<![CDATA[
جمهورية المجريات السوفيتية (1919)
كانت جمهورية المجريات السوفيتية فترة حكم شيوعي قصيرة الأمد في هنغاريا، استمرت من مارس إلى أغسطس 1919. جاءت هذه الجمهورية نتيجة لعدة عوامل، بما في ذلك الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، وتصاعد الحركات العمالية والشيوعية. بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية المجرية، أعلنت هنغاريا استقلالها، ولكنها سرعان ما واجهت تحديات داخلية وخارجية.
في مارس 1919، استولى الشيوعيون على السلطة بقيادة بيلا كون، وهو سياسي شيوعي مجري. أعلن كون عن تأسيس جمهورية المجريات السوفيتية، وأعلن عن برنامج إصلاحي جذري. تضمن هذا البرنامج تأميم الصناعات والبنوك، ومصادرة الأراضي وإعادة توزيعها على الفلاحين، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم المجاني. سعى كون إلى إقامة مجتمع شيوعي على غرار الاتحاد السوفيتي.
واجهت جمهورية المجريات السوفيتية معارضة شديدة من القوى الداخلية والخارجية. عارضت الطبقات الغنية والبورجوازية هذه الجمهورية، بينما بدأت دول الحلفاء في التخطيط للتدخل العسكري. أدت هذه المعارضة إلى حرب أهلية قصيرة الأمد، حيث قاتل الجيش الأحمر المجري القوات المناهضة للشيوعية. على الرغم من بعض الانتصارات الأولية، إلا أن جمهورية المجريات السوفيتية لم تتمكن من الصمود.
في أغسطس 1919، غزت القوات الرومانية هنغاريا، وأُجبرت جمهورية المجريات السوفيتية على الاستسلام. فر بيلا كون وعدد من الشيوعيين إلى الخارج. أعقب ذلك فترة من الحكم العسكري والاضطهاد، حيث تم اعتقال وتعذيب وقتل الآلاف من الشيوعيين واليساريين. على الرغم من قصر مدتها، إلا أن جمهورية المجريات السوفيتية تركت إرثًا كبيرًا في تاريخ هنغاريا، وساهمت في صعود الشيوعية في المنطقة.
الجمهورية الهنغارية (1946–1949)
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، احتلت القوات السوفيتية هنغاريا. في عام 1946، أعلنت هنغاريا قيام الجمهورية الهنغارية، ولكن سرعان ما بدأت الأحزاب الشيوعية تكتسب نفوذًا متزايدًا. في الانتخابات التي جرت بعد الحرب، فاز حزب الشعب الديمقراطي بقيادة ماتياس راكوشي. ومع ذلك، استخدم الشيوعيون تكتيكات مختلفة، مثل التلاعب بالانتخابات والترهيب، لتعزيز سلطتهم.
في عام 1947، بدأ الشيوعيون في حملة لتصفية المعارضة. تم اعتقال وقمع العديد من السياسيين غير الشيوعيين، وتم حظر الأحزاب الأخرى. في عام 1949، أجريت انتخابات صورية سيطر عليها الشيوعيون بالكامل. في أعقاب هذه الانتخابات، أعلنت هنغاريا قيام جمهورية الشعب الهنغارية، مما يمثل بداية فترة جديدة من الحكم الشيوعي الكامل.
خلال فترة الجمهورية الهنغارية، شهدت هنغاريا تحولات كبيرة في الاقتصاد والمجتمع. تم تأميم الصناعات والبنوك، وتمتلك الدولة السيطرة الكاملة على الاقتصاد. تم تطبيق نظام التخطيط المركزي، حيث تحدد الدولة الإنتاج والتوزيع. أدى هذا النظام إلى نقص في السلع الأساسية، وتدهور في مستوى المعيشة.
شهدت هنغاريا أيضًا قمعًا سياسيًا شديدًا خلال هذه الفترة. تم قمع الحريات المدنية، وتم قمع المعارضة السياسية. تم إنشاء الشرطة السرية (AVH) لقمع المعارضين، واعتقال وتعذيب وقتل الآلاف من الأشخاص. تم فرض رقابة صارمة على الصحافة والإعلام، وتم استخدام الدعاية الشيوعية للسيطرة على الرأي العام.
كانت فترة الجمهورية الهنغارية فترة مظلمة في تاريخ هنغاريا. على الرغم من بعض التحسينات في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية، إلا أن القمع السياسي والقيود الاقتصادية والاجتماعية تركت أثرًا دائمًا على المجتمع الهنغاري. مهدت هذه الفترة الطريق للجمهورية الشعبية الهنغارية، والتي استمرت لأكثر من أربعين عامًا.
الجمهورية الشعبية الهنغارية (1949–1989)
بعد أن سيطر الشيوعيون على السلطة في عام 1949، أعلنت هنغاريا قيام الجمهورية الشعبية الهنغارية، وأصبحت دولة تابعة للاتحاد السوفيتي. خلال هذه الفترة، شهدت هنغاريا تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، غالبًا ما كانت مستوحاة من النموذج السوفيتي.
