<![CDATA[
خلفية تاريخية
بدأت فكرة إنشاء ERBS في السبعينيات من القرن العشرين، في ظل تزايد القلق بشأن التغيرات المناخية المحتملة. أدرك العلماء أهمية فهم ميزانية الإشعاع الأرضي، وهي ببساطة التوازن بين كمية الطاقة الشمسية التي تمتصها الأرض وكمية الطاقة التي تشعها الأرض مرة أخرى إلى الفضاء. أي اختلال في هذا التوازن يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض في درجة حرارة الأرض، مما يؤثر على المناخ العالمي.
تم تطوير ERBS كجزء من برنامج العلوم الأرضية التابع لناسا، والذي يهدف إلى دراسة نظام الأرض ككل. كان من المتوقع أن يوفر القمر الصناعي بيانات دقيقة ومفصلة حول توزيع الإشعاع على نطاق عالمي. تم بناء القمر الصناعي بواسطة شركة بال ايروسبيس سيستمز (Ball Aerospace & Technologies Corp) وتم إطلاقه على متن مكوك الفضاء تشالنجر في أكتوبر 1984.
أهداف ومهمات ERBS
كان الهدف الرئيسي لـ ERBS هو قياس ميزانية الإشعاع الأرضي. لتحقيق ذلك، حمل القمر الصناعي ثلاثة أجهزة رئيسية:
- مقياس إشعاع الغلاف الجوي (SAGE II): صمم لقياس كمية الأوزون، والأيروسولات، وبخار الماء، والغازات الأخرى في الغلاف الجوي للأرض.
- مقياس الإشعاع الممسوح (ERBE): صمم لقياس الإشعاع الشمسي المنعكس والمنبعث من الأرض.
- مقياس الإشعاع الموجه (ERBE): صمم لقياس الإشعاع الشمسي الذي يدخل ويخرج من الأرض بشكل مستقل.
جمعت هذه الأجهزة بيانات دقيقة حول كيفية امتصاص الأرض للطاقة الشمسية، وكيفية إشعاعها مرة أخرى إلى الفضاء، وكيفية توزيع الطاقة في جميع أنحاء نظام الأرض. قدمت هذه البيانات رؤى حاسمة حول العوامل التي تؤثر على المناخ، بما في ذلك الغيوم، والدورة الهيدرولوجية، والغطاء الجليدي، وتغيرات الغازات الدفيئة.
بالإضافة إلى قياس ميزانية الإشعاع، ساهم ERBS أيضًا في دراسة طبقة الأوزون. أظهرت بيانات SAGE II انخفاضًا كبيرًا في مستويات الأوزون في الغلاف الجوي، مما سلط الضوء على مشكلة استنفاد الأوزون الناجمة عن المواد الكيميائية مثل مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs). أدت هذه البيانات إلى اتخاذ إجراءات دولية لتقليل إنتاج هذه المواد الكيميائية، مثل بروتوكول مونتريال.
التأثير العلمي والبيانات
قدمت بيانات ERBS مساهمات كبيرة في فهمنا للعوامل التي تؤثر على المناخ العالمي. سمحت للعلماء بتحسين النماذج المناخية والتنبؤ بشكل أفضل بالتغيرات المستقبلية. بعض النتائج الرئيسية التي تم الحصول عليها من بيانات ERBS تشمل:
- تأكيد أهمية الغيوم في تنظيم المناخ: أظهرت البيانات أن الغيوم تعكس جزءًا كبيرًا من الإشعاع الشمسي، مما يبرد الأرض. ومع ذلك، فإنها أيضًا تحبس بعض الإشعاع الحراري المنبعث من الأرض، مما يؤدي إلى تأثير الاحتباس الحراري.
- تحديد تأثيرات الغازات الدفيئة: ساعدت البيانات في تأكيد أن زيادة تركيزات الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون، تؤدي إلى احتباس المزيد من الحرارة في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
- تقييم تأثيرات استنفاد الأوزون: أظهرت البيانات أن استنفاد الأوزون يؤدي إلى زيادة الإشعاع فوق البنفسجي الذي يصل إلى سطح الأرض، مما قد يكون له آثار ضارة على صحة الإنسان والنظم البيئية.
- تحسين فهمنا للدورة الهيدرولوجية: قدمت البيانات معلومات حول كيفية تأثير تغيرات الإشعاع على أنماط هطول الأمطار وتبخر المياه، مما ساعد في تحسين النماذج المناخية والتنبؤ بتغيرات المياه المستقبلية.
تم استخدام بيانات ERBS من قبل آلاف العلماء في جميع أنحاء العالم في مجموعة متنوعة من الدراسات البحثية. ساعدت هذه البيانات في تحسين فهمنا للعلاقات المعقدة بين الغلاف الجوي والمحيطات واليابسة والجليد، والتي تشكل نظام الأرض.
تقنيات وأجهزة ERBS
اعتمد ERBS على تقنيات وأجهزة متقدمة في ذلك الوقت. كان القمر الصناعي مزودًا بألواح شمسية لتوليد الطاقة، وبطاريات لتخزين الطاقة لاستخدامها خلال فترات الظلام. كان لديه أيضًا نظام تحكم في الموقف للحفاظ على اتجاهه الصحيح بالنسبة للأرض والشمس. استخدم القمر الصناعي أجهزة استشعار متخصصة لجمع البيانات.
