<![CDATA[
العصور القديمة والوسطى
تُشير الأدلة الأثرية إلى وجود اليهود في الأراضي التي تُشكّل كرواتيا اليوم في وقت مبكر يعود إلى القرن الثالث الميلادي. ومع ذلك، فإن المعلومات المتوفرة عن هذه الفترة شحيحة. خلال العصور الوسطى، تواجد اليهود في المدن الساحلية مثل سبليت ودوبروفنيك، حيث عملوا في التجارة والمالية. كان المجتمع اليهودي في دوبروفنيك مزدهرًا بشكل خاص، حيث تمتع اليهود بحماية السلطات وتمكنوا من ممارسة دينهم بحرية نسبيًا. كان لليهود أيضًا وجود في المدن الداخلية مثل زغرب، على الرغم من أن عددهم كان أقل.
خلال هذه الفترة، تعرض اليهود في كرواتيا لبعض القيود والاضطهاد، على الرغم من أن مستوى العنف لم يكن بنفس حدة ما حدث في أجزاء أخرى من أوروبا. في بعض الأحيان، تم طرد اليهود من المدن، أو إجبارهم على ارتداء علامات تمييزية. ومع ذلك، استمر المجتمع اليهودي في الوجود والازدهار نسبيًا.
القرن السادس عشر إلى التاسع عشر
شهدت هذه الفترة تغيرات كبيرة في حياة اليهود في كرواتيا. مع سقوط مملكة البوسنة في أيدي العثمانيين في القرن السادس عشر، فر العديد من اليهود السفارديم من إسبانيا والبرتغال إلى الأراضي العثمانية، بما في ذلك البوسنة وكرواتيا. جلب هؤلاء اليهود معهم ثقافتهم ولغتهم (اللادينو) وعاداتهم، مما أثر بشكل كبير على المجتمع اليهودي الكرواتي.
خلال هذه الفترة، ازداد عدد اليهود في كرواتيا، وتمركزوا بشكل رئيسي في المدن الساحلية. لعب اليهود دورًا متزايد الأهمية في التجارة والمالية والصناعة. أسس اليهود أيضًا مجتمعات يهودية منظمة، وبنوا المعابد والمدارس والمؤسسات الخيرية. في القرن التاسع عشر، بدأت حركة التنوير اليهودية (الهاسكالا) تؤثر على المجتمع اليهودي الكرواتي، مما أدى إلى زيادة الاندماج في المجتمع العام والاهتمام بالتعليم العلماني.
شهدت هذه الفترة أيضًا صعود القومية الكرواتية، مما أدى إلى بعض التوترات بين اليهود والكرواتيين. على الرغم من ذلك، كان هناك أيضًا العديد من الأمثلة على التعاون والتفاهم بين المجتمعين.
القرن العشرون والحرب العالمية الثانية
شهد القرن العشرون تغيرات كبيرة في وضع اليهود في كرواتيا. بعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت كرواتيا جزءًا من مملكة يوغوسلافيا. تمتع اليهود في يوغوسلافيا بحقوق متساوية، وشهد المجتمع اليهودي ازدهارًا نسبيًا. أسس اليهود العديد من المنظمات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية، وشاركوا في الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.
ومع ذلك، أدى صعود النازية والفاشية في أوروبا إلى تدهور الوضع. في عام 1941، غزت ألمانيا النازية وحلفاؤها يوغوسلافيا، وقامت بتأسيس دولة كرواتيا المستقلة، والتي كانت دولة دمية تابعة للفاشيين. بدأت الحكومة الفاشية في كرواتيا، بقيادة أنتي بافليتش، في تطبيق سياسات معادية لليهود، بما في ذلك سن قوانين تمييزية، ومصادرة الممتلكات، واعتقال اليهود. تم ترحيل الآلاف من اليهود الكرواتيين إلى معسكرات الاعتقال، حيث قُتل معظمهم.
خلال الحرب العالمية الثانية، قُتل حوالي 80٪ من اليهود الكرواتيين. كان الهولوكوست في كرواتيا مأساة إنسانية، وأثر بشكل كبير على المجتمع اليهودي الكرواتي. بعد الحرب، عاد عدد قليل من اليهود الناجين إلى كرواتيا، وحاولوا إعادة بناء مجتمعهم.
بعد الحرب العالمية الثانية
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت كرواتيا جزءًا من يوغوسلافيا الشيوعية. تمتع اليهود في يوغوسلافيا بحقوق متساوية، ولكن تم قمع النشاط الديني والثقافي اليهودي إلى حد ما. على الرغم من ذلك، استمر المجتمع اليهودي في الوجود، وأسس اليهود بعض المؤسسات الثقافية والاجتماعية.
