مقدمة
إعلان سافوي هو وثيقة تاريخية مهمة في تاريخ الكنيسة المسيحية، وتحديدًا في التقليد التجمعي. يُعرف أيضًا باسم “إعلان سافوي للإيمان والنظام”، وهو بمثابة اعتراف بالإيمان يعكس المعتقدات اللاهوتية والمبادئ التنظيمية التي تبناها التجمعيون الإنجليز في القرن السابع عشر. يمثل هذا الإعلان محاولة لتوضيح موقفهم اللاهوتي وتمييزه عن الجماعات الأخرى، مثل المشيخيين والمعمدانيين، في فترة شهدت انقسامات دينية وصراعات سياسية كبيرة.
خلفية تاريخية
في منتصف القرن السابع عشر، كانت إنجلترا تمر بفترة مضطربة سياسيًا ودينيًا. الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651) أدت إلى إعدام الملك تشارلز الأول وتأسيس الكومنولث الإنجليزي تحت قيادة أوليفر كرومويل. خلال هذه الفترة، ظهرت العديد من الجماعات الدينية المختلفة، كل منها يسعى إلى تطبيق رؤيته للإصلاح الديني. التجمعيون، الذين يؤمنون باستقلالية الكنائس المحلية وحقها في إدارة شؤونها الخاصة دون تدخل من سلطة مركزية، كانوا من بين هذه الجماعات.
بعد استعادة الملكية في عام 1660 وتولي تشارلز الثاني العرش، ازدادت الضغوط على الجماعات الدينية غير الملتزمة بالكنيسة الأنجليكانية الرسمية. سُنّت قوانين تهدف إلى قمع المعارضة الدينية، مما دفع التجمعيين إلى البحث عن طرق لحماية حريتهم الدينية والتعبير عن معتقداتهم بشكل علني.
تأسيس مجمع سافوي
في عام 1658، اجتمع قادة التجمعيين في قصر سافوي بلندن لتشكيل مجمع يهدف إلى صياغة اعتراف بالإيمان يعكس معتقداتهم اللاهوتية. كان الهدف من هذا المجمع هو توضيح موقفهم اللاهوتي وتمييزه عن الجماعات الأخرى، وكذلك تقديم بيان موحد للإيمان يمكن أن يسترشد به التجمعيون في جميع أنحاء إنجلترا. كان من بين الشخصيات البارزة التي شاركت في هذا المجمع جون أوين، وهو لاهوتي بارز وقائد مؤثر في الحركة التجمعية.
استمرت اجتماعات المجمع لعدة أسابيع، وخلالها ناقش المشاركون بعمق مجموعة واسعة من القضايا اللاهوتية، بدءًا من طبيعة الله وحتى طبيعة الكنيسة. في نهاية المطاف، تم التوصل إلى اتفاق بشأن مجموعة من المعتقدات اللاهوتية التي تم تدوينها في وثيقة عُرفت باسم “إعلان سافوي للإيمان والنظام”.
محتوى إعلان سافوي
إعلان سافوي هو وثيقة شاملة تغطي مجموعة واسعة من القضايا اللاهوتية. يمكن تلخيص أهم النقاط التي تناولها الإعلان على النحو التالي:
- الوحي الكتابي: يؤكد الإعلان على أن الكتاب المقدس هو الكلمة الموحى بها من الله، وأنه السلطة العليا في جميع مسائل الإيمان والممارسة.
- الثالوث: يؤكد الإعلان على عقيدة الثالوث، أي أن الله واحد في الجوهر، ولكنه موجود في ثلاثة أقانيم متميزة: الآب والابن والروح القدس.
- السيادة الإلهية: يؤكد الإعلان على سيادة الله المطلقة في كل الأمور، بما في ذلك الخلق والعناية والخلاص.
- السقوط والخطيئة: يؤكد الإعلان على أن الإنسان سقط في الخطيئة من خلال عصيان آدم وحواء، وأن جميع البشر ورثوا طبيعة خاطئة.
- الكفارة: يؤكد الإعلان على أن يسوع المسيح، ابن الله، تجسد وعاش حياة كاملة ومات موتًا كفاريًا على الصليب لدفع ثمن خطايا البشر.
- الخلاص بالنعمة: يؤكد الإعلان على أن الخلاص هو عطية مجانية من الله، يُمنح بالنعمة من خلال الإيمان بيسوع المسيح.
- الكنيسة: يؤكد الإعلان على أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين الذين اجتمعوا معًا لعبادة الله وخدمته. يؤمن التجمعيون باستقلالية الكنائس المحلية وحقها في إدارة شؤونها الخاصة دون تدخل من سلطة مركزية.
- الأسرار المقدسة: يعترف الإعلان بسرين مقدسين: المعمودية والعشاء الرباني.