مقياس الإشعاع الممسوح (ERBE): يتكون من ثلاثة أجهزة استشعار، اثنان منها يقيسان الإشعاع الكلي (أي جميع الأطوال الموجية) المنعكس والمنبعث من الأرض. الثالث يقيس الإشعاع في نطاق معين من الأطوال الموجية، مما يسمح للعلماء بفصل الإشعاع الشمسي المنعكس عن الإشعاع الحراري المنبعث. استخدمت هذه الأجهزة أجهزة استشعار خاصة تسمى “بولوميترات” لقياس كمية الطاقة الإشعاعية.
مقياس الإشعاع الموجه (ERBE): يتكون من أربعة أجهزة استشعار، اثنان منها موجهان نحو الأرض لقياس الإشعاع المنبعث، واثنان موجهان نحو الشمس لقياس الإشعاع الوارد. سمح هذا التكوين للعلماء بقياس ميزانية الإشعاع الأرضي من منظور عالمي.
مقياس إشعاع الغلاف الجوي (SAGE II): استخدم تقنية تسمى “الاستشعار عن بعد” لقياس كمية الأوزون، والأيروسولات، وبخار الماء، والغازات الأخرى في الغلاف الجوي. رصد الجهاز ضوء الشمس الذي يمر عبر الغلاف الجوي أثناء شروق الشمس وغروبها. من خلال تحليل مقدار الضوء الذي يتم امتصاصه أو تشتيته، يمكن للعلماء تحديد تركيزات هذه الغازات.
تم إرسال البيانات التي تم جمعها بواسطة هذه الأجهزة إلى محطات التحكم الأرضية، حيث تمت معالجتها وتحليلها. تم نشر البيانات في قواعد بيانات عامة متاحة للعلماء في جميع أنحاء العالم.
تحديات وقيود
واجه ERBS وعلماؤه عددًا من التحديات والقيود. كان تصميم وبناء القمر الصناعي يتطلب تقنيات معقدة. كان الإطلاق على متن مكوك الفضاء نفسه يمثل مخاطرة. بعد الإطلاق، واجه القمر الصناعي صعوبات في الحفاظ على عمل الأجهزة بشكل صحيح. كما تأثرت البيانات ببعض الضوضاء والتشوهات. علاوة على ذلك، كانت القدرة الحاسوبية المتاحة لتحليل البيانات في ذلك الوقت محدودة مقارنة بما هو متاح اليوم.
ومع ذلك، على الرغم من هذه التحديات، تمكن العلماء من جمع كمية كبيرة من البيانات القيمة التي ساهمت بشكل كبير في فهمنا لنظام الأرض.
الإرث والتأثير
كان لـ ERBS تأثير كبير على العلوم المناخية والبيئية. ساعد في وضع الأساس لفهمنا الحالي لتغير المناخ، وساهم في تطوير النماذج المناخية، وقدم بيانات أساسية لدعم القرارات السياسية المتعلقة بحماية البيئة. أدت البيانات التي تم جمعها بواسطة ERBS إلى اتخاذ إجراءات عالمية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وحماية طبقة الأوزون.
استمرت بيانات ERBS في استخدامها في الدراسات العلمية حتى بعد انتهاء مهمته في عام 2005. قدمت البيانات الأساسية التي تم استخدامها في المقارنة والتحقق من صحة البيانات التي تم جمعها بواسطة الأقمار الصناعية اللاحقة، مثل سلسلة أقمار CERES الحالية. يعتبر ERBS مثالًا على أهمية الاستثمار في البحث العلمي لفهم نظام الأرض وحماية بيئتنا.
مستقبل أبحاث ميزانية الإشعاع الأرضي
تستمر أبحاث ميزانية الإشعاع الأرضي في التطور. اليوم، هناك العديد من الأقمار الصناعية التي تواصل جمع البيانات حول الإشعاع الشمسي المنعكس والمنبعث من الأرض. تستخدم هذه الأقمار الصناعية أجهزة استشعار أكثر تطوراً وتوفر بيانات ذات دقة أعلى. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام تقنيات جديدة، مثل النمذجة الحاسوبية المتقدمة، لتحليل هذه البيانات وتحسين فهمنا لنظام الأرض.
من المتوقع أن تستمر أبحاث ميزانية الإشعاع الأرضي في لعب دور حاسم في فهمنا لتغير المناخ وتأثيراته. ستساعد هذه الأبحاث في تحسين التنبؤات المناخية، وتقييم تأثيرات الأنشطة البشرية على نظام الأرض، ووضع استراتيجيات للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها.
خاتمة
كان مرصد ميزانية إشعاع الأرض (ERBS) قمرًا صناعيًا رائدًا ساهم بشكل كبير في فهمنا لميزانية الإشعاع الأرضي وتغير المناخ. من خلال قياس الإشعاع الشمسي المنعكس والمنبعث من الأرض، قدم ERBS بيانات أساسية لتحسين النماذج المناخية وتقييم تأثيرات الأنشطة البشرية على البيئة. على الرغم من التحديات التي واجهها، ترك ERBS إرثًا دائمًا في مجال العلوم المناخية، ولا تزال بياناته مستخدمة في الدراسات العلمية حتى اليوم. ساعد ERBS في وضع الأساس لاتخاذ إجراءات عالمية لحماية البيئة والتخفيف من آثار تغير المناخ.