<![CDATA[
التاريخ والتطوير
بدأ تطوير مدفع 85 ملم في عام 1938، بهدف استبدال المدافع المضادة للطائرات القديمة. تم تصميم المدفع تحت إشراف مجموعة من المصممين السوفييت البارزين، بما في ذلك المهندسين الذين لديهم خبرة في تصميم المدافع المضادة للطائرات. تم الانتهاء من التصميم وبدأ الإنتاج في عام 1939، وأُطلق على المدفع اسم M1939 (52-K)، حيث يشير الرقم “52” إلى طول السبطانة بالعيارات.
كان الهدف الرئيسي من تصميم هذا المدفع هو توفير سلاح قادر على التعامل مع الطائرات الحديثة التي كانت تظهر في ذلك الوقت. تميز المدفع بمدى إطلاق نار كبير وارتفاع عالٍ، مما سمح له بالاشتباك مع الأهداف الجوية على مسافات كبيرة. كما تميز المدفع بدقته العالية، مما جعله فعالًا في تدمير الطائرات المعادية.
التصميم والمواصفات
يتكون مدفع 85 ملم من عدة أجزاء رئيسية، بما في ذلك السبطانة، والماسورة، والآلية، والقاعدة. كانت السبطانة مصنوعة من الفولاذ عالي الجودة، وكانت تحتوي على تجويف داخلي حلزوني لتدوير القذيفة وزيادة دقتها. أما الماسورة فكانت مسؤولة عن توجيه القذيفة وإطلاقها. تضمنت الآلية نظامًا للتحميل الأوتوماتيكي وشحن الذخيرة. كانت القاعدة توفر الثبات للمدفع أثناء إطلاق النار.
تتميز المواصفات الفنية لمدفع 85 ملم بما يلي:
- العيار: 85 ملم
- طول السبطانة: 52 عيارًا (4.42 متر)
- وزن المدفع: حوالي 4.5 طن
- معدل إطلاق النار: 15-20 طلقة في الدقيقة
- المدى الأفقي: 15.6 كيلومتر
- المدى الرأسي: 10.5 كيلومتر
- الذخيرة: قذائف شديدة الانفجار، وشظايا، وقذائف خارقة للدروع
كان المدفع قادرًا على إطلاق مجموعة متنوعة من الذخائر، بما في ذلك القذائف شديدة الانفجار، والقذائف الشظايا، والقذائف خارقة للدروع. تم تصميم القذائف شديدة الانفجار لتدمير الطائرات، بينما تم تصميم القذائف الشظايا لإحداث أضرار واسعة النطاق. أما القذائف خارقة للدروع فكانت تستخدم لمهاجمة الدبابات والمركبات المدرعة.
الاستخدام في الحرب العالمية الثانية
شهد مدفع 85 ملم M1939 (52-K) استخدامًا واسع النطاق خلال الحرب العالمية الثانية. لعب المدفع دورًا حاسمًا في الدفاع الجوي السوفيتي، حيث ساهم في حماية المدن والمواقع الصناعية والمنشآت العسكرية من الغارات الجوية الألمانية. تم نشر المدفع في جميع أنحاء الجبهة الشرقية، وأثبت فعاليته في إسقاط الطائرات الألمانية.
كان المدفع يستخدم في الدفاع عن المواقع الثابتة، مثل المصانع والمستشفيات والمباني الحكومية. كما تم استخدامه في حماية القوات البرية أثناء تقدمها. كان المدفع غالبًا ما يتم تجميعه في بطاريات مكونة من أربعة أو ستة مدافع، والتي كانت تعمل معًا لتوفير غطاء جوي فعال. أثبت المدفع كفاءته في مواجهة أنواع مختلفة من الطائرات الألمانية، بما في ذلك القاذفات والمقاتلات.
بالإضافة إلى دوره في الدفاع الجوي، تم استخدام مدفع 85 ملم أيضًا ضد الأهداف الأرضية. استخدم السوفييت المدفع لمهاجمة الدبابات والمركبات المدرعة الألمانية، خاصة في المراحل الأخيرة من الحرب. أثبت المدفع قدرته على اختراق دروع الدبابات الألمانية الخفيفة والمتوسطة، مما جعله سلاحًا فعالًا في المعارك البرية.
التعديلات والتحسينات
على الرغم من فعاليته، خضع مدفع 85 ملم للعديد من التعديلات والتحسينات خلال فترة خدمته. كان أحد أهم التعديلات هو إضافة نظام توجيه راداري، مما سمح للمدفع بتتبع الطائرات المعادية في جميع الأحوال الجوية. كما تم تحسين تصميم المدفع لزيادة معدل إطلاق النار وتقليل وقت التحميل. تم أيضًا تطوير أنواع جديدة من الذخائر لتحسين الأداء ضد الأهداف المختلفة.
