنيسة صعوبة في التكيف مع التغيرات الثقافية السريعة في المجتمع الحديث.
- نقص الكهنة: تعاني الكنيسة من نقص في عدد الكهنة المؤهلين للخدمة.
مستقبل كنيسة إنجلترا المستمرة
على الرغم من التحديات التي تواجهها، إلا أن كنيسة إنجلترا المستمرة لا تزال ملتزمة بالحفاظ على الإيمان الأنجليكاني التقليدي. تسعى الكنيسة إلى الوصول إلى جيل جديد من المؤمنين وتعليمهم تعاليم الكتاب المقدس والتقاليد الكنسية. كما تسعى الكنيسة إلى بناء علاقات مع الكنائس المسيحية الأخرى التي تشاركها نفس القيم والمعتقدات.
يعتمد مستقبل كنيسة إنجلترا المستمرة على قدرتها على التغلب على التحديات التي تواجهها والتكيف مع التغيرات في المجتمع الحديث. إذا تمكنت الكنيسة من القيام بذلك، فقد يكون لها دور مهم في الحفاظ على الإيمان المسيحي التقليدي في القرن الحادي والعشرين.
مكانة الكنيسة في المشهد الديني المعاصر
تعتبر كنيسة إنجلترا المستمرة جزءًا من مشهد ديني متنوع ومتغير باستمرار. تحتل الكنيسة مكانة فريدة من نوعها، حيث تجمع بين التزامها بالإيمان المسيحي التقليدي ورغبتها في الحفاظ على التراث الأنجليكاني الغني. في الوقت الذي تشهد فيه العديد من الكنائس الأخرى انخفاضًا في عدد أعضائها وتغييرًا في معتقداتها، تسعى كنيسة إنجلترا المستمرة إلى البقاء وفية لجذورها ومبادئها.
على الرغم من صغر حجمها، إلا أن الكنيسة تساهم في الحوار الديني واللاهوتي من خلال نشر الكتب والمقالات وتنظيم المؤتمرات والندوات. كما تشارك الكنيسة في الأعمال الخيرية والاجتماعية، وتسعى إلى خدمة المحتاجين والمحرومين.
خاتمة
كنيسة إنجلترا المستمرة هي حركة دينية نشأت كرد فعل على التغييرات الليبرالية في الكنيسة الأسقفية الأمريكية وكنيسة إنجلترا. تلتزم الكنيسة بالإيمان الأنجليكاني التقليدي، وتعتبر الكتاب المقدس والتقاليد الكنسية هما السلطة العليا في الأمور المتعلقة بالإيمان والممارسة. تواجه الكنيسة العديد من التحديات، ولكنها لا تزال ملتزمة بالحفاظ على الإيمان المسيحي التقليدي في القرن الحادي والعشرين.