مقدمة
لجنة دونومور، أو “Donoughmore Commission” باللغة الإنجليزية، كانت لجنة ملكية بريطانية تم تشكيلها في عام 1927 لدراسة وإصلاح دستور سيلان (سريلانكا حاليًا). كان الهدف الرئيسي من هذه اللجنة هو إدخال تعديلات على النظام السياسي القائم بهدف تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي والتمثيل للشعب السيلاني. تعتبر اللجنة نقطة تحول هامة في تاريخ سريلانكا، حيث أدت توصياتها إلى وضع دستور جديد عرف بدستور دونومور، والذي كان له تأثير عميق على التطورات السياسية والاجتماعية في البلاد.
خلفية تاريخية
في أوائل القرن العشرين، شهدت سيلان تصاعدًا في المطالب الشعبية بالحكم الذاتي والمشاركة السياسية. كانت الجزيرة آنذاك مستعمرة بريطانية، وكان النظام السياسي يعتمد على تمثيل محدود للسكان المحليين. تفاقمت المشاعر الوطنية بسبب عوامل عدة، بما في ذلك:
- النمو الاقتصادي: ازدهرت صناعة الشاي والمطاط، مما أدى إلى ظهور طبقة وسطى متعلمة تطالب بدور أكبر في إدارة شؤون البلاد.
- التأثيرات الخارجية: تأثرت النخب السيلانية بالأفكار القومية والديمقراطية التي كانت تنتشر في أنحاء العالم.
- التمييز العرقي والديني: شعرت بعض الجماعات العرقية والدينية بالتهميش والإقصاء من قبل النظام الاستعماري، مما زاد من مطالبتها بالإصلاح.
نتيجة لهذه الضغوط، قررت الحكومة البريطانية تشكيل لجنة ملكية لدراسة الوضع واقتراح إصلاحات دستورية. تم اختيار إيرل دونومور، وهو سياسي بريطاني بارز، لرئاسة هذه اللجنة.
تشكيل اللجنة وأعضائها
تم تشكيل لجنة دونومور في عام 1927، وضمت بالإضافة إلى إيرل دونومور، عددًا من الشخصيات البارزة من مختلف المجالات. كان من بين أعضاء اللجنة:
- السير ماثيو ناثان: حاكم سابق لمستعمرات بريطانية مختلفة، وخبير في الشؤون الإدارية.
- السير جيفري بتلر: أكاديمي وخبير في القانون الدستوري.
- تي. بي. بانابوك: ممثل عن المجتمع السيلاني، وكان محاميًا وسياسيًا بارزًا.
كانت مهمة اللجنة هي إجراء تحقيق شامل في النظام السياسي القائم في سيلان، والاستماع إلى آراء مختلف الأطراف، وتقديم توصيات بشأن الإصلاحات الدستورية اللازمة.
عمل اللجنة ومنهجيتها
قامت لجنة دونومور بعمل دقيق وشامل، استغرق عدة أشهر. شمل عمل اللجنة ما يلي:
- جمع الأدلة: استمعت اللجنة إلى شهادات من مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك السياسيين، وقادة المجتمع، والممثلين عن الجماعات العرقية والدينية المختلفة.
- دراسة الوثائق: قامت اللجنة بدراسة الوثائق الرسمية والقوانين واللوائح المتعلقة بالنظام السياسي في سيلان.
- إجراء المقابلات: أجرت اللجنة مقابلات مع عدد كبير من الأشخاص من مختلف الخلفيات، بهدف فهم وجهات نظرهم ومخاوفهم.
- زيارة المناطق المختلفة: قامت اللجنة بزيارة مناطق مختلفة في سيلان، للاطلاع على الأوضاع المعيشية والتحديات التي تواجه السكان.
اعتمدت اللجنة على منهجية علمية وموضوعية في عملها، وحرصت على الاستماع إلى جميع وجهات النظر قبل تقديم توصياتها.
توصيات لجنة دونومور
بعد الانتهاء من عملها، قدمت لجنة دونومور تقريرًا مفصلاً يتضمن عددًا من التوصيات الهامة. كان من أبرز هذه التوصيات:
- إلغاء النظام الطائفي: أوصت اللجنة بإلغاء النظام الطائفي في الانتخابات، والذي كان يعتمد على تخصيص مقاعد في المجلس التشريعي لجماعات عرقية ودينية محددة.
- منح حق الاقتراع العام: أوصت اللجنة بمنح حق الاقتراع العام لجميع المواطنين البالغين، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو الثروة.
- إنشاء مجلس تنفيذي: أوصت اللجنة بإنشاء مجلس تنفيذي منتخب من قبل المجلس التشريعي، ليكون مسؤولاً عن إدارة شؤون البلاد.
- إلغاء منصب نائب الحاكم: أوصت اللجنة بإلغاء منصب نائب الحاكم، وتقليص صلاحيات الحاكم العام.
كانت هذه التوصيات جذرية ومثيرة للجدل، حيث أنها كانت تمثل تحولاً كبيرًا في النظام السياسي القائم.