بعد الحرب العالمية الثانية، استمر مدفع 85 ملم في الخدمة في الجيش السوفيتي والعديد من الجيوش الأخرى حول العالم. تم تصدير المدفع إلى العديد من الدول، بما في ذلك دول حلف وارسو، والدول التي كانت تدعمها الاتحاد السوفيتي. استمر المدفع في اللعب دورًا مهمًا في الدفاع الجوي حتى ظهور صواريخ الدفاع الجوي الأكثر تطوراً.
التأثير والإرث
كان لمدفع 85 ملم M1939 (52-K) تأثير كبير على الدفاع الجوي في الحرب العالمية الثانية. أثبت المدفع فعاليته في إسقاط الطائرات المعادية وحماية الأهداف الحيوية. كما ساهم في إضعاف التفوق الجوي الألماني، مما ساعد على تغيير مسار الحرب. يعتبر المدفع من الأسلحة الهامة في تاريخ الحرب العالمية الثانية.
بالإضافة إلى تأثيره العسكري، كان لمدفع 85 ملم تأثير كبير على تطور تكنولوجيا الدفاع الجوي. ألهم تصميم المدفع وتكنولوجيا تصنيعه تطوير مدافع مضادة للطائرات أكثر تطورًا في السنوات اللاحقة. يعتبر المدفع مثالًا على التكنولوجيا السوفيتية المبتكرة في فترة الحرب. لا يزال المدفع يُذكر كرمز للدفاع السوفيتي عن أرضه خلال الحرب.
الانتشار والاستخدام العالمي
بسبب موثوقيته وفعاليته، تم تصدير مدفع 85 ملم على نطاق واسع إلى العديد من الدول حول العالم. استخدمته دول حلف وارسو، بالإضافة إلى عدد من الدول الأخرى التي كانت تدعمها الاتحاد السوفيتي. شارك المدفع في العديد من الصراعات والحروب في جميع أنحاء العالم. يمكن رؤية هذا المدفع في المتاحف العسكرية حول العالم، وهو دليل على أهميته التاريخية.
خلال الحرب الباردة، كان مدفع 85 ملم سلاحًا قياسيًا في جيوش دول حلف وارسو. كما استخدمته العديد من الدول الأخرى في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. شارك المدفع في حروب إقليمية وصراعات داخلية في جميع أنحاء العالم. حتى يومنا هذا، لا يزال بعض هذه المدافع قيد الخدمة في بعض الجيوش، على الرغم من أنها أصبحت قديمة نسبياً.
مقارنة مع المدافع الأخرى
عند مقارنة مدفع 85 ملم مع المدافع المضادة للطائرات الأخرى في عصره، يتبين أنه كان يتمتع بمزايا عديدة. كان يتمتع بمدى إطلاق نار أكبر ودقة أعلى من العديد من المدافع الأخرى. كما كان يتمتع بمعدل إطلاق نار جيد نسبيًا. ومع ذلك، كان مدفع 85 ملم يفتقر إلى بعض الميزات التي كانت موجودة في المدافع الأكثر تطورًا، مثل نظام التوجيه الراداري المتكامل.
على سبيل المثال، قارنه الكثيرون بالمدفع الألماني 8.8 سم Flak 18/36/37/41. كان المدفع الألماني يتمتع بمدى إطلاق نار أكبر ودقة أعلى، ولكنه كان أكثر تعقيدًا في التصنيع والصيانة. كان مدفع 85 ملم خيارًا أكثر موثوقية وسهولة في الاستخدام، مما جعله خيارًا جيدًا للجيش السوفيتي والجيوش الأخرى.
التطورات اللاحقة
بمرور الوقت، تم استبدال مدفع 85 ملم M1939 (52-K) في الجيش السوفيتي بأسلحة دفاع جوي أكثر تطورًا، مثل صواريخ الدفاع الجوي. ومع ذلك، استمر المدفع في الخدمة في العديد من الجيوش حول العالم لعدة عقود. شهد بعض هذه المدافع تحديثات لإطالة عمرها الافتراضي، مثل إضافة أنظمة توجيه محسنة أو تغيير أنواع الذخائر.
على الرغم من أن مدفع 85 ملم لم يعد سلاحًا رئيسيًا في الدفاع الجوي في معظم الدول، إلا أنه لا يزال يحتل مكانة مهمة في التاريخ العسكري. يعتبر المدفع رمزًا لفترة مهمة من الحرب الباردة، ولا يزال يمثل مثالًا على الهندسة العسكرية السوفيتية الناجحة.
خاتمة
مدفع 85 ملم M1939 (52-K) كان سلاحًا سوفيتيًا مضادًا للطائرات لعب دورًا حاسمًا في الدفاع الجوي خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها. يتميز المدفع بتصميمه المتين وأدائه الموثوق به، مما جعله فعالًا في مواجهة التهديدات الجوية المختلفة. على الرغم من أنه لم يعد يستخدم على نطاق واسع في الجيوش الحديثة، إلا أن المدفع لا يزال يحمل أهمية تاريخية كبيرة.