خلفية الاتفاقية
في أوائل القرن العشرين، بدأت المخاوف تتزايد بشأن الظروف القاسية التي تواجهها النساء العاملات في مختلف الصناعات، بما في ذلك العمل تحت الأرض. كانت المناجم وأماكن العمل المماثلة بيئات خطرة وغير صحية، مما يعرض العاملات لمخاطر جسدية وصحية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مخاوف اجتماعية تتعلق بكرامة المرأة ورفاهها في هذه البيئات.
منظمة العمل الدولية، التي تأسست في عام 1919، أخذت على عاتقها مهمة معالجة هذه القضايا من خلال وضع معايير دولية للعمل تهدف إلى حماية العمال وتعزيز العدالة الاجتماعية. كانت اتفاقية العمل تحت الأرض (النساء)، 1935 جزءًا من هذه الجهود.
أهداف الاتفاقية
تهدف الاتفاقية بشكل أساسي إلى تحقيق الأهداف التالية:
- حماية صحة وسلامة المرأة: منع توظيف النساء في الأعمال التي قد تعرضهن لمخاطر صحية أو جسدية كبيرة.
- تعزيز المساواة في فرص العمل: مع التأكيد على أن هذا المنع لا ينبغي أن يستخدم كذريعة لحرمان المرأة من فرص عمل أخرى مناسبة.
- وضع معايير دولية: لتوفير إطار عمل للدول الأعضاء لتنفيذ قوانين وسياسات تحمي المرأة العاملة في هذا المجال.
أحكام الاتفاقية الرئيسية
تتضمن الاتفاقية عددًا من الأحكام الرئيسية التي تحدد نطاقها والتزامات الدول الأعضاء. من بين هذه الأحكام:
المادة 1: تحدد نطاق الاتفاقية ليشمل جميع المناجم، والمحاجر، وأي عمل آخر تحت الأرض لاستخراج المعادن أو المواد الأخرى.
المادة 2: تحظر توظيف النساء في أي عمل تحت الأرض في المناجم والمحاجر، باستثناء الحالات التالية:
- النساء اللاتي يشغلن مناصب إدارية لا تتطلب عملاً يدوياً.
- النساء العاملات في الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية.
- النساء اللاتي يعملن في مجال التدريب المهني.
- النساء اللاتي قد يضطررن للدخول إلى الأجزاء السفلية من المناجم لأغراض غير يدوية.
المادة 3: تنص على أن التشريعات الوطنية يجب أن تحدد بدقة الشروط التي يمكن بموجبها السماح للنساء بالعمل في الحالات الاستثنائية المذكورة في المادة 2.
المادة 4: تتطلب من الدول الأعضاء اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تطبيق أحكام الاتفاقية بفعالية.
المادة 5: تنص على أن الاتفاقية لا تؤثر على أي قانون أو مرسوم أو عادة أو اتفاق بين أصحاب العمل والعمال يضمن شروطًا أكثر ملاءمة للعاملات من تلك المنصوص عليها في الاتفاقية.
تنفيذ الاتفاقية وتأثيرها
بعد اعتمادها في عام 1935، بدأت الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية في التصديق على الاتفاقية وتنفيذها في قوانينها الوطنية. كان لتنفيذ هذه الاتفاقية تأثير كبير على حماية النساء العاملات في المناجم وأماكن العمل الأخرى تحت الأرض. ساهمت في تحسين ظروف العمل وتقليل المخاطر الصحية والجسدية التي تتعرض لها النساء.
ومع ذلك، واجه تنفيذ الاتفاقية بعض التحديات. في بعض البلدان، كانت هناك مقاومة من أصحاب العمل الذين كانوا يفضلون توظيف النساء بسبب انخفاض أجورهن. وفي بلدان أخرى، كانت هناك صعوبات في تطبيق القانون بسبب نقص الموارد أو عدم كفاية الرقابة.
على الرغم من هذه التحديات، لعبت الاتفاقية دورًا مهمًا في رفع مستوى الوعي بأهمية حماية المرأة العاملة وتعزيز المساواة في فرص العمل. كما ساهمت في تطوير قوانين وسياسات وطنية أكثر شمولاً لحماية العمال بشكل عام.
التطورات اللاحقة
على مر السنين، شهدت معايير العمل الدولية تطورات كبيرة. تم اعتماد اتفاقيات جديدة تعالج قضايا أكثر تحديدًا تتعلق بحقوق المرأة في العمل، مثل اتفاقية المساواة في الأجور (1951) واتفاقية التمييز (في الاستخدام والمهنة) (1958).