- الدينونة الأخيرة: يؤكد الإعلان على أن يسوع المسيح سيعود في مجد لدينونة الأحياء والأموات، وأن الأبرار سيدخلون الحياة الأبدية بينما الأشرار سيعانون من الدينونة الأبدية.
أهمية إعلان سافوي
يحمل إعلان سافوي أهمية كبيرة لعدة أسباب:
- توضيح المعتقدات: ساعد الإعلان على توضيح المعتقدات اللاهوتية للتجمعيين وتمييزها عن الجماعات الأخرى.
- الوحدة: ساهم الإعلان في تعزيز الوحدة بين الكنائس التجمعية المختلفة من خلال توفير بيان موحد للإيمان.
- الدفاع عن الحريات الدينية: استخدم التجمعيون الإعلان للدفاع عن حريتهم الدينية وحقهم في عبادة الله وفقًا لضميرهم.
- التأثير اللاهوتي: أثر إعلان سافوي في اللاهوت التجمعي على مر القرون، ولا يزال يُعتبر وثيقة مهمة في دراسة تاريخ الكنيسة المسيحية.
الخلافات والانتقادات
على الرغم من أهميته، لم يكن إعلان سافوي بمنأى عن الخلافات والانتقادات. بعض الجماعات المسيحية الأخرى انتقدت الإعلان بسبب تأكيده على بعض العقائد اللاهوتية، مثل السيادة الإلهية والقدر. كما انتقد البعض الإعلان بسبب موقفه من الكنيسة والسلطة الكنسية.
ومع ذلك، يظل إعلان سافوي وثيقة مهمة في تاريخ الكنيسة المسيحية، ويعكس المعتقدات اللاهوتية والمبادئ التنظيمية التي تبناها التجمعيون الإنجليز في القرن السابع عشر. لا يزال الإعلان يمثل مرجعًا هامًا للعديد من الكنائس التجمعية في جميع أنحاء العالم.
تأثير إعلان سافوي على الكنائس التجمعية
ترك إعلان سافوي بصمة واضحة على الكنائس التجمعية في جميع أنحاء العالم. إليك بعض مظاهر هذا التأثير:
- أساس لاهوتي: يوفر الإعلان أساسًا لاهوتيًا قويًا للكنائس التجمعية، حيث يحدد المعتقدات الأساسية التي تشكل هويتها.
- مرجع للإيمان: يُستخدم الإعلان كمرجع للإيمان في الكنائس التجمعية، حيث يساعد المؤمنين على فهم معتقداتهم وتعميق إيمانهم.
- معيار للعقيدة: يُستخدم الإعلان كمعيار لتقييم العقائد والتعاليم الجديدة، وضمان توافقها مع المعتقدات الأساسية للكنيسة التجمعية.
- مصدر إلهام: يُعد الإعلان مصدر إلهام للكنائس التجمعية، حيث يشجعها على التمسك بحريتها الدينية والسعي إلى الإصلاح الروحي.
إعلان سافوي في العصر الحديث
على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة قرون على كتابته، لا يزال إعلان سافوي يحظى بأهمية في العصر الحديث. تستمر الكنائس التجمعية في جميع أنحاء العالم في الرجوع إليه كمرجع لاهوتي وتاريخي. وفيما يلي بعض الطرق التي يظل بها إعلان سافوي ذا صلة:
- الحفاظ على الهوية اللاهوتية: في عالم يشهد تغيرات مستمرة في الفكر والثقافة، يساعد إعلان سافوي الكنائس التجمعية على الحفاظ على هويتها اللاهوتية المميزة.
- توفير أساس للحوار: يوفر إعلان سافوي أساسًا للحوار بين الكنائس التجمعية والكنائس الأخرى، حيث يساعد على توضيح أوجه الاتفاق والاختلاف.
- تشجيع التفكير اللاهوتي: يشجع إعلان سافوي المؤمنين على التفكير بعمق في القضايا اللاهوتية، وتطبيقها على حياتهم اليومية.
- الدفاع عن الحريات الدينية: يظل إعلان سافوي تذكيرًا بأهمية الحريات الدينية، وضرورة الدفاع عنها في وجه أي تهديد.
خاتمة
إعلان سافوي هو وثيقة تاريخية مهمة في تاريخ الكنيسة المسيحية، وتحديدًا في التقليد التجمعي. يمثل هذا الإعلان محاولة لتوضيح موقف التجمعيين اللاهوتي وتمييزه عن الجماعات الأخرى في فترة شهدت انقسامات دينية وصراعات سياسية كبيرة. لا يزال الإعلان يمثل مرجعًا هامًا للعديد من الكنائس التجمعية في جميع أنحاء العالم، ويذكر بأهمية الحريات الدينية والتمسك بالمعتقدات اللاهوتية الأساسية.