نشأته وتعليمه
ولد سيريل مانغو في مدينة القسطنطينية (إسطنبول حاليًا) في عام 1928 لعائلة من أصل روسي أرستقراطي. تلقى تعليمه المبكر في مدرسة فرنسية في إسطنبول، مما أكسبه إتقانًا للغة الفرنسية بالإضافة إلى لغته الأم الروسية. انتقلت عائلته لاحقًا إلى اليونان، ثم إلى إنجلترا، حيث التحق بكلية إكستر في جامعة أكسفورد. درس مانغو التاريخ الكلاسيكي والبيزنطي في أكسفورد، وحصل على درجة الدكتوراه في عام 1953 تحت إشراف المؤرخ البيزنطي الشهير نورمان باينز.
مسيرته الأكاديمية
بعد حصوله على الدكتوراه، بدأ مانغو مسيرته الأكاديمية في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة، حيث عمل أستاذًا مساعدًا ثم أستاذًا مشاركًا في قسم الفنون الجميلة. في عام 1963، عاد إلى إنجلترا ليتولى منصب أستاذ التاريخ البيزنطي في كلية الملك في جامعة لندن، وهو المنصب الذي شغله حتى تقاعده في عام 1995. خلال فترة عمله في كلية الملك، قام مانغو بتدريس أجيال من الطلاب وأشرف على العديد من الأطروحات الدكتوراه، وساهم بشكل كبير في تطوير الدراسات البيزنطية في المملكة المتحدة.
بالإضافة إلى عمله التدريسي، كان مانغو باحثًا غزير الإنتاج، حيث نشر العديد من الكتب والمقالات المهمة التي أثرت بشكل كبير في مجال الدراسات البيزنطية. كان مانغو أيضًا عضوًا في العديد من الجمعيات الأكاديمية المرموقة، بما في ذلك الأكاديمية البريطانية والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.
أعماله ومؤلفاته
تتميز أعمال سيريل مانغو بالدقة والعمق والشمولية، وتغطي مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالتاريخ والفن والعمارة البيزنطية. من بين أبرز أعماله:
- “مصادر ودراسات حول القسطنطينية البيزنطية” (The Brazen House: A Study of the Mausoleum of Theodoric at Ravenna): وهو كتاب رائد يتناول تاريخ وتطور مدينة القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، من خلال دراسة المصادر التاريخية والأثرية. يقدم الكتاب صورة حية للمدينة وحياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية.
- “العمارة البيزنطية” (Byzantine Architecture): يعتبر هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا في دراسة العمارة البيزنطية، حيث يقدم تحليلًا شاملاً لتطور العمارة البيزنطية من القرن الرابع إلى القرن الخامس عشر الميلادي. يتناول الكتاب مختلف أنواع المباني البيزنطية، بما في ذلك الكنائس والقصور والحصون، ويناقش التقنيات والمواد المستخدمة في بنائها.
- “بيزنطة: الإمبراطورية في روما الشرقية” (Byzantium: The Empire of New Rome): يقدم هذا الكتاب نظرة عامة شاملة على تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، من تأسيسها في القرن الرابع الميلادي إلى سقوطها في القرن الخامس عشر الميلادي. يتناول الكتاب مختلف جوانب الحياة في بيزنطة، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة.
- “فن العالم البيزنطي، 330-1453” (The Art of the Byzantine Empire, 312-1453: Sources and Documents): وهو عبارة عن مختارات من النصوص والمصادر الأصلية التي تتناول الفن البيزنطي، بدءًا من العصر القسطنطيني وحتى سقوط القسطنطينية. يوفر الكتاب للطلاب والباحثين فرصة الوصول إلى المصادر الأولية التي تعينهم على فهم الفن البيزنطي بشكل أفضل.
بالإضافة إلى هذه الكتب، نشر مانغو العديد من المقالات والدراسات المتخصصة في المجلات والدوريات الأكاديمية. كما قام بتحرير وترجمة العديد من النصوص البيزنطية المهمة.
مساهماته في الدراسات البيزنطية
ساهم سيريل مانغو بشكل كبير في تطوير الدراسات البيزنطية من خلال أعماله ومؤلفاته التي تتميز بالدقة والعمق والشمولية. فقد قدم مانغو مساهمات مهمة في فهمنا لتاريخ وفن وعمارة الإمبراطورية البيزنطية، وترك بصمة واضحة على الأجيال اللاحقة من الباحثين. يمكن تلخيص أبرز مساهمات مانغو في الدراسات البيزنطية على النحو التالي:
- تطوير منهجية البحث في الدراسات البيزنطية: أكد مانغو على أهمية الاعتماد على المصادر الأصلية في دراسة التاريخ البيزنطي، وحث الباحثين على تحليل هذه المصادر بشكل نقدي وموضوعي. كما دعا إلى استخدام مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك المصادر الأدبية والأثرية والفنية، من أجل الحصول على صورة أكثر اكتمالًا للإمبراطورية البيزنطية.
- إعادة تقييم الفن والعمارة البيزنطية: ساهم مانغو في إعادة تقييم الفن والعمارة البيزنطية، حيث أكد على أهميتهما وقيمتهما الفنية والتاريخية. كما سلط الضوء على التأثيرات المختلفة التي أثرت في الفن والعمارة البيزنطية، بما في ذلك التأثيرات الرومانية واليونانية والشرقية.
- إبراز أهمية الحياة الاجتماعية والثقافية في بيزنطة: لم يركز مانغو فقط على الجوانب السياسية والعسكرية للإمبراطورية البيزنطية، بل اهتم أيضًا بالحياة الاجتماعية والثقافية في بيزنطة. فقد درس مختلف جوانب الحياة اليومية في بيزنطة، بما في ذلك الدين والتعليم والفنون والترفيه.
- تدريب الأجيال اللاحقة من الباحثين: قام مانغو بتدريس أجيال من الطلاب وأشرف على العديد من الأطروحات الدكتوراه، وساهم بشكل كبير في تطوير الدراسات البيزنطية في المملكة المتحدة وخارجها.
الجوائز والتكريمات
تقديراً لإسهاماته البارزة في مجال الدراسات البيزنطية، حصل سيريل مانغو على العديد من الجوائز والتكريمات، بما في ذلك:
- انتخابه زميلاً في الأكاديمية البريطانية.
- انتخابه عضواً في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.
- حصوله على الدكتوراه الفخرية من جامعة أكسفورد.
- حصوله على ميدالية كنيسة القديس جورج من بطريركية القسطنطينية المسكونية.
خاتمة
كان سيريل مانغو باحثًا استثنائيًا ومؤرخًا متميزًا، ترك إرثًا أكاديميًا غنيًا سيستمر في إلهام الباحثين والأجيال القادمة. من خلال أعماله الرائدة، ساهم مانغو بشكل كبير في فهمنا للإمبراطورية البيزنطية وحضارتها العريقة. سيبقى مانغو في الذاكرة كواحد من أبرز المتخصصين في الدراسات البيزنطية في القرن العشرين.