مقدمة
كانت بعثة أندريه للمنطقة القطبية الشمالية بالمنطاد عام 1897 محاولة سويدية فاشلة للوصول إلى القطب الشمالي عن طريق منطاد الهيدروجين. قاد البعثة المستكشف والمهندس سولومون أندريه، وشارك فيها الفيزيائي كنوت فرانكل والرسام نيلز ستريندبرغ. انطلقت البعثة من جزيرة دانز شمال غرب سفالبارد في 11 يوليو 1897، ولكنها واجهت مشاكل بعد بضعة أيام فقط، مما أدى إلى هبوط اضطراري على الجليد. اضطر أفراد البعثة إلى السير على الأقدام عبر الجليد المتجمد في محاولة للعودة إلى الحضارة، لكنهم لقوا حتفهم جميعًا.
الخلفية
في أواخر القرن التاسع عشر، كانت المنطقة القطبية الشمالية لا تزال مجهولة إلى حد كبير، وكانت هناك محاولات عديدة لاستكشافها والوصول إلى القطب الشمالي. كان سولومون أندريه من المتحمسين لفكرة استخدام المنطاد كوسيلة لاستكشاف المنطقة القطبية الشمالية، معتقدًا أنه يمكن أن يوفر وسيلة أسرع وأكثر كفاءة للوصول إلى القطب مقارنة بالرحلات الاستكشافية التقليدية التي تعتمد على الزلاجات والكلاب. حصل أندريه على دعم مالي من الملك أوسكار الثاني وألفريد نوبل وعدد من رجال الأعمال السويديين البارزين الآخرين.
التخطيط والإعداد
استغرق التخطيط والإعداد للبعثة عدة سنوات. تم بناء المنطاد، الذي أطلق عليه اسم “النورس” (Örnen)، في باريس بواسطة شركة هنري لاشامبر. كان المنطاد مصنوعًا من قماش حريري مزدوج الطبقات ومطاط، وكان يبلغ قطره حوالي 20 مترًا. كان من المفترض أن يكون المنطاد قادرًا على الطيران لمدة تصل إلى 30 يومًا وحمل ثلاثة أشخاص ومؤن لمدة أربعة أشهر.
واجهت البعثة العديد من التحديات أثناء التخطيط والإعداد. كان أحد أكبر التحديات هو ضمان إحكام المنطاد ومنع تسرب الهيدروجين. كان أندريه يعلم أن المنطاد سيفقد بعض الهيدروجين بمرور الوقت، لكنه اعتقد أنه يمكنه تعويض ذلك عن طريق إلقاء الأكياس الرملية. ومع ذلك، لم يكن يعلم مدى سرعة فقدان المنطاد للهيدروجين.
بالإضافة إلى ذلك، كان على البعثة أن تتعامل مع الظروف الجوية القاسية في المنطقة القطبية الشمالية. كان من المتوقع أن تكون درجات الحرارة منخفضة جدًا، وكان هناك خطر كبير من العواصف الثلجية والرياح القوية. كان على البعثة أن تحمل معها ملابس ومعدات خاصة للحماية من هذه الظروف.
الانطلاق والكارثة
انطلقت بعثة أندريه من جزيرة دانز في سفالبارد في 11 يوليو 1897. كان الطقس جيدًا في البداية، وارتفع المنطاد بثبات. ومع ذلك، بعد بضعة أيام فقط، بدأت المشاكل في الظهور. بدأ المنطاد في فقدان الهيدروجين بسرعة أكبر مما كان متوقعًا، واضطر أفراد البعثة إلى إلقاء المزيد والمزيد من الأكياس الرملية للحفاظ على ارتفاعه. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مشاكل في نظام التوجيه، مما جعل من الصعب التحكم في اتجاه المنطاد.
في 14 يوليو، بعد ثلاثة أيام فقط من الانطلاق، اضطر أفراد البعثة إلى الهبوط اضطراريًا على الجليد المتجمد. كان المنطاد قد فقد الكثير من الهيدروجين لدرجة أنه لم يعد بإمكانه الطيران. كان أفراد البعثة على بعد حوالي 480 كيلومترًا من أقرب أرض مأهولة.
