تاريخ بالا دورو
تعود أصول بالا دورو إلى عام 976 ميلادي، عندما أمر الدوجي بيترو أورسيو الأول بصياغة رتاج ذهبي لتزيين المذبح الرئيسي في كنيسة سان ماركو. كان هذا الرتاج الأول بسيطًا نسبيًا، ويتألف من عدد قليل من اللوحات الذهبية المزخرفة. على مر القرون، تم توسيع بالا دورو وتزيينها بشكل كبير من قبل الدوجي المتعاقبين، الذين أضافوا إليها المزيد من اللوحات الذهبية والجواهر والأحجار الكريمة.
في عام 1105، دمر حريق كبير كنيسة سان ماركو، بما في ذلك بالا دورو الأصلية. أمر الدوجي أورديلافيو فالير بإعادة بناء الكنيسة والرتاج الذهبي. تم تكليف حرفيين بيزنطيين من القسطنطينية بإعادة بناء بالا دورو، واستغرق العمل عليها أكثر من 10 سنوات. تم الانتهاء من بالا دورو الجديدة في عام 1118، وكانت أكثر فخامة وروعة من سابقتها.
على مر القرون التالية، تم إجراء العديد من التعديلات والإضافات على بالا دورو. في عام 1345، أمر الدوجي أندريا داندولو بإضافة إطار قوطي إلى الرتاج الذهبي، وزينه بالمزيد من الجواهر والأحجار الكريمة. في عام 1348، تم ترميم بالا دورو بشكل كبير بعد أن تضررت بسبب زلزال.
في عام 1806، خلال فترة الاحتلال الفرنسي للبندقية، تم نقل بالا دورو إلى باريس وعرضت في متحف اللوفر. في عام 1815، بعد سقوط نابليون، أعيدت بالا دورو إلى البندقية ووضعت مرة أخرى في كنيسة سان ماركو.
وصف بالا دورو
تتكون بالا دورو من مئات اللوحات الذهبية الصغيرة المرصعة بالجواهر والأحجار الكريمة. تصور اللوحات مشاهد من الكتاب المقدس، بالإضافة إلى صور للقديسين والملائكة والشخصيات التاريخية. الرتاج الذهبي مقسم إلى قسمين رئيسيين: الجزء العلوي، الذي يصور المسيح في مجده، والجزء السفلي، الذي يصور مشاهد من حياة القديس مرقس، شفيع البندقية.
تشمل أبرز اللوحات في بالا دورو ما يلي:
- المسيح الضابط الكل: وهي لوحة كبيرة في الجزء العلوي من الرتاج الذهبي تصور المسيح جالسًا على العرش، وهو يبارك العالم بيده اليمنى ويحمل الكتاب المقدس في يده اليسرى.
- السيدة العذراء: وهي لوحة تصور السيدة العذراء مريم وهي تحمل الطفل يسوع.
- القديس مرقس: وهي سلسلة من اللوحات تصور مشاهد من حياة القديس مرقس، بما في ذلك كتابته للإنجيل واستشهاده.
- صور الدوجي: تتضمن بالا دورو صورًا للعديد من الدوجي الذين حكموا البندقية على مر القرون.
بالإضافة إلى اللوحات الذهبية، تحتوي بالا دورو على أكثر من 2000 جوهرة وحجر كريم، بما في ذلك الياقوت والزمرد والماس واللؤلؤ. تم ترتيب هذه الجواهر والأحجار الكريمة بطريقة تخلق تأثيرًا بصريًا مذهلاً.
الإطار القوطي الذي أضيف إلى بالا دورو في عام 1345 مصنوع من الفضة المذهبة ومزين بالعديد من التماثيل الصغيرة والزخارف الأخرى.
أهمية بالا دورو
تعتبر بالا دورو تحفة فنية فريدة من نوعها تجمع بين فنون الصياغة البيزنطية والذهبية والترصيع بالجواهر. إنها تعكس ثروات وقوة جمهورية البندقية في العصور الوسطى، وتشهد على تاريخ الكنيسة سان ماركو الطويل والغني.
