مقدمة
مكرتيش خريميان (بالأرمنية: Մկրտիչ Խրիմեան)، المعروف أيضًا باسم خريميان هايريك (بالأرمنية: Խրիմեան Հայրիկ) أي “الأب خريميان”، كان شخصية بارزة في تاريخ الكنيسة الأرمنية الرسولية والمجتمع الأرمني بشكل عام. ولد في 4 أبريل 1820 وتوفي في 29 أكتوبر 1907، وقد ترك بصمة لا تمحى كزعيم ديني، ومربٍ، وناشر، وشخصية وطنية مؤثرة. كان له دور فعال في النهضة الثقافية والوطنية الأرمنية في القرن التاسع عشر، وعمل بلا كلل من أجل تحسين حياة الأرمن تحت الحكم العثماني والروسي.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد مكرتيش خريميان في مدينة وان، وهي مدينة تاريخية تقع في أرمينيا الغربية (تركيا حاليًا). تلقى تعليمه الأولي في المدارس المحلية، حيث أظهر نبوغًا مبكرًا وشغفًا بالمعرفة. أدرك والداه إمكاناته وقرروا إرساله إلى دير سورب خاتش في وان، وهو مركز ديني وتعليمي مهم في المنطقة. هناك، درس تحت إشراف علماء لاهوتيين بارزين، وتعمق في دراسة الكتاب المقدس واللاهوت والفلسفة والتاريخ الأرمني. أتقن أيضًا العديد من اللغات، بما في ذلك الأرمنية القديمة والحديثة والتركية والفرنسية.
بعد الانتهاء من دراسته في دير سورب خاتش، سافر خريميان إلى إيتشميادزين، المقر الرئيسي للكنيسة الأرمنية الرسولية، لمواصلة تعليمه. درس هناك في المدرسة اللاهوتية المرموقة، حيث تلقى تدريبًا إضافيًا في اللاهوت والفلسفة واللغات. خلال فترة وجوده في إيتشميادزين، تعرف على العديد من المثقفين والقادة الدينيين المؤثرين، الذين ألهموه لخدمة شعبه وكنيسته.
مسيرته المهنية كناشر ومعلم
في عام 1855، عاد خريميان إلى وان وأسس مطبعة ومدرسة. كانت المطبعة بمثابة وسيلة لنشر الكتب والمقالات التي تهدف إلى تعزيز التعليم والثقافة الأرمنية. كانت المدرسة بمثابة مركز للتعليم، حيث قام بتدريس اللغة الأرمنية والتاريخ والأدب والدين. من خلال هذه المبادرات، سعى خريميان إلى إحياء الوعي الوطني والهوية الثقافية بين الأرمن.
كانت صحيفة “نسر آرتزفوي” (بالأرمنية: Արծուի Վասպուրական) من أهم منشورات خريميان. لعبت هذه الصحيفة دورًا حاسمًا في نشر الأفكار الوطنية والتنويرية بين الأرمن. كتبت الصحيفة عن قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة، وشجعت الأرمن على التوحد والعمل من أجل حقوقهم ومستقبلهم. كما انتقدت الصحيفة الفساد والظلم في المجتمع الأرمني، ودعت إلى الإصلاح والتغيير.
دوره كزعيم ديني
في عام 1869، تم انتخاب خريميان أسقفًا لمدينة وان. شغل هذا المنصب لمدة عشر سنوات، وخلال هذه الفترة عمل بلا كلل من أجل تحسين الظروف المعيشية للأرمن في المنطقة. قام ببناء المدارس والمستشفيات ودور الأيتام، وقدم الدعم المالي للفقراء والمحتاجين. كما دافع عن حقوق الأرمن أمام السلطات العثمانية، وعمل على حماية ممتلكاتهم وأرواحهم.
في عام 1892، انتخب خريميان بطريركًا للقسطنطينية، وهو المنصب الثاني من حيث الأهمية في الكنيسة الأرمنية الرسولية. خلال فترة ولايته كبطريرك، واجه خريميان العديد من التحديات، بما في ذلك تصاعد العنف والاضطهاد ضد الأرمن في الإمبراطورية العثمانية. ومع ذلك، ظل ثابتًا في التزامه بخدمة شعبه، ودعا إلى السلام والمصالحة بين الأرمن والأتراك.
