<![CDATA[
نشأة وتطور نموذج الاعتقاد القابل للتحويل
يرجع الفضل في تطوير TBM إلى كل من فيليب سميتس وزملاءه. انبثق النموذج من نظرية ديمبستر-شيفر، التي طُورت في الأصل بواسطة آرثر ديمبستر و Glenn Shafer في السبعينيات والثمانينيات. بينما قدمت DST إطار عمل قويًا للتعامل مع الأدلة غير المؤكدة، فقد اعتبرها البعض غير كافية في بعض الحالات، خاصة عند التعامل مع مصادر متعددة للأدلة أو عند الحاجة إلى التفريق بين درجات الإيمان المختلفة.
أدرك سميتس وزملاؤه الحاجة إلى نموذج أكثر دقة يمكنه التقاط تعقيدات عملية تشكيل الاعتقاد بشكل أفضل. قدموا TBM كحل لهذه القيود. يعتمد TBM على فكرة أن الاعتقادات يمكن أن “تنتقل” أو “تتغير” بناءً على الأدلة الواردة، مما يسمح بتحديث الاعتقادات بشكل أكثر مرونة واستجابة للتغيرات في المعلومات.
المفاهيم الأساسية لنموذج الاعتقاد القابل للتحويل
لفهم TBM بشكل كامل، من الضروري فهم بعض المفاهيم الأساسية:
- الإطار العالمي (Frame of Discernment): يمثل هذا الإطار مجموعة شاملة من جميع الاحتمالات الممكنة أو الحالات التي يمكن أن توجد. على سبيل المثال، إذا كنا نفكر في تشخيص طبي، فإن الإطار العالمي قد يشمل جميع الأمراض المحتملة.
- دالة الكتلة (Mass Function): تحدد دالة الكتلة مقدار الدعم أو الاعتقاد المخصص لكل مجموعة فرعية من الإطار العالمي. لا يُشترط أن تكون مجموع هذه القيم مساوية لـ 1، مما يسمح بالتعامل مع درجة عدم اليقين أو عدم المعرفة.
- الاعتقاد (Belief): يعبر عن درجة الدعم الإجمالية التي تقدمها الأدلة لقضية معينة. يتم حسابه عن طريق جمع جميع قيم دالة الكتلة المخصصة للمجموعات الفرعية التي تتضمن تلك القضية.
- اللامبالاة (Plausibility): تمثل الحد الأقصى لدرجة الدعم التي يمكن أن تحصل عليها القضية. يتم حسابه عن طريق جمع جميع قيم دالة الكتلة التي تتقاطع مع القضية.
- القاعدة (Rule): في سياق TBM، القاعدة هي آلية تسمح بتحديث الاعتقادات بناءً على الأدلة الجديدة. تسمح هذه القواعد بـ “نقل” الاعتقادات من مجموعة فرعية من الإطار العالمي إلى أخرى، مما يعكس كيفية تأثير الأدلة الجديدة على تغيير الاعتقادات.
الفرق بين TBM و DST
على الرغم من أن TBM يعتمد على DST، إلا أنهما يختلفان في عدة جوانب رئيسية:
- نطاق الاعتقاد: في DST، غالبًا ما يتم تفسير دالة الكتلة على أنها تعبر عن “عدم المعرفة” أو “الجهل” بالإضافة إلى الدعم للقضايا. في TBM، يُنظر إلى دالة الكتلة على أنها تعبر عن درجات الإيمان، بما في ذلك تلك التي تكون قوية، مع عدم وجود تمييز صارم بين درجات مختلفة من عدم اليقين.
- تجميع الأدلة: يوفر DST آلية لتجميع الأدلة تسمى “قاعدة التركيب”. في TBM، يتم استخدام القاعدة بشكل مختلف، حيث يركز على كيفية تأثير الأدلة الجديدة على تغيير الاعتقادات الحالية.
- تفسير النتيجة: في DST، غالبًا ما يتم التركيز على حساب “الاحتمالية” لتحديد أفضل تفسير للأدلة. يركز TBM على تحديث الاعتقادات بشكل متكرر بناءً على الأدلة الجديدة، مما يسمح بنموذج أكثر ديناميكية لعملية اتخاذ القرار.
تطبيقات نموذج الاعتقاد القابل للتحويل
يجد TBM تطبيقات واسعة في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك:
- الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence): يستخدم TBM في أنظمة الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات في ظل عدم اليقين، على سبيل المثال، في تصميم الروبوتات، أو في أنظمة الخبراء.
- اتخاذ القرارات الطبية: يمكن استخدام TBM لدمج معلومات من مصادر متعددة (مثل الأعراض، والفحوصات، والسجلات الطبية) للمساعدة في تشخيص الأمراض وتحديد خطط العلاج.