كانت الحياة السياسية في الجمهورية الشعبية الهنغارية تحت سيطرة الحزب الشيوعي الهنغاري، الذي كان يعرف باسم حزب العمال الهنغاري. كان الحزب يمارس السيطرة الكاملة على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الحكومة والاقتصاد والإعلام والتعليم. كان الحزب مسؤولًا عن قمع المعارضة السياسية وتقييد الحريات المدنية.
شهدت هنغاريا فترة من القمع السياسي الشديد في الخمسينيات، وخاصة في عهد ماتياس راكوشي، الذي كان زعيمًا متشددًا. تم اعتقال وتعذيب الآلاف من الأشخاص، وأُعدم عدد كبير منهم. اندلعت ثورة عام 1956، والتي كانت انتفاضة شعبية ضد الحكم الشيوعي والقمع السياسي. تم قمع الثورة بوحشية من قبل القوات السوفيتية، مما أسفر عن مقتل الآلاف.
بعد قمع الثورة، خففت الحكومة الشيوعية من بعض السياسات القمعية، وبدأت في برنامج إصلاحي محدود. ومع ذلك، استمرت الدولة في السيطرة على الاقتصاد والمجتمع، واستمرت في قمع المعارضة السياسية. شهدت هنغاريا تحسينات في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية، ولكن مستوى المعيشة كان لا يزال منخفضًا مقارنة بالدول الغربية.
في الثمانينيات، بدأت الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في الانتشار في جميع أنحاء الكتلة الشرقية. في هنغاريا، بدأ القادة الشيوعيون في إدراك الحاجة إلى التغيير. في عام 1989، تم تنظيم انتخابات حرة، وأنهى الشيوعيون حكمهم. في أكتوبر 1989، أعلنت هنغاريا قيام جمهورية هنغاريا، وبدأت في التحول إلى نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب.
كانت الجمهورية الشعبية الهنغارية فترة طويلة ومؤلمة في تاريخ هنغاريا. على الرغم من بعض التحسينات الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن القمع السياسي والقيود الاقتصادية والاجتماعية تركت أثرًا دائمًا على المجتمع الهنغاري. يمثل سقوط الجمهورية الشعبية الهنغارية نهاية حقبة وبداية فصل جديد في تاريخ هنغاريا.
تأثير الشيوعية على هنغاريا
تركت الشيوعية تأثيرًا عميقًا على هنغاريا، ولا يزال هذا التأثير محسوسًا حتى اليوم. يمكن تلخيص بعض هذه التأثيرات على النحو التالي:
- التحولات الاقتصادية: أدت الشيوعية إلى تأميم الصناعات والبنوك، والسيطرة على الاقتصاد من قبل الدولة. أدى هذا النظام إلى نقص في السلع الأساسية، وتدهور في مستوى المعيشة، وتأخر في التنمية الاقتصادية.
- القمع السياسي: شهدت هنغاريا قمعًا سياسيًا شديدًا خلال فترات الحكم الشيوعي. تم قمع الحريات المدنية، وتم قمع المعارضة السياسية، وتم اعتقال وتعذيب وقتل الآلاف من الأشخاص.
- التغيرات الاجتماعية: أدت الشيوعية إلى تغييرات كبيرة في المجتمع الهنغاري. تم تطبيق نظام تعليمي ورعاية صحية جديد، ولكن في المقابل تم تقييد الحريات الفردية، والرقابة على الإعلام، والدعاية الشيوعية.
- التأثيرات الثقافية: أثرت الشيوعية على الثقافة الهنغارية، من خلال الرقابة على الفنون والأدب، وتعزيز القيم الشيوعية.
على الرغم من أن الشيوعية انتهت في هنغاريا في عام 1989، إلا أن إرثها لا يزال محسوسًا حتى اليوم. تواجه هنغاريا تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية، والتي تعكس جزئيًا التأثير الطويل الأمد للحكم الشيوعي.
خاتمة
شهدت هنغاريا ثلاث فترات رئيسية من الحكم الشيوعي، تركت كل منها بصمة عميقة على تاريخ البلاد ومجتمعها. من جمهورية المجريات السوفيتية القصيرة الأمد في عام 1919، إلى الجمهورية الهنغارية التي شهدت القمع في فترة ما بعد الحرب، وصولًا إلى الجمهورية الشعبية الهنغارية التي استمرت لأكثر من أربعين عامًا، شكلت الشيوعية تجربة تحويلية لهنغاريا. على الرغم من انتهاء الحكم الشيوعي في عام 1989، إلا أن إرثه لا يزال محسوسًا، ويواجه الهنغاريون تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية تعكس جزئيًا التأثير الطويل الأمد لهذه الفترة.