بالا دورو هي أيضًا رمز ديني مهم. تصور اللوحات الموجودة عليها مشاهد من الكتاب المقدس وحياة القديسين، وتذكر المؤمنين بقصص الإيمان والخلاص. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر بالا دورو بمثابة تذكير بأهمية القديس مرقس، شفيع البندقية، ودوره في تاريخ المدينة.
اليوم، تعد بالا دورو واحدة من أشهر المعالم السياحية في البندقية. يأتي الزوار من جميع أنحاء العالم لرؤية هذا الرتاج الذهبي الرائع والتعرف على تاريخه وأهميته.
ترميم بالا دورو
خضعت بالا دورو للعديد من عمليات الترميم على مر القرون. تم إجراء آخر عملية ترميم رئيسية في الفترة من 1995 إلى 2000. خلال هذا الترميم، تم تنظيف اللوحات الذهبية وإصلاحها، وتم استبدال بعض الجواهر والأحجار الكريمة المفقودة.
تم ترميم الإطار القوطي أيضًا خلال هذه الفترة. تم تنظيف الفضة المذهبة وإصلاحها، وتم استبدال بعض التماثيل الصغيرة والزخارف الأخرى المفقودة.
تهدف عمليات الترميم إلى الحفاظ على بالا دورو للأجيال القادمة. من خلال هذه الجهود، سيستمر هذا الرتاج الذهبي الرائع في إلهام وإمتاع الزوار من جميع أنحاء العالم.
الاختلافات بين بالا دورو الأولى والثانية
كما ذكرنا سابقًا، تم تدمير بالا دورو الأصلية في حريق عام 1105. عند إعادة بنائها، كانت هناك اختلافات كبيرة بين الرتاجين، مما يعكس التطورات في الفن البيزنطي والتأثيرات المختلفة التي شكلت الثقافة البندقية:
- الحجم والتصميم: كانت بالا دورو الثانية أكبر وأكثر تعقيدًا من الأولى، حيث تم إضافة المزيد من اللوحات الذهبية والجواهر.
- التقنيات الفنية: استخدم الحرفيون البيزنطيون تقنيات أكثر تطوراً في صياغة الذهب والترصيع بالجواهر في بالا دورو الثانية.
- الموضوعات المصورة: في حين أن كلا الرتاجين يصوران مشاهد من الكتاب المقدس وحياة القديسين، إلا أن بالا دورو الثانية أظهرت تركيزًا أكبر على القديس مرقس وتاريخ البندقية.
- التأثيرات الثقافية: عكست بالا دورو الثانية تأثيرات ثقافية أوسع، بما في ذلك التأثيرات القوطية التي ظهرت لاحقًا.
بالا دورو اليوم
تظل بالا دورو في موقعها الأصلي في كنيسة سان ماركو في البندقية، وهي نقطة جذب رئيسية للزوار. يمكن للزوار مشاهدة بالا دورو من مسافة قريبة مقابل رسوم رمزية، وتتوفر جولات إرشادية لتقديم معلومات مفصلة حول تاريخها وأهميتها الفنية والدينية.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يتم عرض بالا دورو في المعارض الفنية والمتاحف حول العالم، مما يسمح لجمهور أوسع بتقدير هذه التحفة الفنية الرائعة.
خاتمة
بالا دورو هي أكثر من مجرد قطعة فنية؛ إنها شهادة على تاريخ البندقية الغني وقوتها الدينية والثقافية. تجمع بين الفن البيزنطي والتقاليد المحلية، وهي تمثل مزيجًا فريدًا من الأساليب والتأثيرات. سواء كنت مهتمًا بالفن أو التاريخ أو الدين، فإن بالا دورو تقدم تجربة لا تُنسى وتوفر نظرة ثاقبة على عالم العصور الوسطى.