في الوقت الحاضر، لا تزال اتفاقية العمل تحت الأرض (النساء)، 1935 سارية المفعول، على الرغم من أن عدد الدول التي صدقت عليها قد انخفض بسبب التطورات في تكنولوجيا التعدين وتغير المواقف تجاه عمل المرأة. ومع ذلك، لا تزال الاتفاقية تمثل علامة فارقة في تاريخ حماية المرأة العاملة وتذكيرًا بأهمية معالجة المخاطر الصحية والاجتماعية المرتبطة ببعض أنواع العمل.
من المهم أن نلاحظ أن الحظر العام لعمل النساء في المناجم، كما هو منصوص عليه في الاتفاقية، قد يعتبره البعض تمييزًا ضد المرأة في العصر الحديث. ومع ذلك، يجب أن يُنظر إلى الاتفاقية في سياقها التاريخي، حيث كانت تهدف إلى حماية المرأة من الظروف القاسية والخطيرة التي كانت سائدة في ذلك الوقت. اليوم، يتم التركيز بشكل أكبر على ضمان توفير ظروف عمل آمنة وصحية لجميع العمال، بغض النظر عن الجنس.
أهمية الاتفاقية في السياق المعاصر
على الرغم من مرور أكثر من ثمانية عقود على اعتمادها، لا تزال اتفاقية العمل تحت الأرض (النساء)، 1935 ذات أهمية في السياق المعاصر لعدة أسباب:
- تذكير بأهمية حماية المرأة العاملة: تذكرنا الاتفاقية بأهمية معالجة المخاطر الصحية والاجتماعية التي قد تتعرض لها النساء في أماكن العمل.
- الأساس لتطوير معايير عمل دولية أكثر شمولاً: ساهمت الاتفاقية في تطوير معايير عمل دولية أكثر شمولاً تعالج قضايا المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة في العمل.
- الدروس المستفادة من الماضي: تقدم الاتفاقية دروسًا قيمة حول كيفية معالجة التحديات المتعلقة بحماية العمال وتعزيز العدالة الاجتماعية.
في عالم اليوم، حيث تتزايد مشاركة المرأة في القوى العاملة، من المهم أن نضمن توفير ظروف عمل آمنة وصحية وعادلة لجميع النساء. يجب أن نستفيد من الدروس المستفادة من الماضي، بما في ذلك اتفاقية العمل تحت الأرض (النساء)، 1935، لتطوير سياسات وممارسات فعالة تحمي حقوق المرأة وتعزز المساواة بين الجنسين في أماكن العمل.
التحديات المستمرة
على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه في مجال حقوق المرأة في العمل، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه النساء في العديد من البلدان. تشمل هذه التحديات:
- التمييز في الأجور والترقيات: لا تزال النساء يتقاضين أجورًا أقل من الرجال مقابل نفس العمل، وغالبًا ما يواجهن صعوبات في الحصول على ترقيات.
- التحرش الجنسي والعنف في أماكن العمل: لا تزال هذه المشاكل شائعة في العديد من البلدان، وتؤثر سلبًا على صحة ورفاهية النساء العاملات.
- عدم كفاية الحماية الاجتماعية: لا تزال العديد من النساء العاملات في القطاع غير الرسمي يفتقرن إلى الحماية الاجتماعية الكافية، مثل التأمين الصحي والإجازات المرضية والإجازات الأمومية.
للتغلب على هذه التحديات، من الضروري اتخاذ تدابير شاملة تشمل:
- سن قوانين وسياسات قوية تحمي حقوق المرأة في العمل.
- إنفاذ هذه القوانين والسياسات بفعالية.
- توعية أصحاب العمل والعمال بحقوق المرأة.
- تقديم الدعم للنساء اللاتي يتعرضن للتمييز أو التحرش.
دور الحكومات ومنظمات المجتمع المدني
تلعب الحكومات ومنظمات المجتمع المدني دورًا حيويًا في حماية حقوق المرأة العاملة وتعزيز المساواة بين الجنسين في أماكن العمل. يجب على الحكومات أن تلتزم بتنفيذ معايير العمل الدولية، وأن تسن قوانين وسياسات وطنية قوية تحمي حقوق المرأة. يجب على منظمات المجتمع المدني أن تراقب أداء الحكومات وأصحاب العمل، وأن تدافع عن حقوق المرأة العاملة.
خاتمة
اتفاقية العمل تحت الأرض (النساء)، 1935 هي وثيقة تاريخية مهمة تذكرنا بأهمية حماية المرأة العاملة وتعزيز المساواة بين الجنسين في أماكن العمل. على الرغم من التطورات الكبيرة التي تم إحرازها على مر السنين، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه النساء في العديد من البلدان. يجب علينا أن نستفيد من الدروس المستفادة من الماضي، وأن نعمل معًا لتطوير سياسات وممارسات فعالة تحمي حقوق المرأة وتعزز المساواة بين الجنسين في عالم العمل.