المسيرة عبر الجليد
بعد الهبوط الاضطراري، لم يكن أمام أفراد البعثة خيار سوى السير على الأقدام عبر الجليد المتجمد في محاولة للعودة إلى الحضارة. حملوا معهم بعض المؤن والمعدات، بما في ذلك الزلاجات والبنادق والكاميرات. كان عليهم أن يتعاملوا مع الظروف الجوية القاسية، بما في ذلك درجات الحرارة المنخفضة والعواصف الثلجية. بالإضافة إلى ذلك، كان عليهم أن يحذروا من الحيوانات المفترسة، مثل الدببة القطبية.
كانت المسيرة عبر الجليد صعبة للغاية. كان الجليد غير مستقر، وكان هناك خطر السقوط في المياه الجليدية. بالإضافة إلى ذلك، كان أفراد البعثة يعانون من نقص الغذاء والإرهاق. ومع ذلك، استمروا في التقدم، على أمل الوصول إلى بر الأمان.
الموت في جزيرة وايت
بعد عدة أشهر من المسيرة عبر الجليد، وصل أفراد البعثة إلى جزيرة وايت (Kvitøya)، وهي جزيرة صغيرة غير مأهولة تقع في الجزء الشرقي من سفالبارد. بنوا معسكرًا على الجزيرة وقضوا فصل الشتاء هناك. ومع ذلك، لم يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة. توفي أندريه وستريندبرغ في أكتوبر 1897، بينما توفي فرانكل في وقت لاحق. لا تزال أسباب الوفاة الدقيقة غير واضحة، ولكن يُعتقد أنها ناجمة عن مجموعة من العوامل، بما في ذلك نقص الغذاء والتسمم بأول أكسيد الكربون بسبب استخدام مواقد الكيروسين في خيمة مغلقة.
اكتشاف الرفات
ظلت قصة بعثة أندريه لغزًا لأكثر من 30 عامًا. في عام 1930، عثرت بعثة نرويجية على بقايا المعسكر الأخير لبعثة أندريه على جزيرة وايت. تم العثور على جثث أندريه وستريندبرغ وفرانكل، بالإضافة إلى العديد من المتعلقات الشخصية، بما في ذلك دفاتر اليومية والصور.
أعطى اكتشاف الرفات نظرة ثاقبة لظروف بعثة أندريه وما حدث لأفرادها. أظهرت دفاتر اليومية أن أفراد البعثة كانوا على دراية بالمخاطر التي يواجهونها، لكنهم ظلوا مصممين على تحقيق هدفهم. أظهرت الصور التي تم العثور عليها أن أفراد البعثة كانوا يتمتعون بروح معنوية عالية في البداية، ولكن مع مرور الوقت، بدأوا في الشعور بالإحباط واليأس.
الإرث
تعتبر بعثة أندريه للمنطقة القطبية الشمالية قصة مأساوية عن الطموح والتصميم والموت. على الرغم من فشل البعثة في تحقيق هدفها، إلا أنها تركت إرثًا دائمًا. أظهرت البعثة مدى صعوبة استكشاف المنطقة القطبية الشمالية والمخاطر التي تنطوي عليها. بالإضافة إلى ذلك، ألهمت البعثة أجيالًا من المستكشفين والعلماء.
كما أثارت البعثة أسئلة حول أخلاقيات الاستكشاف العلمي. هل من المقبول المخاطرة بحياة البشر من أجل تحقيق هدف علمي؟ هل يجب أن يكون للمستكشفين الحق في القيام بما يريدون، أم يجب أن يخضعوا للرقابة؟ لا تزال هذه الأسئلة ذات صلة حتى اليوم.
خاتمة
كانت بعثة أندريه للمنطقة القطبية الشمالية بالمنطاد محاولة جريئة لكنها فاشلة للوصول إلى القطب الشمالي. انتهت الرحلة بمأساة، حيث توفي جميع أفراد البعثة. على الرغم من فشلها، تركت البعثة إرثًا دائمًا وأثارت أسئلة مهمة حول الاستكشاف العلمي.