في عام 1903، انتخب خريميان كاثوليكوسًا لعموم الأرمن، وهو أعلى منصب في الكنيسة الأرمنية الرسولية. شغل هذا المنصب حتى وفاته في عام 1907. خلال فترة ولايته ككاثوليكوس، عمل خريميان على تعزيز الوحدة والتضامن بين الأرمن في جميع أنحاء العالم. كما دافع عن حقوق الأرمن أمام القوى الكبرى، ودعا إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن.
أقواله ومواقفه
اشتهر مكرتيش خريميان بحكمته وشجاعته وبلاغته. كان له العديد من الأقوال المأثورة التي ألهمت الأرمن على مر الأجيال. من بين أشهر أقواله: “عندما يكون الظلم قانونًا، يصبح التمرد واجبًا”. تعكس هذه العبارة إيمانه القوي بالعدالة وحقه في مقاومة الظلم.
كما اشتهر خريميان بموقفه الحازم ضد الفساد والظلم. لم يخشَ انتقاد المسؤولين الفاسدين أو التحدث علنًا ضد الظلم. وقد أكسبه هذا الاحترام والإعجاب من قبل العديد من الأرمن، ولكنه جعله أيضًا هدفًا لأعدائه.
إحدى القصص المشهورة التي تظهر شجاعة خريميان هي عندما سافر إلى برلين في عام 1878 لحضور مؤتمر برلين. كان المؤتمر يهدف إلى حل القضايا التي نشأت عن الحرب الروسية التركية. كان خريميان يأمل في إقناع القوى الكبرى بدعم استقلال أرمينيا. ومع ذلك، قوبلت جهوده بالفشل. بعد المؤتمر، ألقى خريميان خطابًا شهيرًا أمام الأرمن في القسطنطينية، حيث حثهم على الاعتماد على قوتهم الخاصة والكفاح من أجل حريتهم.
إرثه وتأثيره
يعتبر مكرتيش خريميان شخصية بارزة في التاريخ الأرمني. كان له تأثير عميق على الكنيسة الأرمنية الرسولية والمجتمع الأرمني بشكل عام. يُذكر لعمله كناشر ومعلم وزعيم ديني وشخصية وطنية. لقد ألهم الأرمن على مر الأجيال، ولا يزال إرثه يلهم الناس حتى يومنا هذا.
تعتبر صحيفة “نسر آرتزفوي” التي أسسها خريميان مثالًا على التزامه بالتعليم والتنوير. كانت الصحيفة بمثابة منبر لنشر الأفكار الوطنية والتنويرية بين الأرمن. كما كانت بمثابة وسيلة لانتقاد الفساد والظلم في المجتمع الأرمني. لعبت الصحيفة دورًا حاسمًا في النهضة الثقافية والوطنية الأرمنية في القرن التاسع عشر.
كما يُذكر خريميان لعمله كزعيم ديني. شغل مناصب مهمة في الكنيسة الأرمنية الرسولية، بما في ذلك أسقف وان وبطريرك القسطنطينية وكاثوليكوس عموم الأرمن. خلال فترة ولايته، عمل بلا كلل من أجل تحسين الظروف المعيشية للأرمن في جميع أنحاء العالم. كما دافع عن حقوق الأرمن أمام القوى الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك، يُذكر خريميان لموقفه الحازم ضد الفساد والظلم. لم يخشَ انتقاد المسؤولين الفاسدين أو التحدث علنًا ضد الظلم. وقد أكسبه هذا الاحترام والإعجاب من قبل العديد من الأرمن، ولكنه جعله أيضًا هدفًا لأعدائه.
خاتمة
مكرتيش خريميان كان شخصية بارزة في التاريخ الأرمني، ترك إرثًا غنيًا من التعليم، والقيادة الدينية، والنضال من أجل العدالة. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الأرمن كرمز للأمل والصمود والإيمان.