دستور دونومور (1931-1947)
بناءً على توصيات لجنة دونومور، تم وضع دستور جديد لسيلان في عام 1931، عرف بدستور دونومور. كان هذا الدستور يمثل خطوة هامة نحو الحكم الذاتي، حيث أنه أدخل عددًا من التغييرات الهامة على النظام السياسي، بما في ذلك:
- إنشاء مجلس دولة: تم إنشاء مجلس دولة منتخب من قبل الشعب، ليحل محل المجلس التشريعي القديم.
- تشكيل لجان تنفيذية: تم تشكيل لجان تنفيذية منتخبة من قبل مجلس الدولة، لتكون مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد.
- منح حق الاقتراع العام: تم منح حق الاقتراع العام لجميع المواطنين البالغين، مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الناخبين.
كان دستور دونومور يعتبر تقدميًا في ذلك الوقت، حيث أنه كان يمنح سيلان قدرًا أكبر من الحكم الذاتي، ويوسع المشاركة السياسية للشعب.
إيجابيات وسلبيات دستور دونومور
على الرغم من أن دستور دونومور كان يعتبر تقدميًا في ذلك الوقت، إلا أنه لم يكن خاليًا من العيوب. كان للدستور عدد من الإيجابيات والسلبيات، من بينها:
الإيجابيات:
- توسيع المشاركة السياسية: أدى منح حق الاقتراع العام إلى توسيع المشاركة السياسية للشعب، وزيادة تمثيله في المؤسسات الحكومية.
- تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي: منح الدستور سيلان قدرًا أكبر من الحكم الذاتي، وسمح للسيلانيين بإدارة شؤونهم بأنفسهم.
- إلغاء النظام الطائفي: أدى إلغاء النظام الطائفي إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وتقليل التوترات العرقية والدينية.
السلبيات:
- عدم وجود نظام وزاري مسؤول: لم يكن الدستور ينص على وجود نظام وزاري مسؤول، مما أدى إلى صعوبة محاسبة الوزراء أمام البرلمان.
- صلاحيات واسعة للحاكم العام: كان الحاكم العام يتمتع بصلاحيات واسعة، مما حد من سلطة مجلس الدولة واللجان التنفيذية.
- عدم معالجة قضايا الأقليات: لم يعالج الدستور بشكل كامل قضايا الأقليات العرقية والدينية، مما أدى إلى استمرار التوترات بين الجماعات المختلفة.
تأثيرات لجنة دونومور ودستورها
كان للجنة دونومور ودستورها تأثير عميق على التطورات السياسية والاجتماعية في سريلانكا. يمكن تلخيص هذه التأثيرات في النقاط التالية:
- تأسيس نظام ديمقراطي: ساهمت توصيات لجنة دونومور في تأسيس نظام ديمقراطي في سريلانكا، يعتمد على الانتخابات الحرة والنزيهة، والمشاركة السياسية للشعب.
- تعزيز الوحدة الوطنية: أدى إلغاء النظام الطائفي إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وتقليل التوترات العرقية والدينية.
- تمهيد الطريق للاستقلال: مهد دستور دونومور الطريق للاستقلال الكامل لسريلانكا في عام 1948، حيث أنه منح البلاد قدرًا أكبر من الحكم الذاتي، وأعد الشعب السيلاني لتولي مسؤولية إدارة شؤونه بنفسه.
- تأثيرات مستمرة: لا تزال تأثيرات لجنة دونومور ودستورها محسوسة حتى اليوم في النظام السياسي والقانوني في سريلانكا.
انتقادات لدستور دونومور
على الرغم من أهمية دستور دونومور في تاريخ سريلانكا، إلا أنه تعرض لبعض الانتقادات. يرى البعض أن الدستور لم يكن كافياً لمعالجة التحديات التي تواجه البلاد، وأنه كان يعاني من بعض العيوب الهيكلية. من بين الانتقادات الموجهة للدستور:
- عدم كفاية التمثيل للأقليات: يرى البعض أن الدستور لم يوفر تمثيلاً كافياً للأقليات العرقية والدينية في المؤسسات الحكومية، مما أدى إلى استمرار شعورهم بالتهميش والإقصاء.
- صلاحيات واسعة للحاكم العام: يرى البعض أن الصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها الحاكم العام كانت تحد من سلطة مجلس الدولة واللجان التنفيذية، وتقوض مبدأ الحكم الذاتي.
- عدم وجود نظام وزاري مسؤول: يرى البعض أن عدم وجود نظام وزاري مسؤول كان يؤدي إلى صعوبة محاسبة الوزراء أمام البرلمان، ويقلل من كفاءة إدارة شؤون البلاد.
خاتمة
في الختام، كانت لجنة دونومور ودستورها نقطة تحول هامة في تاريخ سريلانكا. ساهمت توصيات اللجنة في تأسيس نظام ديمقراطي في البلاد، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتمهيد الطريق للاستقلال. على الرغم من أن الدستور لم يكن خاليًا من العيوب، إلا أنه كان يعتبر تقدميًا في ذلك الوقت، حيث أنه منح سيلان قدرًا أكبر من الحكم الذاتي، ووسع المشاركة السياسية للشعب. لا تزال تأثيرات لجنة دونومور ودستورها محسوسة حتى اليوم في النظام السياسي والقانوني في سريلانكا، مما يجعلها موضوعًا هامًا للدراسة والبحث.