مقدمة
روبرت رانولف ماريت (13 يونيو 1866 – 18 فبراير 1943) كان عالم إثنولوجيا بريطانيًا ومؤيدًا للمدرسة التطورية البريطانية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية. اشتهر ماريت بعمله في مجال الدين، وخاصة نظريته حول “ما قبل التدين” (Preanimism) التي اقترحها كخطوة أولية في تطور المعتقدات الدينية. كان له تأثير كبير على دراسة الأنثروبولوجيا في أوائل القرن العشرين، وقدم مساهمات هامة في فهمنا للثقافة والمجتمع.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد روبرت رانولف ماريت في جيرسي، إحدى جزر القنال الإنجليزي. تلقى تعليمه في كلية فيكتوريا في جيرسي، ثم التحق بكلية باليول في جامعة أكسفورد، حيث درس الكلاسيكيات والفلسفة. تفوق ماريت في دراسته، وحصل على مرتبة الشرف الأولى في الكلاسيكيات. خلال فترة وجوده في أكسفورد، بدأ يهتم بالأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، وتأثر بشكل خاص بأعمال إدوارد بورنيت تايلور وجيمس جورج فريزر، وهما من الشخصيات البارزة في الأنثروبولوجيا التطورية.
مسيرته الأكاديمية
بعد تخرجه من أكسفورد، بقي ماريت في الجامعة كباحث ومحاضر. في عام 1910، تم تعيينه محاضرًا جامعيًا في الأنثروبولوجيا، وفي عام 1914 أصبح أول رئيس لقسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية في أكسفورد. شغل هذا المنصب حتى تقاعده في عام 1936. خلال مسيرته الأكاديمية، قام ماريت بتدريس أجيال من الطلاب وأشرف على العديد من الأبحاث الهامة في مجال الأنثروبولوجيا. كان له تأثير كبير على تطوير الأنثروبولوجيا كعلم مستقل في بريطانيا.
نظرية ما قبل التدين (Preanimism)
من أبرز مساهمات ماريت في الأنثروبولوجيا هي نظريته حول “ما قبل التدين”. انتقد ماريت النظريات السائدة في عصره، وخاصة نظرية الأرواحية (Animism) التي طرحها إدوارد تايلور، والتي تعتبر أن الاعتقاد بالأرواح هو الشكل الأولي للدين. رأى ماريت أن الأرواحية تفترض وجود قدر كبير من التفكير المجرد والمنطقي لدى الشعوب البدائية، وهو ما اعتبره غير واقعي. بدلاً من ذلك، اقترح ماريت أن هناك مرحلة سابقة على الأرواحية، وهي مرحلة “ما قبل التدين”، حيث يكون التركيز على قوة أو طاقة غير شخصية، تسمى “مانا” (Mana)، منتشرة في الكون. يعتقد ماريت أن هذه القوة يمكن أن تسكن في الأشياء والأشخاص والأماكن، وتؤثر على حياتهم بطرق مختلفة. يمكن أن تكون المانا إيجابية أو سلبية، ويمكن استغلالها أو تجنبها من خلال الطقوس والشعائر.
وفقًا لماريت، فإن الشعوب البدائية لا تفكر في المانا كمفهوم مجرد، بل تشعر بها وتختبرها بشكل مباشر. إنها قوة غامضة ومخيفة، تثير الرهبة والدهشة. من خلال الطقوس والشعائر، تحاول الشعوب البدائية السيطرة على المانا أو استرضاءها، وبالتالي ضمان سلامتها ورفاهيتها. يرى ماريت أن هذه المشاعر والتجارب هي الأساس الذي يقوم عليه الدين، وأن الاعتقاد بالأرواح هو مجرد تطور لاحق.
على الرغم من أن نظرية ماريت حول “ما قبل التدين” قد تعرضت للانتقاد، إلا أنها أثرت بشكل كبير على دراسة الدين والأنثروبولوجيا. لقد لفتت الانتباه إلى أهمية المشاعر والتجارب في تشكيل المعتقدات الدينية، وساعدت في فهمنا للدين كظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه.
مؤلفاته الرئيسية
- The Threshold of Religion (1909): يعتبر هذا الكتاب من أهم أعمال ماريت، حيث يعرض فيه نظريته حول “ما قبل التدين” ويناقش تطور المعتقدات الدينية من منظور أنثروبولوجي.
