مقدمة
الحاخام ترفون أو ترفون (باليونانية: Τρύφων Tryphon، وتعني حرفيًا “من يعيش في رفاهية”)، وهو كوهين (من سلالة الكهنة)، كان عضوًا في الجيل الرابع من التنائيم (حكماء المشناه). عاش في فترة ما بين عامي 70 و 135 م. يُذكر ترفون في المشناه والتلمود كشخصية بارزة في الفقه اليهودي، ويُعرف بتواضعه وثروته.
حياته وسيرته
لا تتوفر الكثير من التفاصيل الموثقة حول حياة الحاخام ترفون المبكرة. يُعتقد أنه ولد في اللد أو بالقرب منها، في منطقة يهودا. كان من سلالة الكهنة (كوهين)، وهو ما يشير إلى انتمائه إلى عائلة ذات مكانة دينية مرموقة. يُذكر أنه كان ثريًا جدًا، ويُستدل على ذلك من اسمه اليوناني “تريفون” الذي يعني “من يعيش في رفاهية”، وكذلك من بعض القصص التي تُروى عنه في التلمود.
كان ترفون تلميذًا للحاخام يوشع بن حنانيا، أحد كبار حكماء جيله. يُذكر أنه كان يتمتع بعلاقة وثيقة بمعلمه، وكان يقدر آراءه وأحكامه الفقهية. بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أنه كان على معرفة بالحاخام عكيفا، أحد أبرز الشخصيات في الفقه اليهودي في ذلك العصر، على الرغم من عدم وجود دليل قاطع على أنه كان تلميذًا مباشرًا له.
عاش ترفون في فترة مضطربة في التاريخ اليهودي، حيث شهد تدمير الهيكل الثاني في القدس عام 70 م، وثار بار كوخبا ضد الإمبراطورية الرومانية بين عامي 132 و 135 م. كان لهذه الأحداث تأثير عميق على المجتمع اليهودي، وعلى تطور الفقه اليهودي. يُذكر أن ترفون كان من بين الحكماء الذين سعوا إلى إعادة بناء الحياة الدينية والاجتماعية بعد تدمير الهيكل.
آراؤه الفقهية
يُعرف الحاخام ترفون بآرائه المتساهلة في بعض المسائل الفقهية. كان يميل إلى تفسير الشريعة بطريقة أقل صرامة من بعض معاصريه. على سبيل المثال، يُذكر أنه كان يسمح بإنقاذ الأرواح في يوم السبت، حتى لو كان ذلك يتطلب انتهاكًا طفيفًا للشريعة. كان يعتقد أن الحفاظ على الحياة هو الأولوية القصوى.
ومن بين آرائه الفقهية الأخرى:
- كان يعتقد أن الشخص الذي يجد شيئًا مفقودًا يجب أن يعلن عنه لمدة ثلاثة أيام فقط، بدلاً من سبعة أيام كما كان الرأي السائد.
- كان يرى أن المرأة التي تتزوج وهي صغيرة يجب أن يكون لها الحق في الطلاق إذا لم تكن راضية عن الزواج عندما تكبر.
- كان يعتقد أن الشخص الذي يبيع أرضًا يجب أن يكون له الحق في استعادة الأرض إذا لم يتمكن المشتري من دفع ثمنها.
تُظهر هذه الآراء أن ترفون كان حكيمًا عمليًا يراعي الظروف الإنسانية. كان يسعى إلى إيجاد حلول عادلة ومنصفة للمشاكل التي تواجه الناس.
قصص وحكايات
تُروى العديد من القصص والحكايات عن الحاخام ترفون في التلمود. تُظهر هذه القصص تواضعه وكرمه وحكمته. من بين هذه القصص:
قصة الفقير المحتاج: يُروى أن فقيرًا جاء إلى ترفون وطلب منه المال. أعطاه ترفون المال، ثم دعاه إلى منزله وأطعمه. سأل الفقير ترفون: “لماذا تفعل هذا من أجلي؟”. أجاب ترفون: “لأن التوراة تقول: ‘أحب قريبك كنفسك'”.
قصة الحقل المسروق: يُروى أن شخصًا سرق حقل ترفون. عندما علم ترفون بذلك، لم يغضب. بدلاً من ذلك، ذهب إلى السارق وقال له: “أعرف أنك سرقت حقلي. لكنني لن أبلغ عنك. سأعطيك الحقل هدية”. شعر السارق بالخجل وأعاد الحقل إلى ترفون.
قصة الجرة المكسورة: يُروى أن شخصًا كسر جرة ترفون. غضب ترفون في البداية، لكنه سرعان ما هدأ. قال: “ربما كان هذا الشخص بحاجة إلى الجرة أكثر مني”. ثم أعطى الشخص جرة جديدة.
تُظهر هذه القصص أن ترفون كان شخصًا يتمتع بأخلاق عالية. كان متواضعًا وكريمًا ورحيمًا. كان يسعى دائمًا إلى فعل الخير ومساعدة الآخرين.
مكانته في الفقه اليهودي
يُعتبر الحاخام ترفون شخصية محترمة في الفقه اليهودي. يُذكر في المشناه والتلمود كأحد كبار حكماء جيله. تُعتبر آراؤه الفقهية مهمة، ويتم الاستشهاد بها في العديد من المناقشات الفقهية. يُنظر إليه على أنه حكيم متواضع وعادل ورحيم.
على الرغم من أن آراءه الفقهية لم تكن دائمًا هي الرأي السائد، إلا أنها كانت تحظى بالاحترام والتقدير. يُعتبر ترفون مثالًا للحكيم الذي يسعى إلى تطبيق الشريعة بطريقة عادلة ومنصفة، مع مراعاة الظروف الإنسانية.
يُذكر ترفون أيضًا كواحد من “العشرة شهداء” الذين قُتلوا على يد الرومان بسبب تمسكهم بالشريعة اليهودية. على الرغم من أن هذه الرواية محل خلاف تاريخي، إلا أنها تعكس المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها ترفون في المجتمع اليهودي.
أقوال مأثورة
نُقل عن الحاخام ترفون العديد من الأقوال المأثورة التي تعكس حكمته ورؤيته للحياة. من بين هذه الأقوال:
- “اليوم قصير والعمل كثير والأجراء متكاسلون والأجر جزيل ورب البيت ليس متساهلا”. (Pirkei Avot 2:15-16)
- “لا يقع عليك عبء إكمال العمل، ولكنك لست حراً في الامتناع عنه”. (Pirkei Avot 2:21)
تعكس هذه الأقوال أهمية العمل الجاد والمثابرة، وأهمية اغتنام الفرص لفعل الخير. تُذكرنا هذه الأقوال بأن الحياة قصيرة وأن علينا أن نسعى جاهدين لتحقيق أهدافنا النبيلة.
خاتمة
الحاخام ترفون كان شخصية بارزة في الفقه اليهودي في القرن الثاني الميلادي. يُعرف بتواضعه وثروته وآرائه الفقهية المتساهلة. يُذكر في المشناه والتلمود كأحد كبار حكماء جيله. كان حكيمًا عمليًا يسعى إلى إيجاد حلول عادلة ومنصفة للمشاكل التي تواجه الناس. تُروى عنه العديد من القصص والحكايات التي تُظهر تواضعه وكرمه وحكمته. يُعتبر ترفون مثالًا للحكيم الذي يسعى إلى تطبيق الشريعة بطريقة عادلة ومنصفة، مع مراعاة الظروف الإنسانية.