حياته المبكرة وتعليمه
ولد يوحنا الجندلي في جاندان، وهي بلدة صغيرة تقع في منطقة أردين بفرنسا، حوالي عام 1285. لا تتوفر معلومات تفصيلية عن عائلته أو نشأته. بدأ تعليمه في باريس، حيث درس الفنون الحرة في جامعة باريس. هناك، تعمق في دراسة الفلسفة الأرسطية، ولا سيما أعمال أرسطو التي شرحها ابن رشد. أصبح الجندلي مُلمًا بالفلسفة الآڤيروئية، وهي تفسير لأرسطو يؤكد على دور العقل والاستقلالية الفلسفية عن اللاهوت.
بعد إكمال دراسته في الفنون الحرة، انتقل يوحنا الجندلي إلى دراسة اللاهوت. ومع ذلك، يبدو أنه لم يكمل دراساته اللاهوتية أو لم يحصل على درجة علمية في هذا المجال. بدلاً من ذلك، ركز على تدريس الفلسفة والمنطق في جامعة باريس، حيث اكتسب سمعة طيبة كمعلم متميز وعالم متمكن.
الفكر الآڤيروئي
يُعد يوحنا الجندلي من أبرز المدافعين عن الآڤيروئية اللاتينية، وهي حركة فلسفية ازدهرت في أوروبا خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. استندت الآڤيروئية إلى تفسيرات ابن رشد لأعمال أرسطو، والتي قدمت رؤية عقلانية ومنطقية للعالم. أكد الآڤيروئيون على دور العقل في فهم الحقائق، واعتبروا أن الفلسفة مستقلة عن اللاهوت. من بين الأفكار الرئيسية المرتبطة بالآڤيروئية:
- وحدة العقل: الاعتقاد بأن هناك عقلًا واحدًا مشتركًا بين جميع البشر، وأن هذا العقل هو الذي يفهم الحقائق الكونية.
- أزلية العالم: الاعتقاد بأن العالم موجود منذ الأزل، وأنه لم يخلق في زمن معين.
- محدودية المعرفة البشرية: الاعتراف بأن العقل البشري محدود، وأنه لا يستطيع فهم جميع الحقائق.
عارضت الكنيسة الكاثوليكية العديد من هذه الأفكار، واعتبرتها تتعارض مع العقيدة المسيحية. ومع ذلك، استمرت الآڤيروئية في الانتشار بين المثقفين في الجامعات الأوروبية، وأثرت في تطور الفكر الفلسفي والعلمي.
النشاط السياسي
لم يقتصر اهتمام يوحنا الجندلي على الفلسفة واللاهوت، بل انخرط أيضًا في السياسة. كان من المؤيدين المتحمسين لسلطة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وعارض تدخل البابوية في الشؤون السياسية. لعب دورًا مهمًا في الصراع بين الإمبراطور لودفيج الرابع والبابا يوحنا الثاني والعشرين.
في عام 1324، كتب يوحنا الجندلي مع مارسيليوس البادواني كتابًا بعنوان “المدافع عن السلام” (Defensor Pacis)، وهو عمل سياسي مهم يدافع عن استقلالية السلطة الزمنية عن السلطة الروحية. جادل الكتاب بأن السلطة السياسية يجب أن تستند إلى إرادة الشعب، وأن الإمبراطور يجب أن يكون مسؤولاً أمام الشعب وليس أمام البابا. أثار الكتاب جدلاً واسعًا، وأدانه البابا يوحنا الثاني والعشرين.
المنفى والوفاة
بسبب دعمه للإمبراطور لودفيج الرابع وأفكاره السياسية المثيرة للجدل، اضطر يوحنا الجندلي إلى مغادرة باريس والذهاب إلى المنفى. انضم إلى بلاط الإمبراطور في ميونيخ، حيث استمر في الكتابة والتدريس. توفي في ميونيخ عام 1328.
أعماله الرئيسية
ترك يوحنا الجندلي عددًا من الأعمال الفلسفية والسياسية المهمة، من بينها:
- “المدافع عن السلام” (Defensor Pacis): كتب بالاشتراك مع مارسيليوس البادواني، ويدافع عن استقلالية السلطة الزمنية عن السلطة الروحية.
- تعليقات على كتاب “السماء” لأرسطو: يقدم تفسيرًا شاملاً لكتاب أرسطو عن الكون.
- تعليقات على كتاب “النفس” لأرسطو: يقدم تحليلًا فلسفيًا لطبيعة الروح والعقل.
- أسئلة حول كتاب “الميتافيزيقا” لأرسطو: يناقش بعض القضايا الفلسفية الرئيسية التي أثارها أرسطو في كتابه “الميتافيزيقا”.
تأثيره
كان ليوحنا الجندلي تأثير كبير على الفكر الفلسفي والسياسي في العصور الوسطى المتأخرة. ساهم في نشر الآڤيروئية اللاتينية، ودافع عن استقلالية العقل والفلسفة عن اللاهوت. أثرت أفكاره السياسية في تطور نظرية السيادة الشعبية، وساهمت في تقويض سلطة البابوية.
على الرغم من أن أفكاره أثارت جدلاً واسعًا، إلا أن يوحنا الجندلي يُعتبر شخصية مهمة في تاريخ الفكر الأوروبي. لقد كان مدافعًا قويًا عن العقل والحرية الفكرية، وترك إرثًا دائمًا في الفلسفة والسياسة.
خاتمة
كان يوحنا الجندلي فيلسوفًا ولاهوتيًا وكاتبًا سياسيًا فرنسيًا بارزًا في القرن الرابع عشر. لعب دورًا مهمًا في نشر الآڤيروئية اللاتينية، ودافع عن استقلالية العقل والفلسفة عن اللاهوت. أثرت أفكاره السياسية في تطور نظرية السيادة الشعبية، وساهمت في تقويض سلطة البابوية. على الرغم من أن أفكاره أثارت جدلاً واسعًا، إلا أنه يُعتبر شخصية مهمة في تاريخ الفكر الأوروبي.