- تحليل المخاطر: يمكن استخدام TBM لتقييم المخاطر في مجالات مثل الأمن المالي والتأمين وإدارة الكوارث.
- التعرف على الأنماط (Pattern Recognition): يمكن استخدام TBM لتحسين دقة أنظمة التعرف على الصور والكلام.
- اتخاذ القرارات السياسية: يمكن استخدامه في تحليل المواقف المعقدة، ودمج وجهات نظر مختلفة، وتحسين عملية صنع القرار.
مزايا نموذج الاعتقاد القابل للتحويل
يوفر TBM العديد من المزايا مقارنة بالنماذج الأخرى لتمثيل الاعتقادات واتخاذ القرارات:
- القدرة على التعامل مع عدم اليقين: يتيح TBM التعامل مع عدم اليقين بمرونة، بما في ذلك عدم اليقين الناتج عن نقص المعلومات أو الأدلة المتناقضة.
- القدرة على دمج الأدلة المتعددة: يمكن لـ TBM بسهولة دمج الأدلة من مصادر متعددة، حتى لو كانت هذه المصادر غير موثوقة أو متضاربة.
- المرونة: يسمح TBM بتحديث الاعتقادات بشكل ديناميكي بناءً على الأدلة الجديدة، مما يجعله مناسبًا للبيئات المتغيرة.
- التفسيرية: يوفر TBM إطار عمل تفسيريًا يمكن من خلاله فهم كيفية تشكيل الاعتقادات وتغييرها.
- التمثيل الدقيق: يوفر طريقة دقيقة لتمثيل الاعتقادات المعقدة، والتي يمكن أن تتضمن درجات مختلفة من الدعم وعدم اليقين.
قيود نموذج الاعتقاد القابل للتحويل
على الرغم من مزاياه العديدة، فإن TBM له أيضًا بعض القيود:
- التعقيد الحسابي: يمكن أن يصبح TBM معقدًا من الناحية الحسابية، خاصة عند التعامل مع إطارات عالمية كبيرة.
- الحاجة إلى تحديد دالة الكتلة: يتطلب تحديد دالة الكتلة تحديد درجات الإيمان لكل مجموعة فرعية من الإطار العالمي، وهو أمر قد يكون صعبًا في بعض الحالات.
- الحساسية للاختيار: يمكن أن تتأثر النتائج باختيار القواعد المستخدمة لتحديث الاعتقادات.
- الافتقار إلى معيار موحد: لا يوجد معيار عالمي لتطبيق TBM، مما قد يؤدي إلى صعوبة مقارنة النتائج بين التطبيقات المختلفة.
التحديات المستقبلية لنموذج الاعتقاد القابل للتحويل
لا تزال هناك تحديات قائمة في مجال TBM، وتشمل:
- تحسين الكفاءة الحسابية: تطوير خوارزميات أكثر كفاءة للتعامل مع TBM في الحالات التي تتضمن إطارات عالمية كبيرة.
- تطوير طرق تلقائية لتعيين دالة الكتلة: إيجاد طرق آلية لتعيين دالة الكتلة بناءً على الأدلة المتاحة.
- التعامل مع عدم اليقين في مصادر الأدلة: تطوير طرق أفضل للتعامل مع عدم اليقين المتعلق بموثوقية مصادر الأدلة.
- تطوير معايير موحدة: وضع معايير موحدة لتطبيق TBM، مما يسهل مقارنة النتائج بين التطبيقات المختلفة.
الخلاصة
نموذج الاعتقاد القابل للتحويل (TBM) هو أداة قوية لتمثيل الاعتقادات واتخاذ القرارات في ظل عدم اليقين. بفضل قدرته على التعامل مع الأدلة المتعددة، ومرونته في تحديث الاعتقادات، وقابليته للتفسير، فقد وجد TBM تطبيقات واسعة في مجموعة متنوعة من المجالات. على الرغم من بعض القيود، فإن TBM يوفر نهجًا أكثر دقة وشمولية لنمذجة الاعتقادات مقارنة بالنماذج الأخرى. مع استمرار التقدم في هذا المجال، من المتوقع أن يلعب TBM دورًا متزايد الأهمية في تطوير أنظمة ذكية قادرة على اتخاذ قرارات مستنيرة في عالم معقد وغير مؤكد.
المراجع
- Smets, P. (1993). Belief functions. In Non-monotonic reasoning (pp. 1-35). Springer, Dordrecht.
- Smets, P., & Kennes, R. (1994). The transferable belief model. In Uncertainty in Artificial Intelligence (pp. 287-294). Morgan Kaufmann.
- Appriou, A. (2009). Transferable belief model: basic principles and application to information fusion. Information Fusion, 10(4), 327-340.