- Anthropology (1912): يقدم هذا الكتاب مقدمة شاملة لعلم الأنثروبولوجيا، ويغطي مختلف جوانب الثقافة والمجتمع.
- Psychology and Folklore (1920): يستكشف هذا الكتاب العلاقة بين علم النفس والفولكلور، ويدرس كيف تؤثر العمليات النفسية على تشكيل المعتقدات والتقاليد الشعبية.
- Faith, Hope, and Charity in Primitive Religion (1932): يدرس هذا الكتاب دور الإيمان والأمل والإحسان في الأديان البدائية، ويناقش كيف تساهم هذه القيم في تماسك المجتمع ورفاهيته.
تأثيره وإرثه
كان لروبرت رانولف ماريت تأثير كبير على دراسة الأنثروبولوجيا في أوائل القرن العشرين. لقد ساهم في تطوير الأنثروبولوجيا كعلم مستقل في بريطانيا، وقدم مساهمات هامة في فهمنا للثقافة والمجتمع والدين. كانت نظريته حول “ما قبل التدين” مثيرة للجدل، لكنها لفتت الانتباه إلى أهمية المشاعر والتجارب في تشكيل المعتقدات الدينية. قام ماريت بتدريس أجيال من الطلاب وأشرف على العديد من الأبحاث الهامة، وترك إرثًا دائمًا في مجال الأنثروبولوجيا.
انتقادات لنظرياته
على الرغم من تأثير روبرت رانولف ماريت الكبير في مجال الأنثروبولوجيا، إلا أن نظرياته لم تخلُ من الانتقادات. فيما يلي بعض الانتقادات الرئيسية التي وُجهت إلى نظرياته:
- عمومية مفهوم “مانا”: يرى بعض النقاد أن مفهوم “مانا” الذي طرحه ماريت كان عامًا وفضفاضًا للغاية، مما جعله غير قابل للاختبار التجريبي. يعتقدون أن ماريت لم يقدم تعريفًا واضحًا ومحددًا للمانا، مما جعل من الصعب تحديد ما إذا كان موجودًا بالفعل وكيف يعمل.
- التبسيط الزائد لتطور الدين: يرى البعض الآخر أن نظرية ماريت حول تطور الدين كانت مبسطة للغاية، وأنها لم تأخذ في الاعتبار التنوع الكبير في المعتقدات والممارسات الدينية عبر الثقافات المختلفة. يعتقدون أن ماريت افترض وجود مسار تطوري خطي للدين، وهو ما يعتبر غير دقيق وغير واقعي.
- التركيز المفرط على المشاعر: يرى بعض النقاد أن ماريت ركز بشكل مفرط على دور المشاعر في تشكيل المعتقدات الدينية، وأنه تجاهل دور العقل والتفكير المنطقي. يعتقدون أن ماريت قلل من أهمية القدرة المعرفية لدى الشعوب البدائية، وأنه صورهم على أنهم كائنات عاطفية وغير عقلانية.
- التحيز التطوري: يتهم بعض النقاد ماريت بالتحيز نحو النظرية التطورية، وأنه حاول فرض هذه النظرية على جميع الثقافات والمجتمعات. يعتقدون أن ماريت لم يكن منفتحًا بما فيه الكفاية على وجهات النظر الأخرى، وأنه كان مدفوعًا برغبته في إثبات صحة النظرية التطورية.
على الرغم من هذه الانتقادات، لا يزال عمل ماريت يحظى بالتقدير والاحترام في مجال الأنثروبولوجيا. لقد ساهم في تطوير فهمنا للدين والثقافة، وترك إرثًا دائمًا في هذا المجال.
خاتمة
كان روبرت رانولف ماريت شخصية بارزة في مجال الأنثروبولوجيا، ومؤيدًا قويًا للمدرسة التطورية البريطانية. على الرغم من أن نظريته حول “ما قبل التدين” قد تعرضت للانتقاد، إلا أنها أثرت بشكل كبير على دراسة الدين والأنثروبولوجيا. ساهم ماريت في تطوير الأنثروبولوجيا كعلم مستقل، وقدم مساهمات هامة في فهمنا للثقافة والمجتمع. لا يزال عمله يدرس ويناقش حتى اليوم، مما يدل على أهميته الدائمة في مجال الأنثروبولوجيا.