في عام 1991، أعلنت كرواتيا استقلالها عن يوغوسلافيا. شهدت هذه الفترة صراعًا عسكريًا في كرواتيا، مما أثر على المجتمع اليهودي. بعد انتهاء الحرب، بدأت الحكومة الكرواتية في الاعتراف بدور اليهود في تاريخ كرواتيا، وبدأت في اتخاذ خطوات لإعادة بناء العلاقات مع المجتمع اليهودي.
اليوم، يعيش في كرواتيا مجتمع يهودي صغير ولكنه نشط. يتركز معظم اليهود في العاصمة زغرب، ولكن هناك أيضًا مجتمعات يهودية صغيرة في مدن أخرى. يمتلك المجتمع اليهودي الكرواتي معابد ومدارس ومؤسسات ثقافية، وينظم العديد من الأنشطة والفعاليات. يعمل المجتمع اليهودي الكرواتي أيضًا على الحفاظ على ذكرى الهولوكوست، وتثقيف الجمهور حول تاريخ اليهود في كرواتيا.
المساهمات اليهودية في المجتمع الكرواتي
قدم اليهود الكرواتيون مساهمات كبيرة في مختلف جوانب المجتمع الكرواتي على مر التاريخ. في مجال الاقتصاد، لعب اليهود دورًا مهمًا في التجارة والمالية والصناعة. ساهم اليهود في تطوير البنية التحتية في كرواتيا، وأنشأوا الشركات والمصانع التي وفرت فرص عمل للكرواتيين.
في مجال الثقافة، ساهم اليهود في الفنون والأدب والموسيقى والمسرح. كان هناك العديد من الكتاب والفنانين والموسيقيين اليهود الكرواتيين الذين تركوا بصمة في الثقافة الكرواتية. أسس اليهود أيضًا المجلات والصحف ودور النشر، التي ساهمت في نشر الثقافة والمعرفة.
في مجال المجتمع، شارك اليهود في الحياة السياسية والاجتماعية في كرواتيا. كان هناك العديد من اليهود الذين شغلوا مناصب في الحكومة والبرلمان. عمل اليهود على تعزيز حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية. كما ساهم اليهود في بناء المؤسسات الخيرية والاجتماعية، التي قدمت الدعم للمحتاجين.
بشكل عام، كانت مساهمات اليهود في المجتمع الكرواتي كبيرة ومتنوعة. لقد لعب اليهود دورًا مهمًا في تشكيل تاريخ كرواتيا، وأثروا في الاقتصاد والثقافة والمجتمع. على الرغم من الاضطهاد الذي تعرضوا له في أوقات مختلفة، إلا أنهم تمكنوا من الحفاظ على مجتمعهم وثقافتهم، والعمل على بناء مستقبل أفضل لكرواتيا.
التحديات المعاصرة
على الرغم من التقدم الذي أحرزته كرواتيا في السنوات الأخيرة، لا يزال المجتمع اليهودي الكرواتي يواجه بعض التحديات. أحد هذه التحديات هو مكافحة معاداة السامية، والتي لا تزال موجودة في بعض أجزاء المجتمع. يعمل المجتمع اليهودي الكرواتي على تثقيف الجمهور حول تاريخ اليهود، وتعزيز التسامح والاحترام المتبادل.
التحدي الآخر هو الحفاظ على الهوية اليهودية في كرواتيا. يواجه الشباب اليهود الكرواتيون تحديات في الحفاظ على علاقاتهم بالدين والثقافة اليهودية، وخاصة في ظل العولمة والتغيرات الاجتماعية. يعمل المجتمع اليهودي الكرواتي على توفير البرامج والأنشطة التي تعزز الهوية اليهودية، وتشجع الشباب على المشاركة في الحياة اليهودية.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه المجتمع اليهودي الكرواتي تحديات اقتصادية. يعيش العديد من اليهود الكرواتيين في ظروف صعبة، ويحتاجون إلى الدعم المالي والاجتماعي. يعمل المجتمع اليهودي الكرواتي على توفير المساعدات للمحتاجين، وتعزيز التنمية الاقتصادية في المجتمع.
خاتمة
يمتد تاريخ اليهود في كرواتيا لقرون عديدة، ويشمل فترات من الازدهار والاضطهاد. على الرغم من التحديات التي واجهها اليهود الكرواتيون، إلا أنهم تمكنوا من الحفاظ على مجتمعهم وثقافتهم، والمساهمة في بناء كرواتيا الحديثة. اليوم، يواصل المجتمع اليهودي الكرواتي العمل على الحفاظ على هويته وتعزيز التسامح والتعاون في المجتمع.