<![CDATA[
خلفية تاريخية
في أعقاب صعود النازية في ألمانيا في عام 1933، بدأت أعداد اليهود الذين يسعون للهروب من الاضطهاد في الارتفاع. سعى العديد منهم للحصول على اللجوء في بلدان أخرى، بما في ذلك كندا. ومع ذلك، تبنت كندا سياسة هجرة مقيدة للغاية في ذلك الوقت، مدفوعة بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك المشاعر المعادية للسامية السائدة، والمخاوف الاقتصادية، والقيود الديموغرافية.
كانت سياسة الهجرة الكندية خلال هذه الفترة موجهة بشكل كبير نحو تفضيل المهاجرين من بريطانيا وأوروبا الغربية. كان يُنظر إلى اليهود، بالإضافة إلى مجموعات أخرى مثل السود والآسيويين، على أنهم “غير مرغوب فيهم” بسبب التحيزات العرقية والثقافية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. حددت الحكومة الكندية بشكل صارم عدد اليهود المسموح لهم بدخول البلاد، وعرقلت بشدة جهود اللاجئين للحصول على تأشيرات الدخول.
سياسات الهجرة الكندية
كانت سياسات الهجرة الكندية خلال فترة الحرب العالمية الثانية تتسم بالقيود الشديدة. كان المسؤولون الحكوميون يخشون زيادة عدد السكان اليهود في كندا، مدفوعين بمشاعر معادية للسامية. كانت الإجراءات البيروقراطية معقدة بشكل مفرط، مما جعل من الصعب على اللاجئين الحصول على تأشيرات الدخول. غالبًا ما تعرض المتقدمون لعملية فحص صارمة وطويلة، وكان يتم رفض العديد منهم في النهاية.
أحد أبرز الأمثلة على سياسة الهجرة الكندية التقييدية كان موقفها تجاه سفينة “سانت لويس”. في عام 1939، أبحرت السفينة التي تقل أكثر من 900 لاجئ يهودي من ألمانيا إلى كوبا، لكن كوبا رفضت دخولهم. توجهت السفينة بعد ذلك إلى كندا، حيث مُنعت من الرسو. أُجبر الركاب في النهاية على العودة إلى أوروبا، حيث قُتل العديد منهم في الهولوكوست. تعتبر هذه الحادثة رمزًا للرفض الكندي للاجئين اليهود ولغياب الإرادة السياسية لتقديم المساعدة.
اللامبالاة والتمييز
يوضح كتاب “لا أحد كثير جدًا” مدى انتشار اللامبالاة والتمييز في المجتمع الكندي خلال فترة الحرب العالمية الثانية. لم يكن المسؤولون الحكوميون مترددين فحسب في تخفيف سياسات الهجرة، بل أظهروا أيضًا تحيزًا صريحًا ضد اليهود. غالبًا ما استخدموا لغة معادية للسامية في مراسلاتهم وتقاريرهم.
بالإضافة إلى ذلك، كان الجمهور الكندي بشكل عام غير مبالٍ بمحنة اللاجئين اليهود. ساهمت الدعاية المعادية للسامية، التي كانت تنتشر على نطاق واسع في ذلك الوقت، في خلق جو من الخوف والشك تجاه اليهود. كانت المنظمات اليهودية الكندية تكافح من أجل زيادة الوعي بالقضية اليهودية وتعبئة الدعم للاجئين، لكن جهودها كانت غالبًا ما تصطدم باللامبالاة والرفض.
التحديات البيروقراطية
بالإضافة إلى اللامبالاة والتمييز، واجه اللاجئون اليهود العديد من التحديات البيروقراطية في محاولتهم دخول كندا. كانت عملية الحصول على تأشيرة معقدة وطويلة، وتطلبت الكثير من الوثائق. كان على المتقدمين تقديم دليل على أنهم يتمتعون بصحة جيدة، ولديهم أموال كافية لدعم أنفسهم، ولا يشكلون خطرًا أمنيًا.
كان المسؤولون الحكوميون غالبًا ما يضعون عقبات إضافية في طريق المتقدمين، مثل اشتراط الحصول على شهادات حسن سلوك أو الخضوع لفحوصات طبية إضافية. علاوة على ذلك، كان هناك نقص في الموظفين الكافيين للتعامل مع عدد طلبات اللجوء المتزايد، مما أدى إلى تأخيرات طويلة والإحباط بين اللاجئين.
دور المنظمات اليهودية
لعبت المنظمات اليهودية الكندية دورًا مهمًا في محاولة مساعدة اللاجئين اليهود. عملت هذه المنظمات على زيادة الوعي بمحنة اليهود، وتعبئة الدعم للاجئين، وتوفير المساعدة المالية والقانونية. ومع ذلك، كانت جهودهم غالبًا ما تصطدم بالعقبات البيروقراطية والمقاومة الحكومية.
قامت المنظمات اليهودية بحملات من أجل تخفيف سياسات الهجرة الكندية، لكنها لم تنجح إلا في الحصول على عدد قليل من التغييرات المحدودة. كما عملت هذه المنظمات على مساعدة اللاجئين في العثور على عمل ومأوى، وتوفير الدعم الاجتماعي. على الرغم من هذه الجهود، لم تتمكن المنظمات اليهودية من منع مأساة اللاجئين الذين مُنعوا من دخول كندا.
التأثير على التاريخ الكندي
ترك كتاب “لا أحد كثير جدًا” أثرًا كبيرًا على فهمنا للتاريخ الكندي. كشف الكتاب عن قصة معقدة من اللامبالاة، والتمييز، والتحديات البيروقراطية التي واجهت اللاجئين اليهود في سعيهم للحصول على ملاذ آمن في كندا. كما تحدى الكتاب الرواية التاريخية السائدة لكندا كدولة مرحبة باللاجئين، وأبرز الحاجة إلى الاعتراف بتاريخ كندا الصعب فيما يتعلق باليهود.
ساهم الكتاب في زيادة الوعي بالمعاداة للسامية في كندا وشجع على مناقشة أكثر صراحة حول دور كندا في الهولوكوست. وقد ساهم في تغيير سياسات الهجرة الكندية وجعلها أكثر استجابة للاحتياجات الإنسانية للاجئين.
أهمية الكتاب اليوم
لا يزال كتاب “لا أحد كثير جدًا” وثيق الصلة في يومنا هذا. مع استمرار العالم في مواجهة أزمات اللاجئين، يوفر الكتاب رؤى مهمة حول عواقب سياسات الهجرة التقييدية. إنه بمثابة تذكير بأهمية الترحيب باللاجئين وتوفير المساعدة الإنسانية.
يشجع الكتاب على التفكير النقدي في تاريخنا، ويدعو إلى تعلم الدروس من الماضي. إنه بمثابة تذكير بأهمية مكافحة جميع أشكال التمييز والتحيز، والتأكد من أن كندا لا تكرر أخطاء الماضي.
خاتمة
“لا أحد كثير جدًا” هو كتاب مهم يكشف عن جانب مظلم من التاريخ الكندي. يستكشف الكتاب سياسات الهجرة الكندية تجاه اليهود الهاربين من الاضطهاد النازي خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ويبرز قصة معقدة من اللامبالاة، والتمييز، والتحديات البيروقراطية. يمثل الكتاب مساهمة كبيرة في فهمنا للتاريخ الكندي، ولا يزال وثيق الصلة في يومنا هذا، حيث يوفر رؤى مهمة حول عواقب سياسات الهجرة التقييدية.